الأحد، 27 فبراير 2011

هل ستسلم الثورة نفسها للسياسيين (الجزء الثاني)


محمد المثلوثي
الحوار المتمدن - العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

إن بحثنا في عناصر الضعف العميقة للموجة الثورية الحالية ليس منطلقه الوعظ أو تقديم الوصفات السحرية للانتصار أو بناء لنموذج خيالي جاهز للتطبيق، بل هو في الواقع رصد للمسار الثوري نفسه كما هو متحقق ومحاولة لكشف بعض عناصر قوته وعناصر ضعفه.
لن ندخل في هذا المبحث إلى الجدال الدائر حول طبيعة هذه الحركة إن كانت ثورة فعلية أم هي مجرد انتفاضة باعتبار وأن الأحداث نفسها مازالت لم تجب عن هذا السؤال بشكل عملي حاسم ولن يفيد كثيرا الدخول في تأملات ذهنية محضة تتعلق بالمستقبل. لكن من المهم أن نلفت الانتباه كون الخطاب الذي يتعمد إبراز هذه الحركة كثورة متحققة ومنجزة، أو أنها ثورة لم يتبقى من أهدافها غير بعض التعديلات هنا أو هناك في شكل الدولة، إنما هو خطاب يستهدف إيقاف المسار الثوري عند حدوده الراهنة، أو هو يحاول حرف هذا المسار صوب الإصلاحات السياسية الفوقية بما يحافظ على الأساس العام للنظام الاقتصادي والاجتماعي القائم. فمن الطبيعي أن شرائح عديدة من البورجوازية والبورجوازية الصغيرة تجد نفسها قد حققت جزء عظيما من أهدافها، ولم يبقى بالنسبة لها سوى الترتيبات السياسية لإعادة بناء الدولة بما يضمن شرعيتها وقبولها من طرف الجمهور بما يسمح بعودة الحياة العادية بعد أن تكون قد تخلصت من الشرائح البورجوازية التي كانت تحتكر الهيمنة الطبقية ممثلة خاصة في العائلة المالكة وملاحقها مما يسمى برموز النظام السابق، وضمان إدارة طبقية جديدة تجمع بين الحرية الاقتصادية والشفافية ومحاربة الفساد وبين الحرية السياسية للأحزاب والإصلاحات الديمقراطية التي تسمح بالتداول السلمي على السلطة ومنع احتكارها من طرف فئة بورجوازية ضيقة. فبالنسبة لهذه الشرائح من الطبيعي أن خطابها يتمحور أساسا إما حول بث الدعاية حول الثورة العظيمة ومنجزاتها التاريخية وتمجيد بطولاتها وضروة الحفاظ على مكاسبها وعدم الدخول في الفوضى، وترك المجال للحكومة لإدارة أعمالها في انتظار إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة، وإما التركيز على ما يسمى المطالب السياسية وإدانة أي تحرك للكادحين يواجه مطالبهم الاجتماعية الملحة بدعوى أن ذلك سيهمش المطالب السياسية. وهذا الخطاب بكل تلويناته البورجوازية والبورجوازية الصغيرة، وبقدر تمجيده الشاعري للثورة، بقدر محاولته لجم جموحها وترويضها في الحدود الإصلاحية لهذا النظام البائس.
لكن وفي مقابل هذا الخطاب التضليلي حول الثورة المكتملة العناصر والأهداف، فان الخطاب الذي يصف الحركة بكونها مجرد انتفاضة، وبرغم أنه ينطلق من معطيات فعلية تتعلق بكون هذه الثورة في لحظتها الراهنة لم تبادر فعليا إلى الذهاب أشواطا بعيدة في وضع أسلوب الإنتاج موضع السؤال العملي، فانه يستبطن احتقارا للمبادرات العظيمة التي قامت بها الجماهير، ليخفي الطبيعة الحقيقة لهذه الحركة، بحيث يخرج بخلاصة كون ما يحدث لا يتعلق مطلقا بهبة ثورية على أسلوب الإنتاج، ولو في حدود مازالت جنينية وبمظاهر مشتتة وغير منتظمة، بل بمجرد انتفاضة ضد الديكتاتورية المطلقة، أو من أجل المطالبة بالشغل والزيادة في الأجور..الخ. وهذا الخطاب في أغلبه ينطلق من عناصر الضعف في الحركة (شعاراتها، اليافطات السياسية التي ترفعها، ضعف الفرز الطبقي داخلها..) ليخلص لكون الجماهير عاجزة عن تطوير نضالاتها نحو أهدافها الثورية الجذرية بدون وجود نخبة مثقفة في قيادتها، أو بدون ما يسمى بالطليعة الثورية أو الحزب الثوري القائد. فبالنسبة لهؤلاء فان الثورة غير ممكنة بدون اكتمال عناصر وعيها المسبق في أذهان القادة والزعماء، وبدون أن تسير وفق النموذج النظري الذي ترسمه هيئة أركان عليا، وبدون انتشار العقيدة الماركسية
أو اللينينية أو الماوية أو التروتسكية في أوساط الجمهور المنتفض، وبدون أن يرفع الناس الشعارات الجاهزة المعدة سلفا من طرف دستة من الأذكياء والعباقرة. وحالما تخرج الحركة عن هذا النموذج فانه يتم وصفها بالعفوية وانسداد الأفق، بما يقود إلى وصفها بمجرد انتفاضة، وكأنها حادث عارض محكوم بالهزيمة مسبقا بما أنه يفتقد لما يسمونه بالعامل الذاتي، والذي لا يعني سوى وجود تلك النخبة التي يمكنها تسيير العالم بعصا سحرية، وعبر مراحل مرسومة سلفا، نحو الخلاص النهائ
إن حركة الشغيلة سواء في تونس أو في غيرها من بلدان العالم لا يمكن فهمها إلا في حقيقتها الفعلية كرد فعل طبيعي على الأزمة العالمية للرأسمالية وما تسببت فيه من كوارث اجتماعية ليس أقلها اتساع رقعة البطالة وانخفاض المقدرة الشرائية للعمال وتدهور الوضع المعيشي والبيئي والصحي للقسم الأعظم من البشرية. وان التناقض المميز للرأسمالية الذي يزداد احتدادا بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والطابع الفردي لتملك وسائل الإنتاج من طرف قلة صغيرة من المستكرشين لا يمكن له إلا أن يجد تعبيره في تصادم جمهور الكادحين مع أجهزة الدولة الديكتاتورية منها والديمقراطية. فمن هذه الزاوية فقط يمكن تحديد طابع هذه الموجة الثورية التي تزداد امتدادا وتوسعا كما تحديد أهدافها التاريخية الفعلية بغض النظر عن ظروف تطورها الحالي والدرجة التي وصلت إليها من النضج. فما تصوره وسائل الإعلام البورجوازية على أنه "حراك ديمقراطي في البلدان المتخلفة" أو "نضال شعبي ضد ديكتاتورية بن علي ومبارك والقذافي..الخ" أو "احتجاج من أجل تنمية عادلة " أو "ثورة الكرامة ومن أجل الحداثة والتقدم" ما هو في الحقيقة سوى هبة ثورية للشغيلة ضد نظام اقتصادي واجتماعي يدفعها إلى حضيض العبودية. فالرأسمالية بتنميتها وتقدمها وحداثتها أثبتت بنفسها أنها لا يمكن لها أن تقدم للبشرية سوى مزيد من الأزمات المستعصية ومزيدا من التفاوت الطبقي واختلال التوازن سواء بين الدول أو بين المناطق وحتى بين القطاعات. كما أن ديمقراطيتها قد واجهت الشغيلة في اليونان وفرنسا بالحديد والنار واستعمال قوانين الطوارئ ومنع الإضرابات، وهي تدفع آلافا مؤلفة في مراكزها الصناعية الكبيرة في أمريكا والهند والصين إلى أقصى أشكال الفقر والتهميش والتسول والتشريد من المنازل. وان هذا الواقع المهين الذي تعيشه الأغلبية العظمى من البشرية في ظل الرأسمالية يدفع الفقراء في كل أصقاع الأرض إلى النهوض ضد ظروف استلابهم وتجويعهم، كما يدفعهم إلى اكتشاف وحدة أهدافهم الأممية وضرورة تضامنهم العالمي في مواجهة التضامن العالمي بين البورجوازيين الذين يمدون العون لبعضهم البعض لكبح جماح حركة الشغيلة ومنع تطور لهيب هذه الانتفاضات إلى ثورة أممية تعصف بالنظام الرأسمالي برمته وتعيد طرح السؤال العملي لاستبدال أسلوب الإنتاج السائد القائم على الاستغلال الطبقي واستثمار إنتاج المجتمع من طرف زمرة قليلة من الطفيليين البورجوازيين بأسلوب اجتماعي يقضي على الطبقات ويقيم الإنتاج التعاوني بين المنتجين الأحرار.
وإذا كان نضال البروليتاريا ضد شروط استعبادها ينطلق ضمن الحدود الوطنية فان الأساس الواقعي لتطور هذا النضال ووضوح أهدافه لا يتعلق بوجود حزب ثوري أو طليعة مثقفة تقود العامة من الجهلة، بل بتوسع رقعة الموجة الثورية ووصولها إلى المستوى الأممي. فبدون توسع هذه الموجة الاحتجاجية لتشمل قسما كبيرا من البلدان وخاصة المراكز الحيوية الكبيرة للرأسمال فإنها ستجد نفسها تتقوقع شيئا فشيئا على نفسها وستسمح للقوى الرأسمالية العالمية الكبرى بإدارة الصراع وتطويقه ومساعدة الحكومات المحلية على الالتفاف على الثورة والاستفراد بها في كل بلد على حدة. ولعل ما نلاحظه اليوم من تهافت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بما هي القوى الرأسمالية الأعظم على حبك سيناريوهات "التحول الديمقراطي" و"الانتقال السلمي للسلطة" وتقديمها للدعم المالي والاقتصادي للأنظمة القائمة يمثل في الواقع حقيقة وحدة الطبقة البورجوازية على المستوى العالمي عندما يتعلق الأمر بمواجهة الثورة البروليتارية. وهذا ما يجعل من التجسيد الفعلي للتضامن العمالي الأممي شرطا حاسما في تواصل المسار الثوري. ولعل عناصر الضعف التي يمكن لها أن تظهر في الحركة ليست شيئا آخر غير التعبير عن عدم التوازن في تطور هذه الحركة والبطء في اكتساحها الأممي. فبقدر توسع الحركة يمكن للأهداف التاريخية للبروليتاريا أن تظهر على السطح أكثر فأكثر، ويبرز الاستقطاب الطبقي الثنائي وحقيقة المصالح الاجتماعية المتناقضة بين الشغيلة والبورجوازية. وبقدر تأخر هذا الامتداد أو تعطله فان الأهداف الاجتماعية للثورة تخبو شيئا فشيئا لتترك المجال للإصلاحات السياسية التي يقترحها الزعماء والساسة والأحزاب.
إن البورجوازية العالمية تسعى بكل جهدها إلى تقسيم طبقة الشغيلة سواء من خلال التقسيمات الجهوية والعشائرية والطائفية والدينية والعرقية والقومية..الخ، أو من خلال بث الوهم في أن أهداف البروليتاريا تختلف من بلد إلى آخر. ففيما يتم وصف حركة العمال في البلدان "المتخلفة" بكونها تستهدف الانتقال الديمقراطي والقضاء على الديكتاتوريات، يتم اعتبار هذه الحركة في الدول "المتقدمة" كونها حركة من "أجل الحفاظ على المكاسب الديمقراطية" أو "الدفاع عن المكاسب الاجتماعية للعمال" أو "من أجل مقاومة النيوليبرالية المتوحشة" أو "من أجل عولمة إنسانية ومقاومة المضاربين"..الخ. هذه الدعاية تهدف إلى إخفاء وحدة أهداف الشغيلة في العالم في مواجهة بربرية رأس المال، وذلك من أجل ضرب تضامنها الأممي. بحيث يقولون للعمال في "الغرب" إن الموجة الثورية الحالية أمر لا يعنيهم وهو متعلق فقط بشعوب متأخرة وبربرية تناضل ضد وحوش من القرون القديمة وليس ضد زعماء رأس المال والمتصرفين في إدارته في تلك الدول، بينما يقولون للعمال في "الشرق" إن الإضرابات والاحتجاجات العمالية في أوروبا وأمريكا لها أهداف لا علاقة لها بوضع العمال في إفريقيا وآسيا، بما أن عمال "الغرب" يعيشون بحبوحة من العيش وأنهم يطالبون بكماليات ورفاهية في عالم آخر غريب وبعيد. وليس غريبا أن فرقا يسارية تساهم في بث مثل هذه الأوهام، حيث ينسبون للبروليتاريا أهدافا مختلفة من بلد إلى آخر. فنجد، بالنسبة لهم، أن للبروليتاريا في بلدان ما يسمى العالم الثالث مهمة خاصة تتمثل في انجاز "المرحلة الديمقراطية" وبناء "الاقتصاد الوطني المستقل" و"فك الارتباط مع الامبريالية" بينما يكون للبروليتاريا في العالم المتقدم مهام "الحفاظ على المكاسب الديمقراطية في مواجهة اليمين المتطرف" و"إعادة دور الدولة الاجتماعي" و"مقاومة العولمة المتوحشة" أو هم يعتبرون في أحسن الأحوال أن مهمة "بناء الاشتراكية" مهمة منحصرة في البلدان الصناعية المتقدمة وأساسا أوروبا وأمريكا، وكأن الاشتراكية أمر ممكن بدون تطورها على المستوى الأممي. كل هذا الخطاب من شأنه شق صفوف العمال وضرب تضامنهم، بحيث يتحول كل قسم من البروليتاريا إلى فئة خاصة ذات أهداف خاصة، بما يسمح للبورجوازية بجر هذا القسم في مواجهة القسم الآخر، أو تحييد جزء منهم للاستفراد بالجزء الآخر، وهذا من شأنه إعطاء هامش مناورة كبير للبورجوازية لمحاصرة الانتفاضات وتحويل وجهتها صوب أهداف غريبة عنها.
لكن من المهم أن نبرز هنا أن مواجهة الشغيلة للدولة وأجهزتها القمعية لا يمكن له أن يحافظ على ديمومته واستقراره بدون خلق تنظيمات طبقية مستقلة وقارة. ففي غياب أطر للتنظيم الذاتي لعموم الفقراء وتقدم هذه الأطر لتشمل مجالات اجتماعية جديدة، بحيث تتطور كل أشكال النضال للتوحد وصب جهودها في أهداف طبقية شاملة، والانتقال من حالة الفوضى إلى حالة الانتظام، فان إمكانية الانتكاس تكون هي الأقرب، كما إمكانية إعادة استيعاب الحركة من طرف أحزاب بورجوازية جديدة وتحت يافطات جديدة تبقى خطرا محدقا. وإضافة لذلك فان غياب الأطر التنظيمية الطبقية يُبقي الباب مفتوحا أمام الأحزاب والتيارات السياسية لتقسيم الحركة وفق عقائدها ومصالحها الخاصة وأهدافها في أخذ نصيب من السلطة السياسية باستعمال الحركة نفسها كوقود لتحسين شروط تفاوضها في الترتيبات السياسية.
لكن ظهور وتطور أشكال التنظيم الطبقي الذاتي ليس مرتبطا مثلما يعتقد البعض بمهمات توعوية من قبل نخبة مثقفة أو نقل الوعي من قبل ما يسمى بالأنتلجنسيا الثورية إلى صفوف البروليتاريا، بل أساسا بوجود تقاليد ثورية في صفوف الجماهير. ولعل غياب هذه التقاليد في الحركة الحالية ساهم بدرجة عظيمة في التلاشي السريع للجان الأحياء التي أقامها الأهالي وعجزها عن تطوير نفسها لتتحول إلى أدوات نضال طبقي فعلية، أو أدوات للتسيير الذاتي وفرض ذلك على الدولة. وحتى اللجان التي أقامها العمال في المؤسسات والشركات تحولت، برعاية النقابة وأوامرها المباشرة، إلى مجرد لجان حماية لممتلكات البورجوازيين الذين انسحبوا لأيام طويلة ليعودوا بدون حتى أن يكلفوا أنفسهم بإعادة النظر في الوضع المادي المتدهور لعمالهم، وهذا ما دفع هؤلاء إلى العودة إلى موجة من الإضرابات التي شملت تقريبا كل القطاعات العمومية منها والخاصة.
هذا الواقع يفرض على التيارات العمالية والمناضلين والمثقفين الذين انحازوا لصف الثورة أن يبادروا إلى توحيد الصفوف من أجل المساهمة في إعادة تطوير أشكال جديدة من التنظيم الذاتي للكادحين. وهذا لن يكون إلا بالتخلي عن العقائد القديمة والتقاليد البالية والتقسيمات الايديولوجية التي تقوم على أساس أفكار تجاوزتها الحركة التاريخية للشغيلة. ولعل الوحدة النضالية الفعلية هي تلك التي تنطلق من دروس الانتفاضة نفسها ودرجة النضج التي وصلت إليها والعمل على تطوير أهدافها وتوسيع أفاقها، وليس من خلال التناحر المذهبي أو السياسوية الذليلة التي لا طموح لها سوى الوصول إلى موقع في السلطة السياسية ولو كان ذلك بعقد أكثر التحالفات انتهازية مع الأطراف البورجوازية والبورجوازية الصغيرة اليمينية منها والشوفينية التي بقدر لهجتها السياسية الثورجية بقدر تغييبها المطلق والتام لكل قضايا الجماهير الكادحة، بل تآمرها على مصالح العمال لحساب هذا الفصيل أو ذاك من البورجوازية وتكريسها لبرامج اقتصادية واجتماعية من شأنها تأبيد الاستغلال الطبقي والحفاظ على أركان النظام الرأسمالي القائم.
لكن عناصر الضعف في هذه الحركة لا تتعلق فقط بخفوت وتيرة تشكيل الأدوات الطبقية للتنظيم الذاتي، بل أيضا بالأساليب النضالية المتبعة والشعارات واليافطات المرفوعة، وهذا ما سيكون موضوع الجزء القادم

هل ستسلم الثورة نفسها للسياسيين (الجزء الأول)


محمد المثلوثي
الحوار المتمدن - العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع


لا أحد يستطيع أن يعترض على أن الثورة في تونس عند انطلاقتها وفي أوج تصادمها مع الدولة وأجهزتها الديكتاتورية كانت تطرح مطالب وأسئلة حول وضع الجماهير الكادحة والمفقرة من بطالين وعمال وعموم الأجراء والطلبة والتلاميذ وعديد الشرائح الاجتماعية المهمشة. فالثورة انطلقت أساسا ضد البطالة وارتفاع الأسعار والفساد المالي والإداري وتسلط أجهزة الدولة البيروقراطية على الناس وحرمانهم من أبسط مقومات العيش. وهذا لا يعني سوى أن ميدان الثورة الفعلي، والذي نهضت الجماهير ضمنه وطوّرت احتجاجاتها من خلالها، هو الميدان الاجتماعي. لكن البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي واختلال التوازن بين المقدرة الشرائية لعموم الأجراء وبين لهيب الأسعار إنما هي في الواقع تعبيرة من تعبيرات النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم. أي أن الموضوع لا يتعلق بشكل الحكومة وبشكل الدستور ولا بأي حزب من الأحزاب هو على رأس الدولة بقدر ما هو متعلق بالأسلوب السائد في إنتاج الثروة الاجتماعية وأسلوب توزيعها. هذا الأسلوب الاقتصادي يقود من جهة إلى مراكمة الثروة لفئة اجتماعية صغيرة ليقود من جهة أخرى إلى بؤس وفقر وبطالة أغلبية المجتمع، وما الدولة وأجهزتها إلا أداة لإدارة هذا الأسلوب الاقتصادي بالذات. فالدولة لا تقوم سوى بتسيير شؤون الأغنياء وضمان خضوع بقية المجتمع، أي أنها لا تمثل سوى الشكل السياسي الذي تدير به الفئة المستفيدة من هذا النظام الاقتصادي سيادتها على المجتمع وللحفاظ على مصلحتها العامة والمشتركة. وهكذا فالثورة إذ قامت بالتصادم مع الدولة فليس إلا بوصفها ممثلة للنظام الاقتصادي وأداة لإدارته. وهذا ما يقود إلى كون الثورة في الواقع إنما قامت ليس لوضع هذا السياسي مكان ذاك على رأس الدولة ولا هي قامت من أجل تغيير الحكومة وأعضاء البرلمان..الخ، أي مجرد ترميم جهاز الدولة، بل قامت ضد نظام اقتصادي يستغل الشغيلة وعموم الفقراء ويضعهم في موضع العبودية السافرة. فمثلما يستلبهم هذا النظام الاقتصادي ثمرة جهدهم وعرقهم فان الدولة تستلب منهم حقهم في إدارة أنفسهم بأنفسهم من خلال تعيين كل الوظائف الإدارية والتعليمية والأمنية والبلدية وفي مؤسسات الإنتاج وفي كل مناحي إدارة المجتمع من فوق وبطريقة تضمن ولاء الجميع لها وللسياسيين الذين يديرونها. بحيث أنه بدل أن يسيّر الناس شؤونهم من خلال الانتخاب المباشر لمن سيقوم بأداء المهمات الاجتماعية التي يكلفونه بها، أي بخلق أدوات تسيير ذاتي، فان الدولة تحتكر هذا الحق. وبدل أجهزة التسيير الذاتي التي هي وحدها تمثل مساهمتهم الفعلية والمباشرة في إدارة المجتمع تقوم الدولة ببناء أجهزة بيروقراطية معينة بطريقة تسلطيّة، بحيث تتحول هذه الأجهزة من أدوات لخدمة المجتمع إلى أدوات لقمعهم وإخضاعهم.
والثورة الحالية إذ بدأت ثورة اجتماعية بالفعل، أي ثورة ضد النظام الاقتصادي والاجتماعي ودولته الديكتاتورية، فان السياسيين بفضل خبرتهم في عقد التحالفات من وراء الكواليس، وتقديم الوصفات الجاهزة لفرضها على الجماهير، يعملون كل ما في جهدهم إلى تحويل وجهتها نحو أهداف غريبة عنها. فبدل الشعارات ذات المضمون الاجتماعي والاقتصادي الواضح التي اتسمت بها الانتفاضة في بدايتها، فرض السياسيون شعاراتهم التي تستهدف استبدال هذا الحزب بذاك، أو هذا السيناريو لترميم الدولة بذاك. فبينما كنا نسمع في الاحتجاجات الأولى ذات الطابع التلقائي للجماهير شعارات حول الشغل والتنمية والكرامة، أي وبرغم غموض هذه الشعارات فإنها كانت تواجه النظام الاقتصادي والاجتماعي، أصبحنا نسمع في الاحتجاجات التي التحق بها هؤلاء الساسة شعارات حول ضرورة "حكومة إنقاذ وطني" أو "حكومة تكنوقراط للتحضير للانتخابات" أو "حكومة يشارك فيها الجميع بدون استثناء" أو "من أجل دستور جديد" أو "من أجل مجلس تأسيسي"...الخ. أي أن الثورة بعدما كانت تجابه الجذر العميق الذي قامت من أجل اقتلاعه، أي أسلوب إنتاج الثروة وتوزيعها، وكانت شيئا فشيئا تطور بنفسها أساليب نضالاتها وتوضح مضمونها وتكثفه في شعارات ملموسة متعلقة بوضع الجماهير المعاشي، فإنها اليوم تواجه ثورة مضادة تستهدف استنزاف كل جهودها في لعبة الأحزاب وطموحاتها في أخذ مكان في أجهزة الدولة. والحزب الذي يتحصل على نصيب من الكعكة يقوم بسحب مناضليه ويتحول إلى جلاد جديد بسرعة فائقة، أما الأحزاب التي خرجت من اللعبة بيد فارغة فإنها بدأت بزرع بذور الانقسامات السياسية والإيديولوجية داخل الحركة، وفي حين كانت هذه الأحزاب مختفية تماما قبل سقوط الديكتاتور ولم ترفع يافطاتها، وفي غالب الأحيان اكتفت بمراقبة الأوضاع من بعيد وإطلاق الخطابات التلفزيونية النارية، فإننا نشاهدها اليوم، وبفضل مساحة الحرية التي فرضتها الانتفاضة، تحاول شيئا فشيئا السيطرة على الحركة وتوجيهها وجهة أهدافها الخاصة. فحركة النهضة التي كانت قبل اندلاع الانتفاضة تبعث برسائل تطمينية للنظام وتعبر عن استعدادها لكل التنازلات في سبيل مجرد أخذ التأشيرة القانونية ها هي اليوم وبطرق مناورة تحاول اكتساح الحركة واستعمالها لخلق توازن يسمح لها بالدخول في الترتيبات السياسية التي تطبخها الأحزاب. والأحزاب اليسارية في أغلبها لم تكرس طاقاتها وجهودها في سبيل تطوير العمق الاجتماعي لهذه الثورة، ولم تقم بأي خطوة ملموسة لتوحيد الجهود من أجل تطوير أدوات النضال الفعلية التي ابتدعتها الجماهير بنفسها، أي اللجان الشعبية للتسيير الذاتي. بل إنها تصب كل جهدها في تحصيل موقع أفضل في الخارطة السياسية، وهي في ذلك مستعدة لعقد أكثر التحالفات غرابة وتناقضا. والسياسيين إذ يتصارعون فميدان صراعهم هو حصة كل واحد منهم في الغنيمة المنتظرة.
وللأسف، وبحسب تجارب الثورات الاجتماعية السابقة، فان الثورة إذ تسلم مصيرها في يد السياسيين، فإنها لا تفعل سوى التخلي عن أهدافها الاجتماعية لصالح أهداف السياسيين ومزايداتهم التي لا تنتهي. وإذا ما واصلت في هذا الاتجاه الخاطئ فمصيرها المحتوم هو عدم تخطي عتبة الإصلاحات والإبقاء على جذور النظام القائم. ففي أحسن الأحوال، وإذا انجرّت الثورة تماما إلى ميدان الإصلاحات السياسية مهما كانت جذريتها، سيتحقق للسياسيين ما يحلمون به دائما: الحريات السياسية، الديمقراطية، انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وشفافة، دستور جمهوري، حق الأحزاب في النشاط العلني..الخ. أما أهداف الثورة الحقيقية، تغيير الشروط المادية الفعلية لحياة الناس، فانه سيبقى معلقا ومؤجلا إلى انتفاضة قادمة لا أحد يعرف متى ستأتي. ذلك أن تغيير تلك الشروط الحياتية لا يمكن له أن يتحقق بتغيير السياسيين الذين يسيّرون الدولة، أو بمدى نزاهتهم، بل بتغيير في النظام الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما لا يمكن حدوثه بانتخابات حرة ونزيهة بل بمباشرة الناس بإدارة شؤونهم بأنفسهم وليس عبر الأجهزة البيروقراطية للدولة. فالبوليس لن يتحول إلى أداة لحماية الناس وتأمين تصريف حياتهم بدل قمعهم بمجرد صعود هذه السياسي أو ذاك، فطالما البوليس يتم تعيينه من فوق، بأوامر الأجهزة المركزية للدولة فانه لا يمكن أن يكون سوى أداة قمع. وعون البلدية طالما أنه لا يخضع للانتخاب وحق الناس في عزله فانه لا يمكن أن يتحول إلا إلى بيروقراطي نزيه في قليل من الأحيان ومرتش ومستغل لموقعه في أغلب الأحيان. والبورجوازي الذي ينهب عرق العمال سيبقى هو صاحب رأس المال والمتصرف فيه مهما كانت تركيبة الحكومة. والملاك العقاري سوف يواصل نهبه الطفيلي لثروة المجتمع مهما كان اسم رئيس الدولة أو الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان. والنظام الرأسمالي عموما سيواصل تطوره الكارثي مخلفا وراءه آلاف البطالين والمهمشين والجهات المحرومة مهما كانت أشكال ترميم الدولة وتغيير الوجوه.
إن الساسة عندما يتحدثون عن الحرية فإنما يقصدون حريتهم هم بالذات، حرية أحزابهم في جر الجمهور إلى المنافسات الانتخابية الدورية. وعندما يتحدثون عن سلطة الشعب فإنما يقصدون سلطتهم هم بالذات من خلال تفويض من الشعب كل خمس سنوات. وعندما يتحدثون عن ضرورة عدم إقصاء أي طرف في الحكومة فان إقصاء الملايين الأخرى من غير السياسيين، ومنعهم من إدارة شؤونهم بأنفسهم، هو أمر ديمقراطي جدا بالنسبة لهم. فالديمقراطية هي ديمقراطية عشرة في المائة من السكان أو أقل من ذلك بكثير، ديمقراطية فئة السياسيين وحريتهم وتداولهم السلمي على السلطة، أما بقية الشعب فهم كالعبيد والنساء في الديمقراطية اليونانية القديمة مقصيّون ومبعدون، لأن السياسي هو الوحيد القادر على تنظيم الأمور، أما بقية الشعب فأميّ وجاهل ولا يعرف ما يصلح له. والسياسي هو الوحيد القادر على المعرفة بخبايا الأمور وفي يده التعويذة لحل كل طلاسم العالم وقيادة العامة من الجهلة والمتخلفين إلى فردوس العدالة الأرضية، وبفضله يمكن حتى الوصول إلى العدالة الإلاهية نفسها. ولذلك فعلى الشعب تسليم أمره إلى السياسيين ليجدوا الحلول اللازمة لمشاكله، وسوف يستدعونه للقيام بمظاهرة أو اثنين للضغط من أجل تحسين موقع هذا وتحجيم موقع ذاك ثم يقولون له شكرا لقد قمت بالواجب فدع الآن الوقت للسياسيين ليجدوا أفضل الحلول. وعندما يستتب الأمن سيقف هؤلاء السياسيين بالذات ضد أي حركة جديدة من الجمهور باعتبارها فوضى وتعطيل لشؤون الناس وإضرار بالاقتصاد الوطني وسيجدون ألف حجة للقمع، وشيئا فشيئا تتقلص مساحة الحرية التي فرضتها الانتفاضة لتعود طاحونة الشيء المعتاد، ويعود البوليس للقمع والإدارة للتعسف. وبازدهار الحياة السياسية تزدهر سوق المنافسة، وتتحول الحركة التي بدأت موحدة بدون السياسيين إلى فرق وشلل ونحل ومذاهب تحول طاقة الجمهور إلى الصراعات السياسية وتستنزفه في الحملات الانتخابية. وفي هذا الخضم والبهرجة الإعلامية وتقنيات صناعة الزعماء تتحول المطالب الحياتية للفقراء إلى شيء من الماضي. ويتحول الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل حرية حقيقية وليس حرية الأحزاب إلى أيقونات يحاول كل طرف نسبها إلى نفسه ليزين بها تاريخه ويخلق عبرها شرعية قابلة للاستثمار في سوق النخاسة السياسي.
ليس غريبا أن يحاول اغلب السياسيين في هذه الانتفاضة اختصار موضوعها في شكل الحكومة وتركيبتها. فهم بذلك يحاولون إقناع الجمهور المنتفض بأن قيام حكومة تتخلص جزئيا أو كليا مما يسمى برموز النظام السابق هو الحل السحري للقضاء على هذا النظام. وهم يعملون كل ما في جهدهم الآن إلى إيجاد صيغة تضمن انبثاق حكومة ترضي الجمهور وتجعله يعود إلى البيوت والعمل والدراسة في انتظار انجاز تلك الحكومة "المؤقتة" لمرحلة التحول السلمي للسلطة من الفئة السياسية القديمة إلى فئة سياسية جديدة، ستقوم بفضل إرادتها الطيبة بتحقيق كل مشاكل الشعب من فقر وبطالة وتهميش..الخ.
لكن ما هي الحكومة بالضبط؟ وهل صحيح أنه بتغييرها ستتحقق كل الأهداف التي قامت من أجلها الثورة؟
في الواقع فالحكومة لا تمثل سوى احد أجهزة الدولة. فهذه الأخيرة تتركب من أجهزة متعددة ومتفرعة، من أجهزة القمع المادي (بوليس ،جيش)، إلى أجهزة التحكم الإداري المحكومة بتسلسل بيروقراطي هرمي (ولاة، معتمدين، عمد،كتاب دولة ومستشارين، مدراء عامين وصولا إلى رؤساء الأقسام..الخ)، إلى أجهزة القمع المعنوي (الإعلام، المدارس، المساجد..الخ)، إلى أجهزة الضبط الاجتماعي (نقابات، جمعيات..الخ). وكل هذا الأخطبوط هدفه العام هو إدارة المجتمع وفق المصالح العامة للطبقات والشرائح الاجتماعية المسيطرة. وكل حزب يستولي على الحكومة لا يفعل سوى وضع أنصاره، وأنصار المتحالفين معه شيئا فشيئا ضمن هذا الأخطبوط بما يسمح له بأخذ موقع يمكنه من الاستيلاء على الثروة الاجتماعية من خلال تلك الأجهزة بالذات. و الطبقة المسيطرة على المجتمع تترك لهذه الفئة من السياسيين والإداريين مهمة الحفاظ على مصالحها العامة، أي أنها تحوّل مصلحتها الطبقية الخاصة إلى مصلحة عامة تتجسد في الدولة وأجهزتها، بما يسمح لهذه الطبقة بالتواري، وعدم الظهور بمظهر صاحبة المصلحة المتعارضة مع مصلحة أغلبية المجتمع. وهكذا تظهر الدولة وكأنها بالفعل تحمي مصلحة جميع مواطنيها المتساوين حقوقيا، أو كأنها ذلك الجهاز المحايد الذي يشرف على المجتمع من فوق.
وإذا كانت الثورة قد قامت ضد أسلوب إدارة المجتمع الذي لم يجلب لها سوى البؤس من جهة وسلبها حقها في إدارة نفسها وإحالة هذه الإدارة إلى الجهاز البيروقراطي من جهة أخرى، فإنما هي تقوم ضد هذه الدولة القائمة وضد كل أجهزتها وليس ضد الحكومة فحسب. أي أن الثورة في جوهرها التاريخي وضعت ليس الحكومة فقط موضع السؤال بل الدولة نفسها. لذلك فسعي السياسيين إلى حصر الموضوع في الحكومة ومن هو الأجدر من السياسيين أن يكون في تركيبتها إنما هدفه إنقاذ الدولة من خلال وصفة سياسية تضع حكومة بدل أخرى لامتصاص الغضب، أي التضحية ببعض وجوه الدولة من أجل استعادة هذه الأخيرة لشرعيتها ودورها الطبيعي في حماية النظام الاجتماعي ككل.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن عناصر الضعف العميقة في هذه الثورة التي يجب تجاوزها لمجابة الثورة المضادة والانتقال إلى طور أعلى في المسار الثوري وما هي الشروط المادية لمثل هذا الانتقال؟
هذا ما سنحاول بحثه في الجزء القادم من الموضوع

مشروع من اجل جبهة الفقراء


محمد المثلوثي
الحوار المتمدن - العدد: 3253 - 2011 / 1 / 21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

نحن الفقراء من كل الشرائح الاجتماعية ممن عانينا من الاستغلال والقمع والبطالة والتهميش. ولأننا نحن من كان وقود الثورة وقلبها النابض. ولأننا نحن من قدم الشهداء والتضحيات. ونحن من عرف كيف يتصدى لميليشيات النهب والسلب. ولأننا نحن من يواصل النضال ضد كل بقايا ورموز النظام البائد وحكومته وحزبه ومؤسساته الفاسدة. فاننا نعلن مواصلة ثورتنا في سبيل تحقيق المطالب الأساسية التي كنا قد رفعناها منذ انطلاق الانتفاضة وهي بالأساس:



- الترفيع الفوري في الأجور بما في ذلك الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي

- التخفيض الفوري في أسعار المواد الأساسية والمحروقات

- تمكين البطالين من منحة تساوي الأجر الأدنى الصناعي وتمكينهم من التغطية الاجتماعية والصحية مجانا

- الترفيع في منحة الدراسة الجامعية للطلبة وتعميمها، وتمكينهم من السكن في المبيتات الجامعية بدون شروط

- تمتع الطلبة والتلاميذ بالتنقل المجاني أثناء أيام الدراسة

- اقرار حق المواطنين في الأحياء والبلدات والقرى في تشكيل لجان محلية للتسيير الذاتي. وحل المجالس البلدية الصورية ووظائف العمد، وتعويضها بمجالس منتخبة من مندوبي لجان التسيير الذاتي

- اقرار حق التلاميذ والطلبة في انشاء نقاباتهم الخاصة

- اقرار حق رجال التعليم في كل المستويات من انتخاب مجالس تسيير للمؤسسات التربوية وانتخاب المديرين مع مشاركة التلاميذ والطلبة في هذه المجالس بتمثيلية تضمن لهم الحفاظ على حقوقهم ومساهمتهم في ادارة هذه المؤسسات

- اقرار حق الموظفين والعمال في الشركات والمؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة في انتخاب مجالس الادارة

- اقرار حق أعوان الأمن والجنود في تشكيل نقاباتهم الخاصة للدفاع عن مصالحهم المادية واقرار حقهم في المشاركة في اللجان المحلية للتسيير الذاتي باعتبارهم مواطنين يحق لهم المشاركة في الحياة المدنية

- اقرار حق الموظفين في الادارات العمومية في تشكيل مجالس تراقب العمل الاداري وتطلع على كل الوثائق والملفات لضمان الشفافية وعدم استعمال الجهاز الاداري لقمع او التضييق على المواطنين

- سحب كل الامتيازات التي يتمتع بها أعضاء البرلمان والاكتفاء بحصولهم على المرتبات والأجور التي كانوا يحصلون عليها في وظائفهم السابقة

-اقرار انتخاب الولاة والمعتمدين من طرف المجالس البلدية المنتخبة

اقرار حق القضاة في تشكيل مجالس منتخبة لإدارة المحاكم واقرار انتخاب المجلس الأعلى للقضاء من طرف هذه المجالس -

واننا نعلن مواصلتنا النضال ضد أي حكومة لا تلتزم بتحقيق هذه المطالب بشكل فوري وعاجل

الجمعة، 11 فبراير 2011

انتفاضة تونس، من الشرارة يندلع اللهيب


الراية السوداء، صوت التيار المجالسي
الحوار المتمدن - العدد: 3251 - 2011 / 1 / 19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

شبح يجتاح البلاد العربية، شبح الانتفاضة الشعبية، بأربعة أسابيع ضارية من التضحيات والدماء استطاع الشعب التونسي إجبار واحدٍ من أشد الحكام العرب ديكتاتورية على الرحيل، ومن الرباط على مياه المحيط إلى دبي على مياه الخليج، مرورًا بجدة في بلاد الحجاز التي استقبلت الديكاتور بن علي، اهتزت كراسي الحكام العرب من تحتهم، فليس صبح الثورة ببعيد، حين تنتفض كل الجماهير العربية هاتفة أن زولي يا عروش وزولي يا حدود، كل الديمقراطية للشعب والموت لأعداء الشعب.

انتصرت انتفاضة تونس، وبدأت معها مهام عاجلة لاتمام نجاح الانتفاضة الشعبية والمضي قدمًا نحو الثورة الاجتماعية الشاملة التي لا تبق ولا تذر حبة رماد أو حصى من فلول النظام القديم، انتصرت الانتفاضة التونسية لكن لم تنتصر الثورة بعد، وهناك خطر قائم من التفاف فلول النظام القديم عليها واحتوائها لو لم تلحقها انتفاضات أخرى في بقية البلاد العربية تعززها وتشد من أزرها وتسير قدمًا معها إلى النصر الشامل، وفي منتصف الطريق لابد من وقفة، لابد من استراحة محارب لفهم الدروس وتعزيز المكتسبات ومعرفة المهام العاجلة للمضي قدمًا على الطريق.

1- أثبتت الانتفاضة التونسية، عبر شرارة حقيقية اشتعلت في جسد الشاب محمد البوعزيزي في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، صحة المقولة الثورية القديمة، أن من الشرارة البسيطة يندلع الحريق، فمن شعار بسيط حفظته الجماهير كلها ورفعته مطالبة بالخبز والماء والعمل، تحول الشعار الممكن تحقيقه تحت حكم بن علي إلى المطالبة برحيله، هو ونظامه، فالشعارات لا تتولد من أدمغة الثوريين العباقرة، بل أن الشعارات الثورية تؤلفها الظروف الثورية، وترددها الجماهير وتحفظها بصورة عفوية وبسيطة، وكلما كان الشعار بسيطًا مباشرًا متوافقًا مع احتياجات اللحظة الثورية، كلما حفظته الجماهير ورددته وعملت بحسبه.

2- أثبتت الانتفاضة التونسية، الإفلاس التام للتنظيمات البيروقراطية العربية، والمعارضة المرخصة، فلم تلتحق أحزاب المعارضة بالانتفاضة التونسية إلا بعد أن تحدث الرصاص ومات الكلام، بعد أن انتقلت الجماهير بنفسها من سلاح النقد إلى نقد السلاح، التحقت بها الأحزاب التقليدية المرخصة من قبل نظام بن علي، لقد أثبتت الانتفاضة وللمرة الألف أن تلك الأحزاب، في تونس كما في مصر، هي أداة لتجميع طاقات الجماهير وتفريغها، في صراعات داخلية داخل الأحزاب وصراعات تافهة مع الأحزاب الأخرى، لقد أثبتت انتفاضة تونس أن الجماهير تثور بنفسها ولنفسها دون احتياج لأحد.

3- أثبتت الانتفاضة التونسية، أن أي عمل جماهيري ثوري حقيقي، يمضي من الأسفل إلى الأعلى لا من الأعلى إلى الأسفل، من الهامش إلى المركز، لقد بدأت الانتفاضة في مدينة صغيرة هي سيدي بوزيد ولم تنتقل إلى تونس العاصمة إلا في الأسبوع التالي، في الخامس والعشرين من ديسمبر، بدأت الانتفاضة بإحتجاجات حقيقية بعيدة عن عدسات التلفزة وعن مراكز المدينة، لذا سارت قدمًا ولم يتم احتواءها وبيعها لمحطات الأخبار.

4- أثبتت الانتفاضة التونسية، وبخاصة في اليومين التاليين لهروب بن علي، ضرورة التشكيل العاجل الفوري لجهاز الثورة، للمجالس الشعبية على مستوى الشارع والحي والمصنع والقرية، تلك المجالس التي ستتسلم مهام الأمن حين تهرب الشرطة، تلك المجالس التي ستتصدى لإرهاب العناصر الحاكمة ومحاولتها وصم الانتفاضة بالفوضى والتخريب، تلك المجالس التي ستتسلم فعليًا السلطة على مستوى الشارع والحي والمصنع والقرية.

5- أعادت الانتفاضة التونسية بانتصارها الثورة على جدول الأعمال، وأعادت التأكيد على أن الجماهير إذا انتفضت لا تبقي ولا تذر، لقد عادت الثورة عملًا ممكنًا في البلاد العربية التي لم تشهد ثورة واحدة منذ صعود أنظمة الحكم الوطنية الجديدة ومنذ رحيل الأستعمار.

6- لازال أمام الانتفاضة التونسية الكثير لتحققه، ولا تزال أمامها مهامٌ ملحة عليها القيام بها، أهمها إسقاط حكومة الغنوشي وإسقاط المبزع عن كرسي الرئاسة، وإسقاط كل مؤسسات الحكم القديم، وتكوين المجالس العمالية والفلاحية التي ستكون نواة الحكم الجديد، عند الانتصار الحاسم والتام للثورة، ليست تلك المجالس اختراعًا تفتق عنه ذهن ثوري عبقري، بل هي الإبداع العفوي للجماهير حين تسقط السلطة، تلك المجالس التي، كما يقول غرامشي، " ... تكمن أصالتها في كونها، في عالم لا وجود فيه إلا لعلاقات اقتصادية بين استغلالي ومستغل، بين ظالم ومظلوم، تمثل الجهد المتواصل لتحرير الطبقة العاملة لنفسها بنفسها، بوسائلها الخاصة وأنظمتها الخاصة، من أجل أهداف لا تشاركها فيها طبقة أخرى، بدون وسطاء وبدون تفويض سلطتها لموظفين وسياسيين محترفين."



فلترتعد فرائص الحكام والطبقات المسيطرة، لقد انتفضت الجماهير العربية التي ليس لها ما تخسره وأمامها عالم لتربحه.



القاهرة في 18 يناير 2011

الراية السوداء