الأحد، 20 مارس 2011

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الأول

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2443 - 2008 / 10 / 23

كل الأدب الإشتراكي الديمقراطي الرسمي (بما في ذلك المسمى شيوعي) يقيم معارضات تبدو عميقة وقطعية سواء بين البلاشفة والمناشفة، أو بين الإشتراكية الديمقراطية الروسية والإشتراكية الديمقراطية العالمية (بزعامة وقيادة الإشتراكية الديمقراطية الألمانية) وتقوم هذه المعارضات عادة على مقولة الخيانة والردة: خيانة الأممية الثانية، ردة كاوتسكي، خيانة المناشفة للثورة ....
لكن لو تفحصنا عن قرب، وبتمعن، بعيدا عن الأساطير المؤسسة لهذه الإستقطابات الإيديولوجية، لوجدنا:
- أن البرنامج العام للإشتراكية الديمقراطية (كحزب تاريخي للثورة المضادة) إنما كان ، ومنذ تاسيسه الأول في ما يسمى بالوحدة بين الجناح الماركسي والجناح اللاسالي، برنامجا إصلاحيا، والنقيض التاريخي للبرنامج الشيوعي الثوري ( 1 )
- أن ما يسمى بخيانة الأممية الثانية أو ردة كاوتسكي عند إندلاع الحرب الإمبريالية الأولى، لم تكن سوى تواصل وإمتداد طبيعي للبرنامج الإشتراكي الديمقراطي، أي برنامج البورجوازية الموجه للعمال.
- أنه وبغض النظر عن التذبذبات، ودرجات الوضوح في عملية الحسم، فإن ماركس وإنجلز (كممثلين للبرنامج الشيوعي الثوري) قد كانت قطيعتهما مع البرنامج الإشتراكي الديمقراطي جذرية وكلية، بحيث أن من يقرأ مثلا "نقد برنامج غوتا" أو بعض الرسائل الخاصة لكل من ماركس وإنجلز حول موضوع علاقتهما بالإشتراكية الديمقراطية، يستطيع أن يرى بوضوح عمق القطيعة بين هاذين الخطين.
نستطيع أن نرى بوضوح جانب الأسطرة والتضخيم في ما يعرف بالقطيعة "التاريخية" التي أنجزتها الإشتراكية الديمقراطية الروسية (مناشفة وبلاشفة) و"الإفلاس التاريخي" للأممية الثانية الذي عادة ما يتم إرجاعه لسنة 1914 من خلال رصد الموقف الإشتراكي الديمقراطية العام من طبيعة "الثورة الروسية" وموقف البلاشفة سواء قبل موضوعات نيسان أو بعدها.
1 ) حول طبيعة "الثورة الروسية":
قبل أن يصدر لينين موضوعات نيسان الشهيرة، كان هناك إتفاق عام داخل الأوساط الإشتراكية الديمقراطية على أن روسيا بلد متخلف، وأن العلاقات الرأسمالية (منظور لها من زاوية قطرية) لم تبلغ فيها درجة التطور والنضج الذي بلغته في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وأن نمط الإنتاج الرأسمالي يتعايش مع أنماط الإنتاج الماقبل رأسمالية. ولهذا الإعتبار فإن كل التيارات المختلفة داخل الإشتراكية الديمقراطية كانت تعتبر أن المهام الديمقراطية البورجوازية لم يتم إستكمالها وبالتالي فإن الثورة القادمة ذات طبيعة بورجوازية وأن دور البروليتاريا فيها هو مساندة (أحيانا تسمى مساندة نقدية) البورجوازية أو دفعها للقيام بإنجاز هذه المهام الديمقراطية التي تعتبر مرحلة تاريخية ضرورية، لا يمكن القفز فوقها، من أجل الوصول إلى الإشتراكية. وهذا ما يعني عمليا أن الإشتراكية الديمقراطي كانت تعتبر ضمنيا نفسها يسار الثورة البورجوازية المنتظرة.
الخلاف بين البلاشفة والمناشفة لم يكن حول هذه الطبيعة البورجوازية للثورة، بل كان حول دور البروليتاريا فيها. ففي حين كان المناشفة يعتبرون أن على البروليتاريا أن "تساعد" البورجوازية في قيامها بثورتها من خلال الدخول معها في ما يشبه الجبهة ضد القيصرية وعدم "إفزاع" هذه البورجوازية لكي لا ترتد عن الثورة وترتمي في أحضان القيصرية. فإن البلاشفة كانوا، في مرحلة أولى، يعتبرون أن دور البروليتاريا هو نوع من "صمام أمان" الثورة أو محركها الذي يحاصر البورجوازية ويفضح ترددها وجبنها ونزوعها نحو المساومة مع القيصرية، أي أن البروليتاريا تناضل من داخل "الثورة" (داخل المجلس التأسيسي، المشاركة ضمن الحكومة المؤقتة، داخل السوفياتات كمعارضة ....) من أجل دفع هذه الأخيرة الى أقصى أهدافها، أي إنجاز المهام الديمقراطية البورجوازية طبقا لنموذج الثورة الفرنسية وتحويل روسيا الى دولة متقدمة على شاكلة ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية (هاذان نموذجان للتطور الرأسمالي بالنسبة للينين). في مرحلة ثانية ومع صعود موجة الإحتجاجات العمالية ضد الحرب الإمبريالية، فقد إندفع البلاشفة الى اليسار أكثر (على يد لينين وبتأثيرات تروتسكي) لكن بالحفاظ على المقولة الجوهرية للإشتراكية الديمقراطية: ضرورة إنجاز المهام الديمقراطية البورجوازية كشرط ماقبلي للتحول الإشتراكي، فبعد مقولة إنجاز الثورة الديمقراطية من خلال تحالف البروليتاريا مع البورجوازية التقدمية والفلاحين، تحول البلاشفة الى مقولة إنجاز الثورة الديمقراطية من خلال تحالف البروليتاريا مع الفلاحين الفقراء (الديمقراطية الشعبية) بإعتبار وأن البورجوازية (بنظر البلاشفة) كشفت عن عجزها عن قيامها بمهامها التاريخية. أما في المرحلة الثالثة وتحت ضغط إنتفاضة فيفري والوضع السياسي الجديد الذي خلقته (ثنائية السلطة بين الحكومة المؤقتة وسوفياتات كل من بطرسبورغ وموسكو) فقد تحول البلاشفة ( 2) الى موقع أكثر راديكالية من خلال موضوعات نيسان التي إقترب فيها لينين من مواقف تروتسكي السابقة والإقرار بأن الثورة هي "ثورة إشتراكية" وأن هذه الثورة ستنجز المهام الديمقراطية في طريقها. ولقد تم إعتبار هذا الموقف قطيعة مع الإشتراكية الديمقراطية بما دفع لينين الى الدعوة لتغيير إسم الحزب من إشتراكي ديمقراطي الى شيوعي.
يتبين إذا، أنه بغض النظر عن الخلاف حول ما إذا كانت الثورة البورجوازية المنتظرة مهمة من مهمات البورجوازية كما يقول المناشفة والإشتراكية الديمقراطية الألمانية أو أنها مهمة تحالف طبقي واسع (بروليتاريا، فلاحين، بورجوازية تقدمية، بورجوازية صغيرة) كما كان يقول البلاشفة في مرحلة أولى، أو هي مهمة تحالف طبقي أضيق (بروليتاريا، فلاحين) تحت شعار الديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين، أو هي مهمة ملحقة بالثورة الإشتراكية، مثلما تقول موضوعات نيسان، فإن ما يجعل من جوهر الإشتراكية الديمقراطية واحد، ويكذب أسطورة القطيعة التاريخية التامة، هو هذه المهام الديمقراطية البورجوازية التي تلاحق كل الإشتراكية الديمقراطية كلعنة تتوارثها جيلا بعد جيل، حتى أننا، وفي هذا العالم حيث الرأسمالية (بمهامها الديمقراطية) لم تكتف بالكرة الأرضية كمجال لتدخلها بل شرعت في تصدير كارثتها الى الفضاء الخارجي والكواكب الأخرى، مازال هناك من الإشتراكيين الديمقراطيين من "يناضل" من أجل "مهام ديمقراطية بورجوازية" لا تريد أن تكتمل...
كل سر الإشتراكية الديمقراطية وبرنامجها الإصلاحي يكمن في مقولة "المهام الديمقراطية البورجوازية": فماهي هذه المهام الديمقراطية المزعومة؟ ما هو الفرق بين حقيقتها الفعلية وبين أسطرتها على يد الإشتراكية الديمقراطية؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في الجزء الثاني.
( 1) الأجيال المتعاقبة من البروليتاريين التي تربت على أسطورة القطيعة بين فرعي الإشتراكية الديمقراطية الروسية والألمانية، من الصعب أن تجد فيها اليوم من هو على إستعداد لتصديق تلك الحقيقة البسيطة والبديهية: ألا وهي أن برنامج الحزب الإشتراكي الروسي لا يمثل سوى نسخة (بمصطلحلت وتعابير جديدة) عن برنامج غوتا بالذات، أي البرنامج الأصلي للإشتراكية الديمقراطية
(2 ) إذا أردنا الدقة فإن التحول كان قد شمل قسما أقليا من البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق