الأربعاء، 13 مايو 2009

جدور الإرهاب في الإسلام

محمد مقصيدي journalisme123@hotmail.com الحوار المتمدن - العدد: 2646 - 2009 / 5 / 14
4.8 / 5 Rate this article More from same author -->لا شك أن إرهاب الإسلامويين والتنظيمات الإجرامية الراهنة تجد جدورها الأولى في بنية دولة الإسلام السياسي . لنقم بإطلالة قصيرة على حرية الإعتقاد والتعبير قبل مجيئ الإسلام عند قريش , ونقوم بمقارنات للإرتكاس الذي حدث بعد تأسيس أول دولة إسلامية . إن سوق عكاظ كان مركزا حيويا للأفكار وللتبادل الثقافي والفكري , وهو ما يؤكد أن قريش لم تكن بالتخلف والعصبية لآلهتها كما يحاول أن يرسمه مؤرخو الإسلام السياسي . ها هو قس بن ساعدة الإيادي يجهر بدعوته بكل حرية وهو الذي قال الرسول عنه : ما أنساه بعكاظ وهو القائل : أيها الناس اجمعوا واسمعوا وعوا , من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت . إن في السماء لخبرا , وإن في الأرض لعبرا . مهاد موضوع وسقف مرفوع , ونجم تمور ..أين الأباء والأجداد وأين المريض والعواد وأين الفراعنة الشداد .. أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى , ألم يكونوا أكثر منكم أموالا وأطول منكم آجالا ..كلا , بل هو الله الواحد المعبود , ليس بوالد ولا مولود ...فلماذا لم تضايق قريش قس بن ساعدة ؟ بل لماذا لم تضايق الكثير من القبائل العربية هؤلاء الأنبياء الذين تحدثوا عن نبوتهم قبل بعثة الإسلام ؟؟ نسوق كمثال آخر , النبي خالد بن سنان الذي عندما قدمت ابنته وهي عجوز على النبي محمد تلقاها بخير وأكرمها وبسط لها رداءه وقال لها مرحبا بابنة أخي , مرحبا بابنة نبي ضيعه قومه , فأسلمت . وأخبار الأنبياء في الجزيرة العربية قبل بعثة الإسلام معروفة كحنظلة بن صفوان مثلا , وابن الهيمان الذي كان يصلي خمسا في الجاهلية وكان يستسقي للقوم فينزل المطر, وزيد بن عمرو بن نفيل الذي قال عنه الرسول إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده , وهو من الذين فارقوا قومهم في عبادة الأوثان وأتوا بشرائع تشبه شريعة الإسلام قبل البعثة , وعبيد الله بن جحش الذي أسلم وتنصر بعدها وكان يقول للمسلمين : فتحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا . وعثمان بن الحويرث الذي كان يقول : ما أصبح أحد منكم على دين ابراهيم غيري حتى أن عمه الخطاب أخرجه من مكة وأسكنه حراء , وقد مات قبل البعثة . وأمية بن أبي الصلت الذي أول من كتب باسمك اللهم والذي قال لقريش أن طيرين جاءا وشقا صدره وانتزعا الشيطان منه , وأشعار أمية من أبي الصلت مشهورة أقر أكثرها القرآن . فكل هؤلاء رغم أنهم كانوا يدعون النبوة ويدعون لوحدانية الله ولشرائع تشبه إلى حد كبير شريعة الإسلام لم تهاجمهم قريش كما فعلت مع الإسلام . سؤال ينبغي أن يكون حاضرا في الذهن . هذا إضافة إلى النصارى الذين كانوا يتعبدون بطرائقهم المختلفة , فكما تورد المصادر أنه كانت فرق نصرانية منتشرة في الجزيرة العربية كالنسطورية الذين قالوا أن عيسى ابن الله واليعقوبية الذين قالوا أن عيسى هو الله والملكانية الذين قالوا عيسى عبد الله ونبيه , وهو ما حسم فيه القرآن منتصرا للفرقة الملكانية التي تقول بعدم ألوهية عيسى . كما أن الكاهن خطر عندما سألته قريش عن النجوم والشهب قبل البعثة قال : أصابه أصابه جمع وصب كجمل وجمال خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه .. وقال عندما سألوه من الذي سيبعث أجاب : الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجن الخبر .. لا إله إلا الله . وقد قال الرسول عنه : سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده . لم يهاجموا الكاهن خطر ولم يقتلوه . فهذه الإعتقادات كلها وهذا التعبير عن الدين أو إدعاء النبوة والكهانات لم يكن مشكلة في حد ذاته , بل إن الأمر لم يكن عصبية دينية بالمطلق , بقدر ما كان صراعا سياسيا إقتصاديا من جهة ونتيجة للعنف الدموي والرغبة في محو الآخر من طرف الدولة الإسلامية من جهة أخرى . بل أن حتى لما جاء أبرهة لهدم الكعبة قبل مجيئ الإسلام , قال عبد المطلب لأبرهة الحبشي : أنا رب الإبل والخيل , وأما البيت فله رب يحميه . فالنقاش الذي كان بين جد الرسول عبد المطلب وأبرهة لم يكن لحماية الكعبة أو محاولة رد أبرهة عنها , بل كان طلبا لجمال كان قد احتجزها أبرهة ,عندما رأى أن قومه لا قبل لهم بالحرب لماذا قبلت قريش بظهور هؤلاء الأنبياء وأنصتت لهم في عكاظ وفي مجالسها وتداولت أقوالهم , بينما كانت ثمة حربا طاحنة دارت رحاها مع الإسلام ؟لنر كيف كانت دعوة الرسول في عائلته , وتفاعلاتها مع العائلات الأخرى في قريش . ليس من داعي للحديث عن كيفية تثبيت خديجة للرسول حيث أخدته إلى عداس وإلى ورقة بن نوفل ليؤكدوا للرسول أنه رسول فعلا . أو الحديث عن علي الذي أسلم وعمره 8 سنوات لأنه كان يعيش مع الرسول في بيته وهو بمثابة ابنه ... لنتحدث عن المراحل الأكثر توترا والأكثر عمومية , فعندما جمع الرسول محمد عائلته ليعرض عليهم الإسلام , وكان موقف عبد العزى واضحا من الدين الإسلامي منذ البداية , بل حتى أن عمات الرسول نصحنه بأن لا يدعو عمه عبد العزى لهذا الإجتماع لأنهن كلهن يعرفن موقفه بوضوح . لكن , لنتذكر أنه بالرغم من رفض عبد العزى للإسلام مبدئيا فإنه حضر إلى الإجتماع مما يبين الأخلاق التي كانت سائدة وقداسة العائلة وآصرة القرابة التي سرعان ما سيقطعها الإسلام السياسي بتغليب العلاقة الدينية والتشريع لقتل الأب والإبن والأخ وكل العائلة إذا كان ثمة اختلاف في الدين كما حدث في غزوة بدر , فقريش وقبلهم عائلة بنو هاشم كانت تضع العلاقة العائلية أولا حتى وإن تعارضت الأفكار والمعتقدات فيها , وهو ما يعتبر قيمة إنسانية عالية باعتبار الدين وحرية التعبير مسألة عابرة ويجوز الإختلاف فيها بينما العلاقة الإنسانية من خلال العلاقة العائلية هي الجوهر . بل أن عبد العزى ولو أنه قال له تبا لك ألهذا جمعتنا عندما عرف بمضمون الإجتماع , بمعنى أنه لم يكن يتوقع أن يدعوه الرسول ليعيد عليه هذه الأمور وقد عرف موقفه سالفا . فإنه سرعان ما يتكلم بمودة قائلا : ما رأيت يا ابن أخي أحدا قط جاء بني أبيه وقومه بشر ما جئتهم به . فأجابت صفية عمة الرسول وأخت عبد العزى : أي أخي أيحسن بك خذلان بن أخيك ؟ وفي ذلك الإجتماع كان موقف أبي طالب واضحا بالدفاع عن ابن أخيه , وهو ما يعني الموافقة المبدئية على حرية التعبير والعقيدة لفرد من العائلة , وكلنا يعرف أن أبا طالب لم يكن مسلما .ورغم ما بدى عن عبد العزى الذي نزل قرآن ضده بسبب قطيعته مع الرسول وتحريض الناس عليه فإنه لم يتعدى حدود اللباقة والكياسة , ولعل الفترة التي تلت موت أبي طالب توضح أن أبا لهب كان رؤوفا وحاميا للرسول بعدما سمعه يقول عن أبي طالب : يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك . حيث قال أبو لهب للنبي : إمض لما أردت وما كنت صانعا , لا واللات والعزى لا يوصل إليك حتى أموت , فها هو عبد العزى نزلت سورة تتوعده بالنار ورغم ذلك يعطف على الرسول ويناصره حتى جاء أبو جهل وقال لأبي لهب اسأل ابن أخيك محمد أين مدخل أبيك ؟ فقال أبو لهب للرسول : أيدخل عبد المطلب النار يا محمد ؟ فقال : نعم , ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب . فقال أبو لهب : لا برحت لك عدوا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار . إذن , فالعلاقة لم تكن أكثر من شجارات عائلية بين الرسول وعمه الشخص الذي يعرف في التاريخ أنه الأكثر عداء ضده , ولأعطي مثالين آخرين بخصوص هذه العلاقة , فعندما كان يطوف الرسول في الأسواق عند الحج " سوق مجنة , سوق ذي المجاز .." عارضا دعوته على الناس ماذا كان يفعل عمه عبد العزى ؟ كان فقط يسير وراءه ويقول لا تسمعوه إنه كذاب . فلم يحدث أن ضربه أو هدده , إنما يسير وراءه ليضحد أقواله , وهو ما يمكن اعتباره الرأي والرأي الآخر , وليس كما ستفعل دولة الإسلام السياسي عند نشأتها , حيث قتلت كل هذه القيم لصالح التعصب الديني والإستبدادية . أما المثال الثاني فهو عندما نزلت سورة المسد بعد الإجتماع العائلي والتي شتمت عبد العزى وتوعدته وهجت زوجته , الغريب , أن كل المصادر التاريخية تقول أن زوجة عم الرسول جاءت تبحث عن الرسول لتعرف لماذا هجاها . ففي الذر المنثور أن زوجة عم الرسول جاءت عنده قائلة : يا محمد علام تهجوني ؟ قال إني والله ما هجوتك ما هجاك إلا الله , قالت رأيتني أحمل حطبا ؟ أو رأيت في جيدي حبلا من مسد ؟ وهذا ما يؤيد بعض ما قاله المفسرون أن الحطب كناية على النميمة . وفي رواية أنها لما كانت قادمة كانت تقول : مذمما أبينا , ودينه قلينا , وأمره عصينا . فهي عند سماعها أن ابن أخ زوجها هجاها جاءت تبحث عنه , مما يبين طبيعة العلاقة العائلية خصوصا بين عبد العزى وابن أخيه . ويبين شكل الصراع الذي يريد أمراء الدم تسويقه على أنه كان صراعا دمويا .إذا كان هذا هو موقف بنو هاشم الواضح المساند جملة وتفصيلا , فكيف كانت ردة فعل قريش ؟ لقد كانت قريش تأتي لأبي طالب ليكف الرسول عن شتيمة آلهاتهم وتحقيرها " والغريب أنه اليوم يقتل المسلمون المجرمون الأبرياء ويبيحون دمائهم بحجة التعدي على المقدسات , فماذا نسمي تحقير آلهة قريش ؟؟؟ أليست تعدي وعدم احترام مقدسات الآخر ؟؟؟" , لقد حسم أبو طالب موقفه قائلا للرسول : إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك . فمهما شتم الآلهة أو عابها وتجاوز المقدسات فإنه محمي بعائلة أبي طالب . بل إنه حتى عندما عزم أبو جهل على التهجم على من من تجاسر على شتيمة آلهة قريش المقدسة والتطاول عليها حينما قال: إني أعاهد الله لأجلس له يعني النبي غدا بحجر لا أطيق حمله فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بي بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم . فإنه لم يستطع لمس النبي متحججا برؤية جمل أراد ان يأكله , لأنه يعرف أن بنو عبد المناف سوف يقتلونه بقتله لابن اخيهم رغم انه قال في لحظة غضب فليفعلوا بي ما يشاؤون وذلك دفاعا عن آلهة قريش . فباستثناء بعض النوايا , لم تكن ثمة أية هجوم جسدي على النبي , لأنهم يدركون جيدا أن قداسة الدم والعائلة أكبر بكثير من قداسة الآلهة . وهو ما حدث مع الخطاب أيضا عندما أراد قتل محمد فقالوا له : أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على وجه الأرض وقد قتلت محمدا ؟لقد كانت قريش تحاول الرد عليه بنفس الطريقة حيث قال أحد المشركين لمحمد : يا محمد لتتركن سب آلهتنا أو لنسب إلهك الذي تعبد فأنزل الله: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم , وتورد السيرة كيف ذهب النظر بن الحارث إلى الحيرة واشترى أحاديث العجم وقدم يحدث بها في مكة ويقول هذه أحاديث كأحاديث محمد عن عاد وتمود وغيرهم .أما بعض الإحتكاكات الجسدية فإنها لم تتعدى شد القميص أو السخرية ,فمثلا جاء أحد من قريش ذات مرة وأمسك أحدهم بثياب محمد فقال أبو بكر : أتقتلون رجلا يقول ربي الله ؟ فأطلقه . وكما حدث مع مزحة عقبة بن أبي معيط عندما وضع أحشاء الجزور على محمد وهو ساجد فاستضحكوا على سبيل المزاح , المزحة التي ستكلفه حياته حيث سيتم قتله شر قتلة . هذا الشخص عقبة بن أبي معيط كان أسلم ذات مرة في منزله حتى يأكل الرسول , لأن الرسول حلف أن لا يأكل حتى يسلم عقبة , وقد كان الرسول ضيفا عليه في داره . ولما شهد بن أبي معيط أن محمد رسول الله , قالوا له كيف أسلمت ؟ قال إنما أسلمت حتى يأكل النبي وهو ضيفي . فأفراد قريش ومن بينهم بن أبي معيط لم يكونوا بلا أخلاق أو متوحشين , بل كما أوردنا يمكن ملاحظة ومقارنة علاقة بن أبي معيط الكافر المعادي للإسلام بالرسول والمسلمين . فهو ينطق الشهادتين فقط ليأكل الرسول في منزله . ولعل إسلام حمزة أكبر دليل على الإنتصار للعائلة , فذات مرة عندما عاد حمزة من الصيد , أخبرته امرأة ماذا فعل أبو جهل بابن أخيه الرسول . فاحتمل الغضب وجاء إلى أبي جهل وهو جالس في القوم فأقبل نحوه حتى قام على رأسه رفع القوس وضربه فشجه ثم قال أتشتمه ؟ فأنا على دينه أقول ما يقول فرد على ذلك إن استطعت . فإذا فهمنا طبيعة البنية السياسية الإقتصادية بين العائلات في قريش , وكذا طبيعة العلاقات الإجتماعية يمكننا فهم الكثير من الأشياء التي يحاول تاريخ الإسلام السياسي محوها . لقد قال الرسول ذات مرة في بدايات الدعوة بعدما ضايقه أحد المشركين مستهزئا منه : أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح . وهو كان يعرف ما يقول ويعرف أفاق الصراع التي سيتوجه إليها الإسلام السياسي فيما بعد .أما الإساءات للمسلمين فيمكننا إستحضار كمثال ما وقع لبعض الصحابة : إن أبا ذر الغفاري قال بصوت مرتفع وسط قريش وهو من قبيلة أخرى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , فقاموا إليه يضربونه فجاء العباس وقال لهم : ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجارتكم عليه فخلوا عنه . فكما يلاحظ أن أبا ذر ليس حتى من تلك القبيلة وجاء يصرخ وسط القبيلة الأخرى مستفزا إياهم , ورغم ذلك لم يقتلوه , خشية الحرب مع القبيلة الأخرى . أما خالد بن سعيد بن العاص عندما أسلم ضربه أبوه وقال له أخرج من منزلي فلن أطعمك وكان هذا كل شيء . وعندما خرج أبو بكر في الناس خطيبا عندما كان يتعبد المسلمون في دار الأرقم , جاؤوا يضربونه حتى وصلت بنو تميم يتجارون فأجلتهم عنه وحملوه وقالوا لئن مات أبو بكرلنقتلن عتبة . فكل الصحابة الأحرار كانوا يلقون دعما من عائلاتهم ومنعة , ولم يكن يجرأ أحد على الإقتراب منهم .تبقى بعض حالات التعذيب في حق العبيد والإماء , وبالنظر للشروط التاريخية التي تكرس عبوديتهم ودونيتهم فكانوا هم من تعرض للأذى , فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحدث عن حرية التعبير أو التدين بالنسبة للعبيد , لأنهم أصلا عبيد بالرجوع للظرفية التاريخية , وحتى لما جاء الإسلام ساير هذه التشريعات بخصوص العبودية , وكرسها حتى في مسألة القتل , عندما جاء القصاص بأن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى كآية قرآنية , ومن تم يكون أنه لو قتل الحرعبدا فإنه لا يقتل الحر القاتل بالعبد , وهذا موضوع آخر . لكن أردنا الإشارة إليها حتى لا يتم سوق بعض أمثلة عبيد تم التنكيل بهم وأذيتهم , فالأمر لم يكن دينيا , بل كان بمثابة تمرد سياسي يحدث في صفوف العبيد , وكذا خسارة اقتصادية بالنسبة لمن يملكون هؤلاء العبيد .إن قريش كانوا على استعداد لرأب الصدع والتصالح مع الرسول حتى لو تنازلوا على الكثير من مبادئهم وهو ما يظهر جليا أكذوبة تعصبهم للآلهة . فعندما كانت الهجرة الأولى للصحابة إلى الحبشة وقرأ الرسول في مكة والنجم إذا هوى , عندما وصل إلى مناة الثالثة الأخرى أضاف : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى , فسجد وسجد القوم جميعا المسلمون والكفار , فقام المشركون يصفقون إيذانا منهم بالتسامح والفرحة ولم الشمل , وقالوا للرسول : عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده .وهو ما دفع بمن كان في الحبشة لما سمعوا بالصلح بالعودة . لكنه سرعان ما سيعود الرسول إلى مهاجمة تلك الآلهة , وانتهاء تلك الحادثة التي لم تعمر سعادتها طويلا على قريش . وعندما ضاقوا درعا بالنبي , اجتمعواعلى منابذة بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف , فدخلت عائلة الرسول مؤمنهم ومشركهم إلى الشعب في السنة 7 من النبوة لحماية الرسول من إحتمال إمكانية القتل . ولم يدخل معهم طبعا عبد العزى لأنه كان يرى أن أمر الدفاع عن ابن أخيه لا يعنيه . لقد أمر أبو طالب بني هاشم وبني المطلب أن يدخلوا الشعب وأن يحموا محمدا بعد أن اتفقت قريش أن لا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم ولا ينكحوهم ولا ينكحوا إليهم ... في حادثة اتفاق الصحيفة الشهير . هذا التضييق , الذي سرعان ما انهارحيث كان أول من نقضه زهير عندما طاف بالبت وقال : يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم والمطلب هلكى ؟ ولما احتج أبو جهل , تدخل زمعة بن الأسود مجيبا أنهم لم يرضوا بكتابة الصحيفة ضد عائلة النبي , وأكد ذلك أبو البحتري والمطعم , فعندما رأى أبو جهل ذلك من الرجال واتفاقهم على نقض الصحيفة قال : هذا أمر قضي بالليل . فقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فشقها , وهذا يثبت أن الأرضة لم تأكل بنود الصحيفة بل أكلت باسمك اللهم . ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين نقضوا الصحيفة مات مشركا ولم يؤمن . إنهم فعلوا ذلك لأنهم لم يرضوا بأن تهلك عائلة من قريش وليس لأنهم مسلمون .ماذا حدث إذن , حتى يكون كل ذلك القتل بين قريش ودولة الإسلام السياسي ؟لقد ورد في باب استخفاء الرسول في دار الأرقم بن الأرقم مع أصحابه , بعد أن دعى 3 سنوات سرا وكانوا يذهبون إلى الجبال للصلاة والتشاور , جاء مشركون فتشاجروا معهم , فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا منهم بلحى بعير فشجه فهو أول دم أهرق في الإسلام . إن أول من أهرق الدم في قريش لم يكن عبد العزى ولا كان أبا جهل ولا كان أحدا من قريش , فأول دم سقط كان من طرف شخص مسلم . وهو ما دفعهم إلى الإختباء في دار الأرقم وهم حوالي 39 فردا . إن الأقلية المسلمة هي من قتلت أولا , قبل أن يبدأ حتى التضييق وتعذيب العبيد .وإن أنكر البعض هده الحادثة فإنه يبقى أيضا أن أول دم سقط بين قريش ومحمد هو دم عمرو بن الحضرمي على يد واقد بعد أن بعثهم الرسول لترصد قريش , وهي حادثة مشهورة لا يتناطح فيها كبشان . لماذا كان المسلمين هم أول من قتل ؟ قال الرسول : فضلت على الأنبياء لم يعطهن أحد كان قبلي , غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر , وأحلت لي الغنائم , وجعلت أمتي خير الأمم , وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا , وأعطيث الكوثر ونصرت بالرعب . وقال في بيعة الرضوان للوفد من الأوس والخزرج عندما قالوا له أنه بينهم وبين اليهود عهودا وأنهم سيقطعونها فإياك أن ترجع لقومك وتتركنا , أجابهم : الدم الدم , الهدم الهدم . يمكننا أن نفهم طبيعة التنظيمات المتطرفة الإجرامية الراهنة بالرجوع إلى دولة الإسلام السياسي , وإلى العشر سنوات الأولى لإنشائها في المدينة بعد الهجرة , فإن كانت لم تنشب طيلة 13 سنة من الدعوة المكية أية حرب بين المسلمين وقريش , فإن عشر سنوات بالدولة الإسلامية بالمدينة شهدت 27 غزوة أولها البواط , وبشكل مباشر أول غزوة أشرف عليها الرسول شخصيا تكون غزوة بدر , وحوالي 50 سرية , فهذا رقم مرعب . وإن كنا قد قلنا سابقا أنه أول قتيل في مكة كان مشركا سقط بيد الصحابي سعد بن أبي وقاص أو سقط بيد عمرو بن الحضرمي , , فإن لا غزوة البواط ولا غزوة بدر , فإنهما قراران من الدولة الإسلامية بشن العدوان ومحاولة السطو على قوافل قريش التي كانت آمنة من جوع ومن خوف لعقود طويلة . وهذا بطبيعة الحال هو أول إعتداء منظم , إن اعتبرنا قتل سعد بن أبي وقاص للقرشي المشرك هو حادثة منفردة . الأمر الذي سيجر معه سنوات طويلة من الحرب , هذه السنوات الطويلة ستجر معها عقودا , وهذه العقود جرت معها قرونا إلى اليوم . لا يمكننا أن نقول أن دولة الإسلام السياسي نشرت الإسلام بالورود والدعوة , لقد تم الغزو المسلح بالإكراه والقتل والسبي . حيث ستختفي آيات مكة وستصبح في عداد المنسوخ كل آيات " واصبر " , " لكم دينكم ولي دين " ... ليحل محلها " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وإني محمد رسول الله , فإن قالوها عصموا مني أموالهم ودمائهم إلا بحقها " .إن تحكيم سعد بن معاذ الشهير بضرب أعناق كل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري والنساء " صفية زوجة الرسول كانت من غنائم ذلك التحكيم " , وكذا أحكام الردة , والإغتيالات السياسية التي تمت في حق الكثيرين من المعارضة مثل كعب بن الأشرف , والتشريع للغنائم , والعدد الهائل للغزوات من أجل إخضاع القبائل ... هي الجدورالحقيقية للإرهاب الإسلامي الراهن . فلا اختلاف في الجوهر الفكري الذي يؤمن بالحقيقة الواحدة بين سعد بن أبي وقاص وبنلادن , ولا فرق بين خالد بن الوليد والزرقاوي ... علينا أن نفهم لماذا الإسلام اليوم له مشاكل مع كل الديانات من اليهودية أو المسيحية أو الهندوسية ... وكل هؤلاء الديانات واللاديانات لهم المشكل ذاته مع الإسلام ويعتبرونه إرهابيا , إنها نفس الإجابة , لماذا لم يكن لقريش والقبائل العربية مشكلة مع الأنبياء العرب الذين كانوا قبل الرسول محمد , بينما كانت لهم مشاكل وحروب طويلة مع الإسلام انتهت بإطاحة رؤوسهم ...

الجمعة، 8 مايو 2009

الحرب العالمية الثالثة لن تندلع!

سالم اسماعيل نوركه salim_esmael1967@yahoo.com الحوار المتمدن - العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8
4.8 / 5 Rate this article More from same author -->الحربان العالميتان الأولى(1914-1918)والثانية(1939-1945)أتسمتا بأتساع نطاقهما لتشملا مناطق عديدة من العالم بين الجبهتين المتحاربتين في الأولى بين دول الوفاق ودول الوسط وفي الثانية بين دول الحلفاء ودول المحور ترتبت عليهما آثار سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة شملت حتى الدول التي بقيت بمنأى عنهما أيضا ،واعتبرت تلكما الحربان من أهم أحداث التاريخ الإنساني المأساوية حيث خلفت كل منه أضرارا مادية وبشرية لا تطاق ،مثلا في الأولى أشترك زهاء 75 مليون عسكري ،قتل منهم أكثر من عشرة ملايين وجرح وتشوه زهاء 20 مليونا ،هذا فضلا عن زهاء عشرة ملايين ماتوا جوعا مع خسارة تسعة آلاف سفينة تجارية تعرضت للتدمير وغاصت غرقا بأعماق البحار وغير ذلك من الأضرار التي تفوق التصور ،والثانية تميزت عن الأولى باعتبارها شهدت أخطر الأحداث باستخدام السلاح الذري لأول مرة في تاريخ الحروب .الحربان العالميتان سبقتهما أزمات سياسية وتوتر شديد وتحالفات دولية وسباق التسلح وتنافس ومشكلات (منها القومية،والصراع حول المستعمرات وقيام أنظمة جديدة –فاشية ،عسكرية،نازية-وأطماع توسعية كما حصلت قبل الحرب العالمية الثانية بالذات ،ولهذه الصفات أطلق عليها صفة حرب عالمية).وتدور الآن حرب عالمية ولكنها (حرب ضد الإرهاب وتبعاته وهي حرب ذات نطاق واسع كما نرى ومع خسائر جسيمة بالأرواح والأموال وذلك بحرقها الأخضر واليابس وباستهدافها حتى الأبرياء ،وهذه الحرب ذات تحالفات العلنية والخفية وبمأساوية وقائعها ؛هل يمكن لنا أن نطلق عليها حربا عالمية ثالثة؟!كونها حربا دائرة ومستمرة وليست مجرد استعراض للقوة وإنما هي في الواقع حرب من أجل إطاحة بأنظمة قائمة .وأهم ما يميزها عن غيرها من الحروب هو:أن نارها لا تفتح على كل الجبهات في آن واحدقبل أن نجيب على السؤال الذي طرحناه نود أن نقول :في مسائل المتعلقة بالحروب فأن كل شيء يتغير باستمرار حيث ما كان صالحا للعصر السابق قد لا يصلح للعصر اللاحق من حيث نوعية السلاح والخطط وأسلوب إدارة المعارك .ولكن الحرب هي هي وحصادها قتلى وجرحى وأسرى وخسائر مادية وبشرية وهي عبارة عن جبهة فيها طرفان واحد سيهزم وآخر سينتصر وإن كان نصرا أجوف .التاريخ البشري عبارة عن سلسلة من حوادث مستمرة متواصلة الحلقات حيث الحاضر وليد الماضي واستمرار له والمستقبل جنبن الحاضر متصلا به فما يحصل اليوم من أحداث له جذور في الماضي فقنبلة الأمس تنفجر اليوم وقنبلة اليوم ستنفجر غدا ،والأحداث التاريخية تقع بسبب جملة أسباب يكون واحد منها بارزا لسبب من الأسباب .فلا يعقل مثلا تفسير ما يحصل في العراق من أحداث بأنها نتيجة طبيعية لمقاومة يبديها أذناب العهد السابق المستفيدون منه ضد العهد الجديد فحسب بل هناك خيوط خفية وأخرى تمويهية تمتد لتلتقي في الساحة العراقية .من مفارقات هذه الحرب (الحرب ضد الإرهاب وتبعاته)هي إننا لا نستطيع أن نحدد كلا الجبهتين بشكل دقيق لصعوبة الأمر بل إن ما هو أشد صعوبة وأكثر استدعاء للحيرة هو إننا نجد دولة ما تنتمي للجبهتين في آن واحد فهي تحارب الإرهاب في الوقت الذي تمارسه.لنأتي الآن إلى الحرب الباردة بين المعسكرين في الماضي القريب *وعلاقتها بالإرهاب وبالأنظمة الشمولية والاستبدادية (والتي هي إي الحرب الباردة سبب من أسباب الإرهاب) القائمة ،حيث إننا نرى بأن تبعاتها (إي الحرب الباردة) أثقلت كاهل الشعوب الرازحة تحت حكم الأنظمة الاستبدادية والشمولية الديكتاتورية لأنها استغلتها وتعايشت معها ورسخت في ظلها فمارست السلطة بالقوة والحديد والنار فظلمت وتسلطت وبطشت بمعارضيها يوم كانت على دست الحكم .وما تزال الأنظمة الشمولية تحكم بشكل عشوائي وفوضوي وتعالج مشكلاتها الناجمة عن سوء حكمها بمزيد من العنف وقمع الآخر ،بل عمدت باستمرار إلى سحق معارضيها بوسائل وحشية يوم كانت حقوق الإنسان نتيجة للحروب الباردة غائبة عن بال الساسة الكبار (إي القطبين المتضادين) من باب (أنت معي إذن أنت بحمايتي)فأفعل ما بدالك ! والآن يبدو إننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الإجابة على السؤال الذي طرحناه فنقول:لكل حرب تسمية تطلق عليها تصيب في التعبير أو تخيب على سبيل المثال سميت معركة الخندق كذلك لأن حفر الخندق كان أبرز ملامح تلك المعركة من حيث التأثير في نتائجها وسميت الحروب الصليبية بهذه التسمية غير الموفقة لأنها جاءت بعيدة عن روح المسيحية وتعاليمها ونرى أيضا إن تسمية الحرب الحالية كونها ضد الإرهاب تسمية غير موفقة تماما ولهذا يبدو إن الحرب العالمية الثالثة لن تندلع لأنها مندلعة فعلا لكنها تدار بعقلية هذا الزمان وليس ذلك الزمان،وبسلاح اليوم وتحالفاته.