الأحد، 20 مارس 2011

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الأخير

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27

4 ) في الثورة البورجوازية:
إذا أخذنا مصطلح "الثورة" بمعناه الدقيق، أي تدمير علاقات الإنتاج السابقة وكل أجهزة الدولة التي تحافظ عليها. كذلك تدمير الطبقة السائدة فيزيائيا، أو من خلال تجريدها من وسائل الإنتاج، وإقامة علاقات إنتاج جديدة وأجهزة سيطرة طبقية جديدة وبالتالي حمل طبقة جديدة لموقع السيطرة. إذا أخذنا "الثورة" على هذا المحمل، فإن البورجوازية كطبقة لم ولن تقوم بمثل هذه الثورة، وبالتالي فإن الثورة البورجوازية، بهذا المعنى، ليست سوى أسطورة من أساطير الإشتراكية الديمقراطية (والبورجوازية نفسها). أما إذا أخذنا مصطلح "الثورة" بمعنى التغيير على المستوى السياسي للفصيل الطبقي (من داخل الطبقة السائدة) الذي يمسك بدفة القيادة الطبقية، فإن الثورة، بهذا المعنى، مسألة حيوية لرأس المال، يقوم من خلالها بتجديد نفسه، بعمليات الإصلاح والإصلاح الذاتي، بمواجهة أزماته، وخاصة بقطع الطريق أمام خطر الإنفلات الثوري للبروليتاريا.
في علاقة بالطبقة الإقطاعية القديمة (النبلاء، الأسياد، الإقطاعيين..) والفصيل الطبقي الحاكم (إمبراطورية، قيصرية..) فإن البورجوازية، وبعد تحولها الى طبقة مسيطرة إقتصاديا من خلال نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يتعملق بسرعة داخل إطار علاقات الإنتاج الماقبل رأسمالية وضدها، فإنها (البورجوازية) كانت تميل في الغالب الى عقد صفقات سياسية لتجنب المواجهة العنيفة، وفي أكثر الأحيان عادة ما يتحول الملاك العقاريون، وأبناء الإقطاعيين وغيرهم من ممثلي الطبقة السائدة السابقة الى بورجوازية هم أنفسهم. ويكون ذلك في غياب حركة البروليتاريا وخوفا منها. أما عندما يندلع الصراع الطبقي بنهوض الطبقات المسحوقة (البروليتاريا، فلاحين فقراء، بورجوازية صغيرة...) وتصل هذه الحركة الى حدود تهديد النظام الإجتماعي برمته، فإن البورجوازية سريعا ما تفرز جناحها الراديكالي الذي يقفز الى مقدمة هذه الحركة وينتزع قيادتها (طبعا هذا الإنتزاع مرتبط بضعف البروليتاريا نفسها). وعادة ما يقف ذلك الفصيل البورجوازي في منتصف الطريق، كتعبير عن عجز البروليتاريا عن التقدم، وفي اللحظة التي يجد فيها أنه قد إستوعب هذه الحركة لصالحه، فإنه سريعا ما يغرق البروليتاريا في الدم، في المقابل فإنه عادة ما يعقد صفقات مع النظام القديم. من هنا يتضح أن البورجوازية، وعلى عكس الرؤية التمجيدية للإشتراكية الديمقراطية، ليست ثورية في مرحلة ورجعية في أخرى، إنما هي وحدة تناقضية بين الثورية والمحافظة، بين التقدمية والرجعية ( هذا إذا نزعنا عن هذه المصطلحات الطابع الأخلاقوي/الإنسانوي المبتذل).
لأن البورجوازية، ككل الطبقات السائدة السابقة، تقوم بثورتها من أجل تأمين مصالح لا تخص سواها من الطبقات، بل إنها ذات مصلحة مناقضة لبقية مصالح الطبقات التي تشاركها الثورة، فإنها في الواقع لا تقوم بثورة، وما يمكن تسميته بثورة بورجوازية هو تحول مجزوء ومشوه، عادة ما تنهيه البورجوازية بمجزرة ضد الجمهور الذي كانت قد دفعته كوقود لثورتها.
البورجوازية (بالرغم من الشعارات الفضفاضة حول الأخوة والمساواة والعدالة) لا تقوم بالثورة ضد الإستغلال، لأنها منذ توجد فهي طبقة مستغلة، ولا ضد مالكي وسائل الإنتاج، لأنها تملك وسائل الإنتاج، ولا ضد البؤس، لأنها تملك الثروة. إنها، وحتى داخل المجتمع الإقطاعي، طبقة مستغلة وثرية، كل ذلك لا يؤهلها أن تكون طبقة ثورية إلا في حدود ضيقة وفي ظروف تاريخية خاصة.
في الواقع وإذا ما أخذنا مصطلح "الثورة" لا بمفهومه المتداول المبتذل، بل بمفهومه الدقيق، أي رفض كلية النظام السائد وتحطيم كل أجهزة دولته وإنهاء كل إمتياز مهما كان، فإن الطبقة الإجتماعية الوحيدة التي يمكن أن نطلق عليها صفة الثورية إنما هي البروليتاريا.
