الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

من وثائق الأممية الموقفية تصحيح بعض الاعتقادات الرائجة الخاطئة عن الثورة في البلدان النامية

مازن كم الماز mazen2190@maktoob.comالحوار المتمدن - العدد: 2467 - 2008 / 11 / 16 1 ينحصر الدور الثوري ذائع الصيت للبرجوازية في أنها أدخلت الاقتصاد في التاريخ بطريقة حاسمة لا يمكن عكسها . كسيد مؤمن بهذا الاقتصاد , كانت البرجوازية منذ ظهورها السيد الحقيقي ( رغم أن ذلك أحيانا كان يتم بشكل غير واع ) "للتاريخ العالمي" . للمرة الأولى توقف التاريخ العالمي عن أن يكون وهما ميتافيزيقيا ما أو عملا ما للروح الكونية و أصبح حقيقة مادية ملموسة مثل الوجود التافه لأي فرد . منذ نشوء الإنتاج السلعي لم يتمكن أي شيء من النجاة من هذا القدر الجديد العنيد , العقلنة الاقتصادية غير المرئية : منطق السلعة . و لأنها شمولية و إمبريالية في الجوهر , فإنها قد طالبت بكل الكوكب كمجال خاص لها و كل الإنسانية كخدم لها . حيثما توجد السلعة لا يوجد إلا العبيد .2في سبيل التماسك الاستبدادي للبرجوازية لإبقاء البشرية في مرحلة ما قبل الإنسانية , احتاجت الحركة الثورية – المنتج المباشر و غير المقصود للسيطرة البرجوازية الرأسمالية – لأكثر من قرن لوضع مشروع مضاد للتماسك التحرري الذي هو عمل كل فرد , التدخل الحر و الواعي في خلق التاريخ : الإلغاء الفعلي لكل الانقسامات الطبقية و إخضاع الاقتصاد .3في أي مكان نفذ إليه – الذي هو كل مكان تقريبا في العالم – لم يتوقف فيروس السلعة عن الإطاحة بأكثر البنى الاجتماعية - الاقتصادية تحجرا , ممكنا ملايين البشر من أن يكتشفوا , من خلال الفقر و العنف , الزمن التاريخي للاقتصاد . حيثما حل كان ينشر خاصيته المدمرة , مدمرا آثار الماضي و دافعا بكل التناقضات إلى أقصاها . بكلمة فإنه قد سرع بالثورة الاجتماعية . محطما كل أسوار الصين في سيره , و مقيما نفسه في الهند فقط عندما تفسخ كل شيء حولها و انفجرت الثورات الزراعية في بومباي و البنغال و مدراس . لقد انضم الحزام ما قبل الرأسمالي إلى الحداثة البرجوازية لكن من دون قاعدتها المادية . هناك أيضا , كما في حالة البروليتاريا , فإن القوى التي ساهمت البرجوازية بتحريرها , أو حتى خلقها , تستدير الآن ضد البرجوازية و خدامها الأصيلين : تصبح ثورة الدول المتخلفة واحدة من الفصول الرئيسية في التاريخ المعاصر .4إذا كانت مشكلة الثورة في البلدان النامية تفرض نفسها بطريقة خاصة فإن هذا بسبب تطور التاريخ ذاته : لأن التخلف الاقتصادي العام في هذه البلدان – الذي ترعاه الهيمنة الاستعمارية و الطبقات الاجتماعية التي تدعمها – و تخلف القوى المنتجة قد أعاق تطور البنى الاجتماعية – الاقتصادية التي كانت ستجعل النظرية الثورية التي جرى تفصيلها في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة قبل أكثر من قرن قابلة للتطبيق . و هي تدخل الصراع ليس لدى أي من هذه البلدان صناعة ثقيلة معتبرة و البروليتاريا بعيدة عن أن تكون طبقة الأغلبية . الفلاحون الفقراء هم من يلعبون دورها هنا .5حركات التحرير الوطني المختلفة التي ظهرت بعد هزيمة الحركة العمالية الناتجة من هزيمة الثورة الروسية , التي تحولت فورا بعد انتصارها إلى ثورة مضادة في خدمة البيروقراطية التي تزعم أنها شيوعية . لذلك فقد عانت – إما بشكل واعي أو عن طريق الوعي الزائف – من كل نواقص و نقاط ضعف الثورة المضادة تلك , مع العبء الإضافي لظروفها المتخلفة عموما , لم تكن قادرة على التغلب على أي من قيودها التي فرضت على الحركة الثورية المهزومة . و لهذا السبب بالتحديد كان على البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أن تحارب الإمبريالية بنفسها . لكن لأنهم حاربوا الإمبريالية فوق جزء فقط من المجالات الثورية فإنهم قد تمكنوا من طردها جزئيا فقط . إن الأنظمة الاستبدادية التي نصبت نفسها في كل مكان اعتقدت ثورات التحرر الوطني أنها قد انتصرت فيها هي فقط واحدة من المظاهر الكاذبة التي عاد من خلالها المستبدون .6لا يهم ما هي القوى التي شاركت فيها , و بغض النظر عن راديكالية قادتها فإن حركات التحرر الوطنية قادت دوما المجتمعات المستعمرة سابقا إلى أشكال حديثة من الدولة و إلى مزاعم التحديث في الاقتصاد . في الصين الرمز الأكبر لثوريي البلدان النامية , انتهى صراع الفلاحين ضد الإمبريالية الأمريكية , الأوروبية و اليابانية بسبب هزيمة حركة العمال الصينيين في 1925 – 1927 بإيصالها إلى السلطة بيروقراطية على النمط الروسي . ليست الدوغمائية الستالينية – اللينينية التي تموه بها هذه البيروقراطية إيديولوجيتها – و التي اختزلت مؤخرا في الكتاب الأحمر لماو – إلا كذبة , أو في أحسن الأحوال وعي زائف يرافق ممارساتها المضادة للثورة .7إن الفانونية ( نسبة لفرانز فانون أحد منظري الثورة الجزائرية ) و الكاسترو – غيفارية هي وعي زائف ينجز الفلاحون من خلالها المهمة الهائلة لتخليص المجتمع قبل الرأسمالي من بقاياه شبه الإقطاعية و الاستعمارية و يستحضرون مجدا وطنيا داسه من قبل الاستعماريون الرجعيون و الطبقات الحاكمة . أفكار بن بلا , الناصرية , التيتوية و الماوية جميعها إيديولوجيات تشير إلى نهاية هذه الحركات و الاستيلاء عليها من قبل البرجوازية الصغيرة أو الطبقة المدينية العسكرية : إعادة بناء المجتمع الاستغلالي مع سادة جدد و بالاستناد إلى بنى اجتماعية – اقتصادية جديدة . في كل مكان قاتل فيه الفلاحون بشكل مظفر وأوصلوا إلى السلطة طبقات اجتماعية أدارت و وجهت نضالها , كانت هي بالذات أول من يعاني من عنفها و من يدفع الثمن الباهظ لسيطرتها . البيروقراطية الحديثة , مثل سلفها ( في الصين مثلا ) أقامت سلطتها و رفاهيتها على الاستغلال المفرط للفلاحين : لا تغير الإيديولوجية أي شيء في هذا الموضوع . في الصين أو كوبا , مصر أو الجزائر , لعبت نفس الدور في كل مكان و أخذت على عاتقها ذات الوظائف .8في عملية التراكم الرأسمالي قامت البيروقراطية بإنجاز الغاية غير المنجزة فقط من قبل البرجوازية . ما احتاجت البرجوازية لقرون لتقوم به "من خلال الدم و الوحل" , أرادت البيروقراطية أن تحققه بشكل واعي و "عقلاني" في عدة عقود . لكن لا يمكن للبيروقراطية أن تراكم رأس المال دون أن تراكم الأكاذيب : ذلك الذي شكل الخطيئة الأصلية أو الأولى للثروة الرأسمالية يشار إليه بشكل شرير على أنه "التراكم الاشتراكي الأولي" . كل شيء تستخدمه البيروقراطية في البلدان النامية ليمثلها أو تتخيل أنه اشتراكي ليس إلا مركنتيلية جديدة منجزة . "الدولة البرجوازية من دون البرجوازية" ( لينين ) لا يمكنها أن تذهب أبعد من المهام التاريخية للبرجوازية , و قد بينت الدول الصناعية المتقدمة للبلدان الأقل تطورا الصورة التي سيأخذها تطورها القادم . ما أن وصلت إلى السلطة لم تجد البيروقراطية البلشفية شيئا أفضل لتقترحه للبروليتاريا الروسية الثورية من أن "تتبع دروس رأسمالية الدولة الألمانية" . كل ما يسمى بالسلطات "الاشتراكية" ليست إلا محاكاة متخلفة للبيروقراطية التي سيطرت على , وهزمت , الحركة الثورية في أوروبا . كل ما تستطيع البيروقراطية أن تفعله أو تجبر على فعله لن يؤدي سواء إلى تحرير الجماهير العاملة أو تحسين ظروفها الاجتماعية بشكل هام , لأن أهدافها لا تعتمد فقط على القوى المنتجة بل أيضا على الاستيلاء عليها من قبل المنتجين . في كل الأحوال ما لن تعجز البيروقراطية عن عمله هو خلق الظروف المادية لتحقيق كليهما . هل فعلت البرجوازية أقل من ذلك ؟9في الثورات الفلاحية – البيروقراطية فقط البيروقراطية تسعى بشكل واعي و واضح إلى السلطة . الاستيلاء على السلطة هي اللحظة التاريخية التي تضع فيها البيروقراطية يدها على الدولة و تعلن استقلالها في مواجهة الجماهير الثورية قبل أن تقضي على بقايا الاستعمار و تحقق الاستقلال الفعلي عن القوى الأجنبية . عند دخولها الدولة تقمع الطبقة الجديدة كل استقلالية للجماهير بالتظاهر بقمع استقلاليتها هي نفسها و تكريس نفسها لخدمة الجماهير . كمالك حصري لكل المجتمع تعلن نفسها الممثلة الوحيدة لمصالح المجتمع العليا . بفعلها هذا تكون الدولة البيروقراطية هي تحقق الدولة الهيغلية . بانفصالها عن قبول المجتمع و في نفس الوقت انقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة : فإن الوحدة المؤقتة للبيروقراطية و الفلاحين هي وهم خيالي فقط ينجزان من خلاله المهام التاريخية الهائلة للبرجوازية الغائبة . السلطة البيروقراطية التي تبنى على أنقاض المجتمع الاستعماري قبل الرأسمالي ليست إلغاء التناقضات الطبقية , إنها فقط تستبدل طبقات جديدة , ظروف جديدة للاضطهاد و أشكال جديدة للنضال مكان القديمة .10فقط الشعوب المتخلفة بالفعل هي التي ترى قيمة إيجابية في سلطة سادتها . يبقى الاستعجال للحاق بالرأسمالية أفضل الطرق نحو تعزيز التخلف . لا تنفصل قضية التطور الاقتصادي عن قضية من هو المالك الحقيقي للاقتصاد , السيد الفعلي لقوة العمل . كل شيء آخر ليس إلا ثرثرة متخصصين .11حتى الآن حاولت الثورات في البلدان النامية فقط أن تقلد البلشفية بطرق مختلفة . من الآن فصاعدا فإن القضية هي في تجاوزها من خلال سلطة السوفيتيات .مصطفى خياطي ( 1967 )ترجمة : مازن كم المازنقلا عن http://www.bopsecrets.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق