الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الشيوعية والديمقراطية -1


أنور نجم الدين 




الشيوعية والديمقراطية -1

ما اختياركم؟
أتريدون نظامًا يتطابق وعلاقات القرون ما قبل الرأسمالية، أم تريدون نظامًا يتطابق وعلاقات المجتمع الديمقراطي؟
هذا هو اختياركم. فالأمر إذن يتعلق بالاحتفاظ بعلاقات الملكية البرجوازية وإصلاح إداراتها، إذا كان النظام السياسي ملكيًّا أم جمهوريًّا.

ولكن، هل الملك هو ما يستهدفه النضال الطبقي المعاصر؟ كلا، فالملك هو ممثل المجتمع القديم مقبول حتى في المجتمع الديمقراطي الحديث، وسلالته ليس سوى رمزًا لقدسية الملكية الخاصة، حق الوراثة، فالرأسمال بمستطاعه أن يختفي وراء التاج. وحتى في ظل المَلَكِيَّة الديمقراطية، تظهر الدولة وكأنها مستقلة عن المجتمع، فالملك الديمقراطي، لا يتدخل في شؤون سياسة الدولة – السويد كمثال. ووصل الكثير من الدول إلى هذه الديمقراطية، دون ضرورة انقلاب عسكري مثل انقلاب جمال عبد الناصر أو عبد الكريم قاسم، فتحطيم التاج في مصر أو العراق، لم يحطم ولا يمكنه أن يحطم سلطة رأس المال. وكان هذا وهمًا من أوهام المثقفين الذين لم يُمَيِّزُوا بين الديمقراطية والشيوعية ومهماتهما المتناقضة. فها هي الشغيلة في القاهرة وبغداد، تعود عقودًا بعد عقود وفي ظل الجمهورية، لتحقيق أبسط المطالب الاجتماعية التي ناضلت لأجلها في ظل الملكية العراقية والمصرية قبل أكثر من نصف قرن. فإن التحول من الملكية إلى الجمهورية، لا يعني إطلاقًا تنازل البرجوازية عن هدفها الاجتماعي المنشود: سيادة رأس المال! ولا يعني التطور في حركة الشغيلة قيد شعرة.
لذلك، فالمطالب الاجتماعية للشيوعيين، تأتي دائمًا ما وراء مطالب الديمقراطيين. وهي لا تبدأ من أضعف نقطة لتطور رأس المال، بل من أقوى نقطة لتقدمه، فالماضي يخص البرجوازية الديمقراطية، أما المستقبل فهو قضية الشيوعية. وهذا هو بالتحديد التناقض بين الشيوعية والديمقراطية.

إن النضال الطبقي، مثله مثل تقدم الصناعة، لا يمكن أن يبلغ درجة عالية من التطور إلا بالارتباط مع السوق العالمية وما يجري فيها من الاصطدامات. فلا يمكن إذن، رفع مطالب في مصر مثلا حققتها البرجوازية بدرجة من الكمال منذ أمد بعيد في هذا البلد الرأسمالي أو ذاك من البلدان الأوروبية. ولا يعبِّر هذا العمل سوى عن جر الحركة إلى الوراء بحجة فكرة "كل بلد وفقًا لظروفه الخاصة"، ففي كل بلد تختلف شروط حياة الطبقة المُضْطَهَدة عن الطبقة الحاكمة، فالشرق والغرب غير موجود في المنهج الشيوعي للعمل، وهدف الشيوعيين ليس تحسين وضع الشغيلة في هذا البلد أو ذاك، بل الدفع بالحركة إلى مستوى أعلى وطنيًا وعالميًا.

"يقينًا أن العمال لا يستطيعون في بداية الحركة أن يقترحوا إجراءات شيوعية خالصة .. ولكنهم يجب عليهم أن يحوِّلوا هذه المطالب إلى حملات مباشرة على الملكية الخاصة" (كارل ماركس، رسالة إلى اللجنة المركزية لعصبة الشيوعيين).
"على العمال أن يؤسسوا بجانب الحكومات الرسمية، هيئات الإدارة الذاتية المحلية، المجالس، نوادي العمال، لجان العمال ... والقضاء على نفوذ البرجوازيين الديمقراطيين" (ماركس، نفس المرجع).

وهكذا، فالشيوعيون مكلفون بتطوير النضالات الطبقية، والوقوف بجانب الجمعيات والاتحادات الطبقية، والمجالس الثورية التي تنشأ نتيجة لاحتلال الملكية الخاصة، احتلال المعامل والأراضي وأماكن أخرى تابعة للدولة أو رأس المال الخاص، أيًّا كانت فكرتهم الخاصة.
ولكن الأمر عكس ذلك تمامًا، فكل تيار من اليسار الماركسي – اللينيني مثلا يكره بدوره كل التيارات والشيع الماركسية والأناركية الأخرى كرها شديدًا، وبالعكس فهم مستعدون للتعاون مع برجوازيات المنطقة والحكومات، حتى صدام والأسد، أو البارزاني والطالباني. ولا يوجد أي سبب وراء هذه الشيع، سوى النزاعات التنافسية للمجتمع البرجوازي، فالعصبوية ثم أقوال ميتة للقادات، ستصبح أساسًا للنزاعات التي ليست لها أرضية واقعية عدا المنافسة. والغريب هو أن البرلمان البرجوازي بمستطاعه جمع كل هذه التيارات في حضنه. مثال: البلشفية والمنشفية في مجلس الدوما القيصري في روسيا، والتيارات الاشتراكية المختلفة في أوروبا .. إلخ.

وما سبب هذه النزاعات العصبوية؟

إن السبب بالتأكيد هو عدم تطور الحركة البروليتارية إلى حد تكوين نفسها في طبقة في الوقت الحاضر، فهذا التطور يكسر لا محال كل الشيع الاشتراكية التي تتمسك فقط بكلمات أوليائهم، فهذه الشيع مستقلة عن الحركة البروليتارية، ولا ترغب حتى في دراسة تاريخ هذه الحركة، فهم يلعبون فقط بكتاباتهم القديمة وكيفية فهمهم لأقوال أنبيائهم ونشر اجتهاداتهم في الحركة بدل المشاركة فيها عمليًّا، لذلك فتشعباتهم أمر في غاية البساطة. مثال: الحزب الشيوعي العمالي في العراق وايران.

يتبع

الشيوعية والديمقراطية -2- جمهورية الماركسيين


أنور نجم الدين 




مما سبق وصلنا إلى أن القضاء على الملْكية القديمة وعلاقاتها، لا تعني بالضرورة دكَّ عرش المَلَكية، فرأس المال سيجعل حتى من خادم الحرمَيْن، خادمًا متواضعًا للتجارة الرأسمالية، فالمزاحمة، والتبادل المعاصر، وتراكم رأس المال، والتقسيم الجديد للعمل في الدولة، ستنزع من المُلوك أوهامَهم الخاصة عن أنفسهم بوصفهم آلهة الأرض، فالملك خادم الطبقة المالكة وارستقراطييها السياسية. وبقدر ما تتخذ الحياة الاقتصادية شكلاً برجوازيًا، بقدر ما تتخذ الدولة أيضًا طابعًا أكثر برجوازيًا، ولكن دون ضرورة اختفاء الملك وحاشيته.

إن النظام السياسي للمَلَكية المطلقة، ينبثق من العلاقات الإقطاعية القديمة. وعند اختفاء هذه العلاقات والاستعاضة عنها بعلاقات برجوازية جديدة تختفي المَلَكية المُطْلَقة، ولكن ليس من الضروري أن يختفي التاج. فليس الملك مَنْ يعد رجعيًا، بل العلاقات الاقتصادية التي تحافظ على الملك علاقات رجعية، وهي علاقات الملْكية البرجوازية.

وهكذا، فكل انعطاف تاريخي يعني الانعطاف في علاقات الملْكية لا في الشكل السياسي للدولة. أما هذا الانعطاف لدى الماركسيين، فيحدث من خلال الجمهورية، الديمقراطية أولا والسوفيتيتة ثانيًا؛ ففضل الماركسيين على البرجوازيين هو أنهم جاءوا بتعريف جديد للجمهورية الأفلاطونية، وهي الجمهورية الماركسية، تحمل في طياتها مستقبل مشرق للبشرية. أما التاج فيختفي في هذه الجمهورية، ولكن ليست بالضرورة السلطة المطلقة للمَلَكية المطلقة، فسلطة لينين أو ستالين، تتجاوز سلطة القياصرة.
وهكذا، فجمهورية الماركسيين، لم تكن سوى التكييف مع الظروف القائمة للمجتمع الراهن، وهي لا تستهدف ولا يمكن أن تستهدف تحولاً ثوريًا للمجتمع. وبعد تاريخ طويل نسبيًا من سيادة الجمهورية الماركسية، نرَى أنها لم تقدم حتى ما قدمتها المَلَكية إلى المجتمع.
وهكذا، فعلى عكس الماركسيين، لا يتعلق الأمر إطلاقًا بالتحول في النظام السياسي. فكما تعرفون جميعًا، كانت الصناعة البريطانية تتطور تطورًا لا نظير له في أواسط القرن التاسع عشر. وفيما يخص الانعطاف التاريخي المقبل، أي التحولات الاشتراكية في التاريخ، كان ماركس –على عكس الماركسيين- يعلق آماله بتطور الصراعات الطبقية وراءها تناقض في تطور الصناعة البرجوازية ومدنيتها المتأزمة لا الشكل السياسي لدولتها، فهل سمعتم مرةً الشيوعيين القدامى يتحدثون عن ضرورة إقامة الجمهورية البريطانية كشرط مسبق لحدوث ثورة بروليتارية في بريطانيا؟
كلا، بكل تأكيد! فنشر وهم الجمهورية الماركسية بوصفها خطوةً إلى الأمام؛ ليس من صنع ماركس، بل من صنع الماركسيين الجمهوريين، وعلى الأخص لينين. فمثلما تحدث ثورة صناعية مرة واحدة في التاريخ، فتحدث ثورة برجوازية مثل الثورة الفرنسية مرة واحدة في التاريخ، فالثورة الصناعية هي التي أَوْجَدَت أساسا ماديًّا للتقدم الصناعي والتجاري في العالم كله، مثلما صاغت الثورة البرجوازية الفرنسية، المبادئ الأولية لـ "لثورات" السياسية التي تأتي بعدها وبناءً على درجة التقدم الصناعي في البلدان المعنية. فتطور الصناعة، وحاجات المجتمع البرجوازي، والصراعات الطبقية بين البرجوازية والبروليتاريا يعود إلى التطور في علاقات الملْكية لا الشكل السياسي للدولة.
وهكذا، فوهم الجمهورية بوصفه مقدمة ضرورية للثورة البروليتارية، ليست سوى محاولة الاشتراكيين - الديمقراطيين (البلاشفة والمناشفة بالذات) لتلويث البيئة البروليتارية بمفاهيم البرجوازية عن الثورة. فتستمد الجمهورية –الديمقراطية كالدكتاتورية- أهدافها من الماضي لا المستقبل، فمثلها مثل المَلَكية، تحافظ على الملْكية الخاصة. أما الثورة البروليتارية، فذات أهمية تاريخية عالمية، تبشر بعهد جديد في التاريخ العالمي، عهد ما بعد الجمهورية، أي ما بعد السيادة السياسية.
وهكذا، فعلى عكس اليسار الماركسي، فلا يجمع أي جامع بين المنهج الشيوعي للتحويل الثوري للعالم، ومنهج الديمقراطيين لإصلاح المجتمع القائم. فكل محاولة لليسار الماركسي للتوحيد بين هدف البروليتاريا الآنية والديمقراطيين من جديد، لا ينتهي إلا بتفسخ جديد لمعنوية البروليتاريين، فتوحيد العمل مع البرجوازية الديمقراطية في الوقت الحاضر ورفع شعار "وطن ديمقراطي وشعب سعيد"، لا يختلف بأي شكل كان من توحيد العمل مع البرجوازية الوطنية أمثال جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم، ثم شعار "وطن حر وشعب سعيد". وإن كل توحيد جديد من هذا القبيل سيجعل من البروليتاريا من جديد، ذيلًا هزيلًا للبرجوازية الوطنية.
"ومن المؤكد أن هذا التوحيد من شأنه أن يعود بالضرر على البروليتاريا وأن يعود بالنفع عليهم –البرجوازيين الديمقراطيين-بوجه الحصر. ومن جراء ذلك، تفقد البروليتاريا كليًا استقلالها .. وتسقط من جديد إلى مستوى ذيل الديمقراطية البرجوازية. وهذا يعني انه ينبغي رفض هذا التوحيد رفضًا قاطعًا تمامًا. وعوضًا عن السقوط من جديد إلى مستوى جوقة تصفق للديمقراطيين البرجوازيين تصفيق التحبيذ، يجب على العمال وعلى العصبة في المقام الأول بذل الجهد لكي يؤسسوا، إلى جانب الديمقراطيين الرسميين، منظمة مستقلة، سرية وعلنية، لحزب العمال، ويحولوا كلاً من مللهم إلى مركز ونواة لجمعيات العمال يمكن فيها بحث مواقف البروليتاريا ومصالحها بصورة مستقلة عن المؤثرات البرجوازية" (كارل ماركس، رسالة اللجنة المركزية إلى عصبة الشيوعيين).

يتبع

الشيوعية والديمقراطية- 3- اليسار والشغيلة



الشيوعية والديمقراطية- 3- اليسار والشغيلة
ولْنَعُد الآن إلى اليسار الماركسي ومحاولاته لإعادة الحياة إلى أساليبه البالية القديمة الشائخة لتوحيد الأعمال من جديد مع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.

إن وحدة اليسار مع محيطه السياسي، تنطلق دائمًا من وجهة نظر الدولة، فاليسار يحاول إنشاء وحدة تكون الشغيلة خارجة عنها. فمحاولة اليسار هي أن يعلق نفسه بشريحة برجوازية سائدة في المجتمع لتحقيق مصالحه الخاصة من خلالها.
وهكذا، فالهدف ليس سوى جعل حركة الشغيلة ذيلًا هزيلًا للديمقراطيين البرجوازيين لتحقيق مصالح حزبية خاصة، مثلما قام اليسار الشيوعي في السابق بدفع البرجوازية الوطنية إلى العرش السياسي بأمل تقسيم الغنيمة معها.
وما كانت النتيجة؟ بالطبع، هزيمة الشغيلة في نضالاتها واستسلامها أمام البرجوازية.

كما هو معلوم، لا تملك الشغيلة في الوقت الحاضر ما يكفي من التجارب في انتفاضاتها في الشرق، وإلا لم تقع الشغيلة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، في قوقع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.
أما اليسار المتمرس في السياسة الجبهوية مع البرجوازية وحكوماتهم، فيحاول من جديد احتواء الحركة المعاصرة، لمصلحة سادات المجتمع. فكافة كتل اليسار الماركسي والشيوعي يغتنمون الفرصة لكي يعيدوا جملهم الفارغة من المعنى كليًا لطبقة الشغيلة، فهم كما كانوا، ينطلقون من مصلحة البرجوازية الديمقراطية لا من مصلحة الشغيلة المستقلة عن الديمقراطيين والوطنيين والإسلاميين. وهم بهذا المعنى جزء من الديمقراطيين البرجوازيين، بعيدون كل البعد عن أي إجراء في مصلحة البروليتاريين الشيوعيين.

إن دور اليسار في الوقت الحاضر هو نفس دورهم منذ الاربعينات، فكل اليسار الماركسي يحاربون بعضهم بعضًا بشدة، ولكن يستهدفون من نشاطاتهم إقتسام الغنيمة مع الكتل البرلمانية في الدولة البرجوازية، مثال: الحزب الشيوعي العراقي- سواء في البرلمان العراقي في بغداد أو البرلمان الكردي في كردستان العراق، فهم بوصفهم ممثلي النظام الجمهوري والمدنية البرجوازية ودولتها العلمانية، يريدون إعادة نفس ترتيب الجلوس المتبع من قبل اليسار واليمين في البرلمان البرجوازي منذ ثورة 1789 الفرنسية البرجوازية، فهم يمثلون يسار البرلمان، وفي يمينهم، فيجلس الإسلاميون. فاليسار بهذا المعنى، نسخة مشوهة للتيار الديمقراطي البرجوازي الذي يسمى الاشتراكية – الديمقراطية. وهم كما يقول ماركس:

"يسعون وراء اجراء تغيير في الاوضاع الاجتماعية من شأنه أن يجعل المجتمع القائم محتملاً ومريحًا أكثر ما يمكن بالنسبة لهم. ولهذا يطالبون في المقام الأول بتخفيض نفقات الدولة عن طريق الحد من البيروقراطية والقاء الضرائب الرئيسية على كواهل البرجوازيين وكبار ملاكي الأراضي. ويطالبون، ثانيًا، بازالة ضغط الرأسمال الكبير على الرأسمال الصغير، مع سعيهم وراء انشاء مؤسسات حكومية للتسليف، الأمر الذي من شأنه أن يوفر لهم وللفلاحين امكانية الحصول على القروض، لا من الرأسماليين، بل من الدولة، ثم انهم يسعون وراء قيام العلاقات البرجوازية للملكية في الريف عن طريق القضاء التام على الاقطاعية. ولتحقيق كل هذا فعلاً، ينبغي لهم بنية للدولة، - سواء كانت دستورية أم جمهورية،- من شأنها أن تؤمن الاغلبية لهم ولحلفائهم-الفلاحين ..
وبعد، من الضروري، برأيهم، معارضة سيادة الرأسمال ونموه، وذلك جزئيًا عن طريق الحد من حق الارث، وجزئيًا عن طريق نقل أكبر عدد ممكن من الأعمال إلى يد الدولة. أما العمال، فلا شك أولا في انه يجب عليهم كما من قبل أن يبقوا عمالاً مأجورين، ولكن البرجوازيين الصغار الديمقراطيين يريدون في هذه الحال أن يكون للعمال أجر أفضل وعيش أكثر يسرًا؛ وهم يأملون في بلوغ هذا الهدف، وذلك جزئيا بتوفير الاشغال من جانب الدولة، وجزئيا بتدابير البر والاحسان، -خلاصة القول انهم يأملون في رشوة العمال بصدقات مموهة إلى هذا الحد أو ذاك وفي تحطيم قوتهم الثورية بتحسين وضعهم موقتا" (ماركس، رسالة اللجنة المركزية إلى عصبة الشيوعيين).

إذن، ما خطر اليسار الماركسي والشيوعي أمام مستقبل حركة الشغيلة؟
لو رجعنا إلى الأربعينات، نرى أن اليسار -كافة الأحزاب الشيوعية في الشرق- في المراحل البدائية من النضال الطبقي بدأ بتدريب البروليتاريين على ممارسة التعاون مع البرجوازية الوطنية، وأصبح الناصر وقاسم والبارزاني والطالباني، قادات سياسية ذات ثقة رفيعة بين جماهير البروليتاريين، فبدأ الشيوعيون في العراق مثلا بنسج حكايات حول نزاهة عبد الكريم قاسم، فقد مات ولم يكن في جيبه فلس واحد! وبهذه الطريقة يحاول اليسار في الوقت الحاضر، إعادة الشغيلة إلى أرض الميعاد، فالهدف لا يزال هو تحقيق حكومة نزيهة، فمات الآلاف من الأبطال لأجل تحقيق هذا الوهم البرجوازي.

ولكن رغم كل محاولات اليسار اليائسة والبائسة، فالمصادمات الطبقية، تساعد بشتى الأشكال على تطور حركة البروليتاريا. فما دامت البرجوازية في حالة الحرب دائما مع البروليتاريين، فلا بد أن تجر البروليتاريا إلى مضمار هذه الحرب الطبقية وتقدم لها بنفسها سلاح النضال وعناصر محاربتها. فعلى عكس اليسار الذي يحاول أن يسير دولاب التطور إلى الوراء من خلال الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية المتوسطة، ثم المحافظة عليها عن طريق السلف الحكومية، فتحاول البروليتاريا تحصين نفسها لأية مجابهة مستقبلية محتملة، وكما يقول ماركس:

"فما أن تتوطد الحكومات الجديدة بدرجة معينة حتى يبدأ على الفور نضالها ضد العمال. ولكي يمكن العمل ضد البرجوازيين الصغار الديمقراطيين كقوة، يجب قبل كل شيء أن يكون العمال منظمين تنظيمًا مستقلاً وأن يكونوا ممركزين من خلال نواديهم" (ماركس، نفس المرجع السابق).

وهكذا، فان مطالب البروليتاريين تأتي دائمًا وفي كل مكان، ما وراء مطالب الديمقراطيين من ضمنهم مطالب الرجعية للفئات الاجتماعية الصناعية الصغيرة والتجار الصغار والحرفيين والفلاحين الذين يهلكون على الدوام وينتقلون إلى صفوف البروليتاريين مع تطور الصناعة الحديثة.

والسؤال إذن هو: إذا كان برنامج العمل اليساري الديمقراطي هو نسج المطالب الرجعية للفئات الاجتماعية المحافظة، فما برنامج العمل الشيوعي للبروليتاريين؟