الأحد، 28 سبتمبر 2014

مدخل إلى: تعارض ماركس مع الفلسفة الألمانية، والاقتصاد السياسي




  مقدمة : دخول / كما يجب حسب منوط !

نتيجة المزاحمة بين الشارين والباعة ، تتفوق عل النسبة بين الطرفين المتزاحمين المشار اليهما أعلاه  ، ...... اي على الواقع التالي : - اية مزاحمة ستكون الاقوى ـ المزاحمة في معسكر الشارين ، أم المزاحمة في معسكر الباعة . فــــــــــالصناعة تــــعبىء جيشين لجبين تواجه أحداهما بالآخر ، وكل منهما انما تحتدم معركة في صفوفه ، بين قواته بالذات . فا لجيش الذي يكزن التضارب في داخل صفوفه اقل ، يحرز الغلبة على الجيش الـــــخاصم . ))
  مقتبس ... من التاريخ  / العمل المأجور و الرأسمال ــ مختار / صــ 119

______________________________________________________________    

إنَّ أيَّ قضية فكرية، تنحل بكلِّ بساطة، إلى واقعة تجريبية، كما يقول كارل ماركس، لذلك لا يمكننا تحديد الصلة السببية بين أطروحات كارل ماركس وسماء الذهن الفلسفي الألماني (هيغل وفيورباخ) أو ماركس والاقتصاد السياسي (آدم سميث وريكارد) دون اللجوء إلى نفس الطريقة التي لجأ إليها ماركس نفسه في طرح أبحاثه عن التاريخ المادي، ونعني بها الطريقة التجريبية التي تستند أساساً إلى تجميع مجموعة من التأكيدات القابلة للتحقيق فيها بصورة تجريبيةً، ولا يمكننا إنجاز هذا العمل دون التمسك بمنهج تحليلي، واللجوء إلى منهج كهذا، يعني التمييز قبل كلِّ شيء، بين التجريبي والعقلاني عند التحقيق في الأحداث التاريخية، ومادامت المسألة تتعلق بكارل ماركس، فعلينا أنْ نحدد التناقض أو الصلة بين نظرة ماركس، والنظرة الفلسفية الألمانية للتاريخ من جهة، وبين ماركس والاقتصاد السياسي من جهة أخرى.

ولنتحقق الآن من الموضوع، من خلال المقارنات بين التجريبي الإنجليزي، والعقلاني الألماني، وموقع ماركس بينهما.

ميدان أبحاث ماركس التجريبية

((إنَّني أدرس أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وعلاقات الإنتاج والتبادل المطابقة لها، وإنجلترا هي المكان التقليدي (الكلاسيكي) لهذا الإنتاج. لهذا السبب أستعير من هذه البلاد الأحداث، والأمثلة الأساسية المستخدمة، بمثابة صور توضح تطور نظرياتي. فإذا كان القارئ الألماني يسمح لنفسه بهزة منكبين فريسية في موضوع حالة العمال الإنجليز، الصناعيين والزراعيين، أو يهدهد نفسه بفكرة متفائلة بأنَّ الأشياء لا تصل إلى هذا الحد في ألمانيا، فأرى نفسي مضطراً لأن أصرخ في وجهه: هذه القصة هي قصتك أنت – كارل ماركس، رأس المال، ترجمة: محمد عيتاني)).

منذ الوهلة الأولى، يتضح لنا، أنَّ ميدان أبحاث كارل ماركس التجريبية، هو الصناعة الإنجليزية، وليس الذهن الفلسفي الألماني (هيغل وفيورباخ)، ورغم أنَّ طريقة عرضه تشبه طريقة هيغل، إلاَّ أنَّ ماركس لا ينطلق إطلاقاً من العالم العقلاني الهيغلي، أوالعالم التأملي الفيورباخي، حيث إنّ عالمهم افتقر كلياً إلى المواد الضرورية لإعطاء كتابة التاريخ أساساً مادياً، فلدى هيغل، جرى التاريخ عقلانياَ، أما فيورباخ فـ (لا يرى أنَّ العالم الحسي الذي يحيط به، ليس موضوعاً معطى بصورة مباشرة منذ الأزل، ومشابه لنفسه دون انقطاع، بل نتاج الصناعة وحالة المجتمع، وهذا بمعني أنَّه نتاج تاريخي – كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية، ترجمة: الدكتور فؤاد أيوب).

((وبديهي أنَّ كُتاب المقالات الرخيصة في ألمانيا يصرخون متهمين بالسفسطة الهيغلية. غير أنَّ مجلة (الرسول الأوروبي) وهي مجلة روسية تصدر في سان بطرسبرج، أعلنت في عددها الصادر في أيار عام (1872م) في مقالة مكرسة بكاملها للطريقة المعتمدة في كتاب (رأس المال) أنَّ طريقتي في البحث هي طريقة واقعية بصورة دقيقة، ولكنَّ طريقة عرضي لسوء الحظ، متمشية مع الأسلوب الديالكتيكي الألماني – كارل ماركس، رأس المال)).

كان الإنجليز السباقين إلى كتابة تاريخ المجتمع المدني، والصناعة، ورأس المال، والعمل، والقيمة، والربح، والتجارة، والتبادل العالمي، مقارنة بجميع بلدان أوروبا الغربية، وعلى الأخص ألمانيا، وماركس الإنجليزي التفكير، يحاول هنا أنْ يبين للقارئ أنَّ طريقته في البحث، وميدان أبحاثه المادية عن التاريخ، هي انجلترا وليست ألمانيا، لأنَّ في انجلترا، قد توفرت مسبقاً، المواد التاريخية لإعطاء كتابة التاريخ أساساً مادياً، ولكن الألمان كانوا يفتقرون كلياً إلى التصور المادي عن التاريخ، لذلك لم يكن للألمان وفلسفة هيغل وفيورباخ، أي إسهام في صياغة وجهة نظر المادية للتاريخ.

((ففي ألمانياً، حيث نشأ الإنتاج الرأسمالي، مثلاً في المعامل بوجه خاص، نرى أنَّ الحالة أسوأ بكثير منها في انجلترا، ذلك لأنَّه لا وجود في ألمانيا، لثقل القوانين الانجليزية المعدلة. وفي جميع النواحي الأخرى، نعاني شأننا شأن جميع بلدان غربي أوروبا القارية، سواءً من نمو الإنتاج الرأسمالي أو من نقص هذا النمو، وبالإضافة إلى آلام العهد الحالي، علينا أنْ نتحمل سلسلة طويلة من الأمراض الوراثية الناتجة عن بقاء أساليب إنتاج بالية، تخطاها الزمن، مع ما يتبعها من علاقات سياسية واجتماعية أضحت في غير محلها زمنياً، والتي تولدها تلك الأساليب، فليس علينا أن نعاني فقط الآلام بسبب الأحياء، وأنما بسبب الموتى أيضاً: فالميت يمسك بالحي! ...
إنَّ الإحصائية في ألمانيا، وسائر بلدان القارة الأوروبية، عند مقارنتها بالإحصائية الاجتماعية الانجليزية، لهي بائسة حقاً – كارل ماركس، رأس المال)).

وهكذا، حين كان الألمان ما يزالون يناضلون ضد بقاء أساليب الإنتاج لما قبل الرأسمالية، ويستوردون من الانجليز مفاهيم الاقتصاد السياسي، ليعبروا بها عن حالتهم الاجتماعية الجديدة، بصورة خاطئة، بل ومشوهة، بدأ الانجليز بترسيخ القاعدة المادية التي تتفسخ بموجبها علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها، وتترسخ عليها شيئاً فشيئاً بنية جديدة، لأسلوب إنتاج أعلى طرحه التاريخ مع تطور الإنتاج الرأسمالي نفسه، الأمر الذي ينخرط المجتمع بموجبه، في صراعات اجتماعية جديدة، من أجل بقاء أو فناء المجتمع الرأسمالي، وأصبحت الصراعات الطبقية القارية، أول خطوة نحو إفلاس الاقتصاد السياسي، ولم تنجح جهود العلماء البرجوازيين في التوفيق بين اقتصادهم السياسي، والمطالب التاريخية الجديدة، للطبقة التي أعلنت موقفها العدواني إزاء العالم الرأسمالي، وهي البروليتاريا.

((ثم جاءت ثورة عامي 1848 - 19849 القارية وامتد أثرها إلى انجلترا، والرجال الذين يدعون الاحتفاظ بالأسلوب العلمي، ويرغبون في أن يكونوا أكثر من مجرد سفسطائيين، وأكثر من مهرجين للطبقات العليا، جهدوا عندئذ للتوفيق بين الاقتصاد السياسي لرأس المال، وبين مطالب البروليتاريا التي يحسب لها حساب منذ ذلك الحين، ومن هنا نشأت النزعة التوفيقية المحلاة، الذي يعتبر جون ستوارت مل أفضل معبر عنها، ولقد كان هذا، على وجه التحديد، كما بينه وأحسن تبيينه العالم والناقد الروسي العظيم تشرنيشفسكي، إعلان إفلاس الاقتصاد السياسي البرجوازي – كارل ماركس، رأس المال)).

ماذا يعني إفلاس الاقتصاد السياسي؟

حين كان الألمان يبذلون آخر جهودهم العقلية لحلِّ غموض الفلسفية، كان الانجليز بصناعتهم المتقدمة، يوضحون أكثر فأكثر، ليس شروط وجود المجتمع الرأسمالي فحسب، بل ويقدمون المواد التاريخية، لتفهم شروط إنهاء هذا المجتمع أيضاً، لذلك حين بدأ الألمان باستيراد مفاهيم ريكاردو الاقتصادية، والأفكار الاشتراكية من الانجليز (ومزجوها مع مقدماتهم الفلسفية الخاصة، ووضحوها بالاستنجاد بأيديولوجية هيغل وفيورباخ على الأخص - كارل ماركس) وقع الانجليز أنفسهم، في المنازعة مع نظرية ريكاردو الاقتصادية، وفقاً للشروط الجديدة للإنتاج الرأسمالي، والسوق العالمية المطابقة لها، والتي كانت تقوم شيئاً فشيئاً بتعميم الصراع الاجتماعي الجديد، في المستوى العالمي، وكان في هذا بلوغ الصراع، إلى الحدود التي لا يمكن أن يجتازها علم برجوازي مثل الاقتصاد السياسي، وأعلن الاقتصاد السياسي هنا، بأنَّه (علم برجوازي لا يرى في النظام الرأسمالي مرحلة عابرة انتقالية من مراحل التقدم التاريخي، وأنما الشكل المطلق النهائي للإنتاج الاجتماعي - كارل ماركس، رأس المال).

وهكذا، فإنَّ الأمر لم يتعلق إطلاقاً بتطوير الاقتصاد السياسي، وحسناته، ومساوئه عند ريكاردو، بل بدحضه بالضبط، وهو العمل الذي قام ماركس بإنجازه، بصورة رائعة، وهذا من خلال تطوير وجهات نظر الانجليز المادية في التاريخ، على نفس الأرضية التي أعلن التاريخ عليها، إمكانية إنهاء الأسلوب الرأسمالي في الإنتاج، وهذا بعد دخول هذا الإنتاج الاختلال في التوازن والأزمات الاقتصادية الدورية، فأطروحات الاقتصاد السياسي، كانت تتعلق بشروق الإنتاج الرأسمالي، ثمَّ تحسين شروط هذا الإنتاج، وكان ميدان الاقتصاد السياسي، هو المجتمع المدني المبكر. أمَّا النظرة المادية للتاريخ، والتي ورثتها البشرية من الانجليز بالذات، كانت لابدَّ وأنْ تجتاز الاقتصاد السياسي، من خلال تصويب أنظارها نحو المستقبل، أي نحو غروب أسلوب الإنتاج الرأسمالي.

((العهد الذي لم يكن فيه الصراع الطبقي قد نما نموه، كان هو أيضاً العهد الذهبي للاقتصاد السياسي، وممثله العظيم (ريكاردو) هو أول عالم اقتصادي يجعل عن قصد، من المنازعة بين المصالح الطبقية، من التعارض بين الأجر والربح، والربح والدخل، نقطة الانطلاق لأبحاثه. وهذه المنازعة، التي لا يمكن فصلها في الواقع، عن وجود هذه الطبقات نفسها التي يتألف منها المجتمع البرجوازي، إنَّما ينص (ريكاردو) بسذاجة على أنَّها القانون الطبيعي، القانون الذي لا يتغير، للمجتمع البشري. وكان في هذا بلوغ الحدود التي لن يجتازها العلم البرجوازي - كارل ماركس، رأس المال)).

وهكذا، لم يبلغ الاقتصاد السياسي، سوى الحدود التي تتوقف عندها كل العلوم التجريبية الأخرى. وإذا كانت نقطة انطلاق الاقتصاد السياسي، هي الأجرة، والقيمة، والربح، وغيرها، فإنَّ نقطة انطلاق المادية التاريخية، هي القوانين الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي، بوصفه مجتمعاً عالميا عابراً في التاريخ، فالاقتصاد السياسي، أعلن صراحة أن وجود الإنتاج الرأسمالي، قانون طبيعي للبشرية، أي أنَّه لا يتغير، ويبقى أزلياً مثل القانون الطبيعي لهزات الأرض مثلاً. بينما المادية التاريخية، ترى أن الإنتاج الرأسمالي، يعطي بالضرورة، شروط أسلوب إنتاجي أعلى في التاريخ، وهذا من خلال إعطاء المواد الضرورية لإعادة تنظيم الإنتاج الاجتماعي من جديد، أي من خلال القضاء على القوانين الاقتصادية التي تؤدي إلى الأزمات الاقتصادية الدورية، فالإنتاج الرأسمالي، يحمل في أحشائه، شروط القضاء على الفوضى الإنتاجية التي تؤدي إلى النوبات الدورية في الإنتاج، ومن ثم إلى أسلوب إنتاجي أعلى في التاريخ، هو الأسلوب الكوموني.

((إذا كان للإنتاج التعاوني ألا يبقى كلاماً فارغا وخادعاً، إذا كان له أنْ يحلَّ محل النظام الرأسمالي، إذا نظمت مجموعة تعاونيات الإنتاج وفقاً لخطة مشتركة، ووضعته تحت إشرافها هي، فوضعت بذلك حداً للفوضى الدائمة، وللنوبات الدورية التي هي القضاء المحتوم للإنتاج الرأسمالي- أفلا يكون ذلك أيها السادة، شيوعية، شيوعية ممكنة؟ - كارل ماركس، الحرب الأهلية في فرنسا)).