وهذه الحرب سوف لا تنتهي بسرعة ولا بعقد الصلح والجلوس على طاولة المفاوضات بل بهزيمة الجبهة الأخرى وهي ستكون حربا طويلة كما قال جورج دبليو بوش بعد أحداث 11 من سبتمبر –أيلول-حيث أسقطت جبهة الطالبان في أفغانستان وجبهة (بطل النصر والسلام)!في العراق وجبهات أخرى مرشحة للسقوط وهي حرب قائمة بين جبهتين ،جبهة الأنظمة المارقة والاستبدادية والشمولية ،وجبهة أمريكا وحلفائها ومع الأسف الشديد!العراق اليوم جبهة رئيسية من جبهات هذه الحرب فأرضه ساحة مفتوحة للحرب الدائرة وهنا تلتقي خيوط بعض الجبهات التي تشعر بأن الغد ليس في صالحها فتتدخل في العراق بشكل خفي لعرقلته ومحاربة أمريكا على ساحته لأنها تعلم إن أرضها ستكون ساحة لهذه الحرب في وقت قادم ،هذه الأنظمة تعاني الإفلاس السياسي بالدرجة الأساس في ظل العولمة وسرعة انتقال المعلومات وهي سوف تخسر المعركة إن دارت عليها لضعفها داخليا لأنها لا تمثل إلا نفسها أولا ،وضعفها أمام الماكينة العسكرية الأمريكية الماحقة وحلفائها ثانيا،والخيوط التي يمدونها بالظلام إلى الجبهة العراقية مكشوفة لابد أن ترصد وتشخص لتقطع ،والديمقراطية قادمة لا محال وعصر الضحك على الذقون انتهى وإلى الأبد وكل أحمق يتربع على كرسي الحكم بالحديد والنار إن لم يقرر الرحيل طوعا بصيغة ما فسوف يزاح بالحديد والنار والحرب مستمرة إلا أنها تسقط جبهة بعد جبهة يا سادة!*أنظر مقالنا المنشور (الحرب الباردة..وأمراض العصر)

الحرب الباردة..(وأمراض العصر)!

الحرب الباردة..(وأمراض العصر)!
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
سالم اسماعيل نوركه salim_esmael1967@yahoo.com الحوار المتمدن - العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28
4.8 / 5 Rate this article More from same author -->قبل التطرق إلى ما سميت بالحرب الباردة أود التطرق إلى نقطتين ،الأولى هي:لا تمر الأحداث التاريخية العالمية دون أن تترك تبعات ومخلفات في حاضر ومستقبل العالم تلك التي تؤثر في صنع الأحداث اللاحقة مع عوامل مستجدة بصورة أو بأخرى ف(القنابل)التي تنفجر اليوم هي من صنع الأمس والتي تنفجر في الغد من صنع اليوم،فالإمبراطوريات التي سقطت تركت بصمات قوية لها في الأحداث التي أعقبت سقوطها،فالإمبراطورية العثمانية على سبيل المثال لا الحصر سقطت مع الحرب العالمية الأولى(1914-1918)وبقيت تبعاتها تتحرك هنا وهناك وخصوصا ونحن نعلم بأنها حكمت المنطقة أكثر من أربعة قرون والحربين العالميتين الأولى(1914-1918)والثانية(1939-1945)انتهتا بإحداثهما الجسام لكن آثارهما والترتيبات والاتفاقيات التي نتجت عنهما إلى الآن تلقي بثقلهما في أكثر من منطقة من مناطق العالم وألحقتا غبنا تاريخيا ببعض الشعوب .والنقطة الثانية هي:درسنا التاريخ إلى وقت قريب بحذر شديد وخوف في عهد النظام الاستبدادي وتطرقنا إلى الأحداث والوقائع التاريخية بشكل مبتور من الحقائق وأحيانا تحضر دراسة بعض الأحداث لغاية في (نفس يعقوب)والبعض الأخر درست كما يشتهي السلطان وطلب من المؤرخين إعادة كتابة التاريخ لحذف ما يطلب السلطان حذفه وتحريف أو إضافة ما يطلب إضافته بعيدا عن الحقائق والوقائع والمطلوب اليوم إعادة قراءة وفهم وتحليل ودراسة التاريخ بموضوعية وجعل الجيل الجديد يطلع على الماضي بكل حرية وجعله يطلع على أحداث مضت لفهم الأحداث الحالية والمستقبلية.الحرب الباردة:هي الحرب التي كانت ساخنة بنتائجها وتبعاتها أكثر من كثير من الحروب الساخنة في التاريخ حيث خلفت وضعا بائسا وأنظمة بائسة ديكتاتورية ومستبدة في المنطقة والعالم،أيام كان العالم يدور في فلك القطبين وحتى الدول التي سميت بدول عدم الانحياز كانت الكثير منها منحازة إلى هذا المعسكر أو ذاك وحتى الإرهاب والانفلات الحالي في العالم من نتائج تلك الحرب بصيغة أو أخرى وأكثر المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم هي من مخلفاتها بصيغة أو أخرى .أدعو ذوي الاختصاص في كل حقول المعرفة ومنها السياسة والتاريخ والاقتصاد التطرق إلى أحداث الماضي لفهم حركة الحاضر وتحرره من تبعات الماضي بقدر المستطاع لصنع الأحداث والتحرر من قيود ثقل الماضي علينا أن نحرك الأشياء من حولنا لا أن تحركنا كيفما تشاء.تشكلت حالة سياسية عالمية كانت قائمة على التنافس بدون حرب أو صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وبين الإتحاد السوفيتي السابق وحلفائها وسميت بالحرب الباردة وهي مصطلح أستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي دارت بين القطبين العالمين منتصف الأربعينات حتى أوائل الستينات خلال هذه الفترة ظهرت الندية بين القوتين العظيمتين خلال التحالفات العسكرية والتجسس وتطوير الأسلحة والدعاية والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي ،وفي أنفاق كبير على الدفاع العسكري والترسانات النووية وحروب غير مباشرة ،باستخدام وسيط في أكثر من منطقة من مناطق العالم والملفت للنظر إن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانا حلفاء ضد فوات المحور إلا إن القوتين اختلفتا في كيفية إدارة ما بعد الحرب وإعادة بناء العالم وصاحبت فترة الحرب الباردة عدة أزمات دولية مثل أزمة حصار برلين 1948_1949 والحرب الكورية 1950_1953 وأزمة برلين عام 1961 وحرب فيتنام 1959_1975 والغزو السوفيتي لأفغانستان وأزمة الصواريخ الكوبية 1962 وكثيرا كان العالم يشعر أنه على حافة الانجراف إلى الحرب العالمية الثالثة وبأسلحة أكثر فتكا هذه المرة.إن الحدث التاريخي لا تنتهي بانتهاء الحدث ،وهو ليس من صنع عامل واحد وإن برز ذلك العامل ولا يمكن تكرار الحدث بنفس الصيغة أو العودة إليه ،فالبعض يتساءل تعود الحرب الباردة أو لا تعود؟ثمة حنين قومي وعاطفي لدى القادة الروس والسياسيين والعسكريين للعودة إلى مرحلة الدولة العظمى،واستدراك الجرح والهزيمة التي لحقت بالاتحاد السوفيتي وإن كنت شخصيا لا أرى منتصرا في هذه الحرب ،لأن النتائج المترتبة عن نهاية الحرب الباردة لا حقا أتعبت أمريكا وتلقت وتتلقى وتتفاعل مع أزمات العالم في أكثر بقاع الأرض كونها القطب الأوحد وإن كان الأخر لا يخفي عدم قبوله بتزعم قطب واحد للعالم وهذا بوتين يقول:لا أحد يشعر بالأمان في عالم أحادي القطب ،إن عالما أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أمر لا يمكن القبول به،وقد أدى إلى المزيد من الحروب والصراعات في مختلف أنحاء العالم.أول استخدام للحرب الباردة لوصف الاضطراب السياسي بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قام به المالي الأمريكي ومستشار الرئيس الأمريكي بيرنارد باروش في 1947 القى باروش خطبة في كارولينا الجنوبية قال فيها (دعونا لا نخدع أنفسنا نحن اليوم في حرب باردة ) كما أعطى الصحفي والتر ليبمان شهرة كبيرة للمصطلح عندما نشر كتابه بعنوان الحرب الباردة عام 1947.لا يوجد توافق بين المؤرخين فيما يتعلق ببداية الحرب الباردة ، فبينما يقول معظم المؤرخين أنها بدأت في نهاية الحرب العالمية الأولى ،على الرغم من أن المشاكل بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر ،إلا أن الخلاف في وجهات النظر بين الشيوعية والرأسمالية يعود إلى عام 1917 ،عندما أنطلق الاتحاد السوفيتي من الثورة الروسية كأول دولة شيوعية في العالم ،هذا أدى إلى جعل العلاقات الروسية الأمريكية مصدر قلق ومشاكل لفترة طويلة أدت العديد من الأحداث إلى نمو الشك وعدم الثقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مثل :التحدي البلشفي للرأسمالية من خلال عمليات إسقاط عنيفة للنظم الرأسمالية واستبدالها بنظم شيوعية ،وانسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى عن طريق عقد معاهدة بريست ليتوفسك مع المانيا ،وتدخل الولايات المتحدة في روسيا لدعم الجيش الأبيض خلال الحرب الأهلية الروسية ،ورفض الولايات المتحدة الاعتراف بالاتحاد السوفيتي حتى عام 1933 .أحداث أخرى حدثت في الفترة بين الحربين أدت إلى تعميق مناخ عدم الثقة المتبادل مثل معاهدة رابللو والاتفاق على عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي.والبعض يستنتج إن القنبلة الذرية أنهت حربا كونية عندما رفعت اليابان رايات الاستسلام بعد أن قصفت الطائرات الأمريكية مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بهذه القنابل ،ولكنها فتحت بنفس الوقت مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية ، مرحلة (الحرب الباردة)التي ساد فيها سلام الرعب إي السلام تحت ظل قناعة ثابتة أن القوى النووية تستطيع تحقيق الدمار المتبادل والبعض يربط بين التفجيرات النووية الأولى وبدايات الحرب الباردة وبأن القنبلة الذرية لم تدفع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق إلى التعاون الحقيقي وإنما إلى الدخول في منافسة بل وفي مواجهة ثنائية لا هوادة فيها ,ساد لدى جوزيف ستالين الزعيم السوفيتي آنذاك الاعتقاد بل والقناعة ،إن الولايات المتحدة سوف تلجأ إلى استخدام السلاح النووي ضد بلاده كما فعلت ضد اليابان ،وإنها تريد تدمير المنظومة الاشتراكية التي تدور في فلك الاتحاد السوفيتي ولذالك كان رد ستالين هو السعي الحثيث من أجل تزويد بلاده بالسلاح النووي أيضا ووضع حد للتفوق الأمريكي والغربي عامة ،في الميدان النووي .قاد (منطق القنبلة) إلى منظومة الحرب الباردة ألتي انبثقت كناتج فرعي من الحرب العالمية الثانية.أمتلك الاتحاد السوفيتي قنبلة الذرية وكان على علم بمسيرة الأبحاث الذرية الأمريكية منذ عام 1932 بفضل جواسيسه فوق الأرض الأمريكية.الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ونهاية الحرب الباردة:في عام 1985 وبعد رحيل ثلاثة زعماء تولوا القيادة السوفيتية خلال الفترة من عام 1964 إلى 1985 _بريجنيف 1964-1982،وأندربوف 1982-1984 ،وشيرنينكو1984-1985_جاء زعيم شاب 54 عاما حينئذ هو ميخائيل جورباتشوف ليتولى زعامة الحزب وقد كان اختيار السريع من جانب زملائه في المكتب السياسي ،ولم يكن أكبرهم سنا ولا مكانة في سلم القيادة ،يعكس تفهما واقتناعا من جانبهم إن الاتحاد السوفيتي يواجه تحديات جديدة تتطلب رجلا ذا رؤية وإرادة مختلفة.أستخلص جورباتشوف من إن السياسات الخارجية التي أتبعها الاتحاد السوفيتي في تحدي الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عسكريا ،وتأكيد ذاته في المناطق الإقليمية وتوسيع ارتباطاته فيها قد أتى برد فعل عكسي على المصالح السوفيتية الحقيقية ،فعلى المستوى العسكري أدى نشر الصواريخ السوفيتية ss-20 في أوربا إلى قرار الناتو عام 1979 بنشر الصواريخ الأمريكية برشينج وكروز ،ما أدى إلى زيادة القوى العسكرية الأمريكية الأمر الذي تبلور في برنامجها الدفاع الإستراتيجي s d i والذي مثل تصعيدا خطيرا لسباق التسلح ،وتحديا جديدا له في هذا السباق إذا ما صمم على مواجهته ،كما فعل في تحديات سابقة،فأن هذا يعني استنزافا جديدا لطاقته وموارده الاقتصادية لم يعد يتحمله،وعلى المستوى الدبلوماسي فشلت الحملة الدبلوماسية والسياسية التي شنها الاتحاد السوفيتي وحاول بها مخاطبة واستنفار المجتمعات الأوربية لمنع نشر الصواريخ الأمريكية ونفذ هذا القرار في سنة 1983.وقد كان الإطار العام ،الذي أعاد فيه جورباتشوف صياغة مفاهيم السياسة الخارجية والأمن السوفيتي ،هو إن برامجه في إعادة البناء في الاتحاد السوفيتي لا يمكن أن تتم بشكل سليم ومستقرا إلا في بيئة دولية وإقليمية سليمة ،تخلو من مجابهات وتوترات الحرب الباردة وشكوكها وانعدام الثقة بين القوى الدولية الرئيسية ويفرض قيودا على إمكانيات التعاون الدولي في العالم رأى جورباتشوف إن الاقتصاد العالمي فيه أصبح كيانا واحدا لا تستطيع دولة خارجة عنه أن تتطور تطورا طبيعيا بغض النظر عن النظام الاجتماعي الذي تنتمي إليه ،وأهم من هذا إن جورباتشوف أكد إن برامجه في إعادة البناء لا يمكن أن تتم إلا في بيئة تخلو من سباق التسلح بأعبائه الباهظة ،وكذالك من التوترات والصراعات الإقليمية التي أثبتت إنها تسمم علاقات الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتفرض الوقت نفسه أعباء لم يعد في قدرة الاتحاد السوفيتي المادية تحملها,أما في الجانب الأخر ونقصد الولايات المتحدة الأمريكية فأن ظروف أدت إلى نجاح مرشح الرئاسة الجمهورية رونالد ريجان (1980-1984)الولاية الأولى ،(1984-1988)الولاية الثانية للفوز بالرئاسة ونذكر منها :*سقوط شاه إيران،وتداعيات سقوطه*قضية الرهائن وفشل محاولة إنقاذهم وتعرض الهيبة الأمريكية إلى الاهتزاز*ارتفاع نسبة التضخم وأسعار الفائدة ،وإدارة ريجان حاولت إعادة ترتيب الأولويات وعلى المستوى العسكري فقد رأى أنصار مدرسة ريجان إن المواجهة العسكرية والإصرار على البناء العسكري ،وخاصة برنامج الدفاع الإستراتيجي كان مقدمة ضرورية لما تلا ذلك من سلام ووفاق ،فعندهم (أنصار مدرسة ريجان)إن الاتحاد السوفيتي وقادته لم يحترموا إلا القوة ،وإن إعادة تسليح أمريكا كان ضرورة لإقناعهم إن الغرب لم يكن في مرحلة تدهور أو ضعف ،وأنه ما زال مستعدا لبذل التضحيات المطلوبة لضمان الصمود ضد أي ضغط أو تهديد سوفيتي.وتلخص مدرسة ريجان رأيها في تأثير البناء العسكري الأمريكي لا سيما مبادرة الدفاع الإستراتيجي على التطورات السوفيتية بالقول بأنه قد وضع الاتحاد السوفيتي وقادته أمام مأزق ،وخيارين كلاهما صعب أما مجاراة البناء العسكري إلى حد الإفلاس ،أو عدم مجاراته،وبذلك يكون الاتحاد السوفيتي قد فقد إدعاءه الوحيد الذي يجعل منه قوة أعظم وهي القوة العسكرية .باختصار إن نهاية الحرب الباردة لم تأتي نتيجة لسياسات ريجان أو لسياسات جورباتشوف فحسب وإنما نتيجة لأسباب عديدة فالتحولات السياسية والتاريخية الكبرى ،عموما من الصعب أن تحدثها قوة واحدة حتى لو كانت قوة عظمى وإنما هي مرحلة تفاعل عدد من العوامل والتطورات التي تحدث عادة على جانب الصراع وإن كانت بنسب متفاوتة مهما كانت أسباب انتهاء الحرب الباردة بسبب فشل النظام السوفيتي ذاته أو بسبب القوى الخارجية أو بسبب جملة عوامل متداخلة كما نراها فأنها قد انتهت ولكن تبعاتها لم تنتهي بعد وأشعر إن العالم قد تتمخض عاجلا أم أجلا عن نظام دولي جديد ،فأمريكا كقطب وكما نفسر ونحلل ونقرأ وكما يصرح ساسة أمريكا بأن إدارة العالم أصبح صعبا على أمريكا لوحده كقطب كما إن أوربا لوحدها لا تقدر إدارته ويبدوا إن الولايات المتحدة الأمريكية قد حقق نصرا أجوف في الحرب الباردة لأنها شاء ت أم أبت عليها أن تذوق مع حلاوة تزعم العالم مرارته فالمشاكل في العالم أصبحت أعظم وتشعبت وتراكمت سلبيات الحلول القسرية والمشاكل الاقتصادية تعاظمت والجبهات تعددت وأساليب الأمس تبدوا لا تنفع اليوم كما إن الحلول العسكرية مثل دواء لا تنفع مع (أمراض العصر)السياسية وغيرها