إذا فإن كل الأسطورة التي تقوم عليها الإشتراكية الديمقراطية (الثورة البورجوازية الصافية المكتملة) سواء جعلتها مهمة البورجوازية نفسها، أو وهبتها لتحالف طبقي، أو كأحد ملاحق الثورة الإشتراكية، ليست سوى تزيين لتلك الثورة المشوهة والمبتورة. وهذا يتلاءم مع دورها التاريخي المتمثل في بتر الثورات البروليتارية وتشويهها وتحويلها من هدم الطبقية والطبقات الى إنتاج إمتيازات جديدة وإعادة إنتاج الإستغلال الأكثر شراسة بإسم العمال والعمالية.
5 ) في الثورة الإشتراكية:
الإشتراكية الديمقراطية (والبورجوازية نفسها) تعتقد أنه يكفي أن تملك رأس المال بين أيديها، فإنها ستصبح قادرة على توجيهه كيفما شاءت، وتصل الى حد التوهم بإمكانية صياغة مخططات إستراتيجية للإنتاج، والحديث عن تنظيم التوزيع، وعن قدرتها على إلغاء كل فضاعات الرأسمالية فقط بإمتلاكها للدولة، وإمتلاك الدولة لوسائل الإنتاج ومركزة كل النشاط الإقتصادي في يد حكومة مركزية أو لجنة مركزية للحزب (من المستحسن أن يكون إسمه شيوعي). لذلك فإن الثورة الإشتراكية يمكن تلخيصها في إستيلاء الحزب العمالي على الدولة (هناك من يقول أن هذا الإستيلاء يكون غبر الإنتخابات، وهناك من يقول بالتغيير الثوري العنيف) ولأن هذا الحزب العمالي ذو مذهب ماركسي، فإنه سيطبق النموذج الإشتراكي في توزيع الثروات وسيلغي الإستغلال ويصدر كل الأوامر والقرارات التي تقضي على الظلم وتقيم جنة الله على الأرض.
إذا فإن كل الشرور تكمن في ذلك الحزب البورجوازي (اليميني) الممسك بالسلطة، وأنه يكفي أن نسقط هذا ويصعد ذاك حتى تنتهي كل آلام الطبقة العاملة ومآسيها بتطبيق "النموذج الإقتصادي الشيوعي" الذي صاغه أباطرة الماركسية من مبدعي الإشتراكية العلمية التي لا يرقى ليقينها شك ولا إختلاف.
هذا هو لب التفكير الذي كان يقود الإشتراكية الديمقراطية الروسية في1917 حيث، وبينما كانوا يعلنون سيطرتهم أخيرا على قوى الإنتاج وتوجيه رأس المال بإتجاه الإشتراكية، كان رأس المال، مثل مخرج مسرحية متخفي وراء ستار الأحداث الدامية، يقهقه ملئ شدقيه، ويحول هؤلاء الشيوعيين الى أعوان له، الى مجددين لدمائه، لحماة لعرينه من الهبة الجهنمية للبروليتاريا.
إذا وإجابة على سؤال: هل أن "الثورة الروسية" كانت ثورة إشتراكية؟ فإننا، وإذا ما تناولنا السؤال بطريقة: هل أنجزت البروليتاريا في هذه الثورة ديكتاتوريتها، وهل بنت الإشتراكية؟ فإن الإجابة بكل وضوح: لا، لقد فشلت البروليتاريا في أجرئ تجربة تاريخية بعد كومونة باريس في إنجاز مهمتها التاريخية في التخلص من النظام الرأسمالي، وفي إقامة ديكتاتوريتها،وذلك يرجع لعديد الأسباب لعل من أهمها عدم قدرة طليعة البروليتاريا على إحداث قطيعة جذرية فعلية مع الإشتراكية الديمقراطية، أي عدم قدرة البروليتاريا على تحطيم آخر قلاع النظام الرأسمالي وتصفية آخر حماته. أما إذا طرحنا السؤال بطريقة: هل أن الموجة الثورية 1917- 1923كانت إنتفاضة بروليتارية ذات طابع عالمي؟ فالإجابة هي ولا شك: نعم، لقد شكلت هذه الموجة أهم محاولة لإقامة ديكتاتورية البروليتاريا. وإذا كان الدرس التاريخي لكومونة باريس هو مثلما يقول إنجلس "ضرورة تدمير الدولة البورجوازية وعدم الإكتفاء بالإستيلاء عليها" فإن الدرس التاريخي للموجة الثورية 1917_ 1923يتمثل في أن التدمير الفعلي للدولة البورجوازية هو في القضاء على العمل المأجور، أي النفي الذاتي للبروليتاريا وبالتالي نفي الطبقية والطبقات وبناء المجتمع الشيوعي. كل خطوة في غير إتجاه تدمير التبادل والمنافسة الرأسمالية، كل خطوة في غير إتجاه إرساء ديكتاتورية الحاجات الإنسانية على ديكتاتورية القيمة والمردودية والربح، سوف لن تفعل سوى إعادة الدولة تحت مسميات جديدة وشعارات براقة، الدولة بثوب الإشتراكية الديمقراطية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق