الخميس، 9 يونيو 2011

الاعتراضات على اللاسلطوية ( الأناركية ) لجورج باريت

مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

جورج باريت
اعتراضات على اللاسلطوية ( الأناركية )
1921
ترجمة مازن كم الماز
2
استخدم مجلس العموم و القانون من قبل الطبقة المسيطرة حاليا لتحقيق أغراضها , لماذا لا يمكن استخدامهما من قبلنا لنحقق أغراضنا نحن ؟

يقوم هذا السؤال على سوء فهم غير عادي . يبدو أنه يأخذ كبديهية أن الرأسمالية و الحركة العمالية تستخدمان نفس الأساليب ( أو الوسائل ) , لكن الرأسمالية تريد أن تجعل نظامها للاستغلال و الحكم كاملا , أما العامل فهو يريد انعتاقه و حريته , من الطبيعي أن نفس الوسائل لا يمكن أن تستخدم لهذين الغرضين ( المتناقضين ) . هذا يجيب دون شك على السؤال بشكل كافي . لكن طالما أن السؤال يتضمن اقتراحا خفيا بأن الحكومة هي عامل للإصلاح و التقدم و الثورة , فإن هذا يضع يده على النقطة التي يختلف فيها اللاسلطويون ( الأناركيون ) عن بقية الأحزاب السياسية . لذلك يستحق هذا الاقتراح أن يدرس عن قرب أبعد من هذا الجواب فقط .
لقد اعتقد أنه ما أن يصل السياسيون المتحمسون إلى السلطة حتى يكونوا من موقعهم في السلطة قادرين على يقولبوا المجتمع بسرعة حسب الشكل الذين يريدون . أصدر قوانين جيدة , كما يعتقدون , و ستحصل على مجتمع جيد . كم هذا سهل , أليس كذلك ؟ هكذا فإننا سنحصل على ثورة وفق الشروط التي وعدنا بها بلاتشفورد ( سياسي انكليزي – المترجم ) الرائع – "دون إراقة دماء , و دون أن نفقد يوما واحدا من العمل" . لكن يا للأسف ! إن الطريق المختصرة إلى العصر الذهبي هي وهم ( سراب ) . أولا , أن أي مجتمع يتشكل حسب القانون هذا غير صحيح . ثانيا لا يمكن للقانون أن يحدد شكل المجتمع , في الواقع العكس هو الصحيح . النقطة الثانية هي الأكثر أهمية . فأولئك الذين يفهمون القوى التي تدفع التقدم سيرون أن القانون يبقى متأخرا في الخلف , و لا يمكنه أبدا أن يبقى على نفس درجة التقدم التي يحققها البشر , إنه دائما يقاوم أي تقدم في الحقيقة , محاولا على الدوام أن يقوم بردة فعل رجعية , لكنه على المدى البعيد يستسلم و يسمح بحرية أكبر فأكبر . حتى أبطال الحكومة ( أكبر أنصارها ) يقرون بذلك عندما يريدون أن يحدثوا تغيرا كبيرا , عندها يلقون جانبا بظاهر القانون و يتحولون إلى الطرق الثورية . الطبقة الحاكمة الحالية , التي يفترض أن تكون دليلا حيا على أن الحكومة يمكنها فعل أي شيء , هم بحد ذاتهم , صريحون تماما في الاعتراف بأنه يمكنهم فعل القليل جدا فقط . إن كل من يدرس صعودهم إلى السلطة سيجد أنهم لكي يصلوا هناك قد قاموا بالتبشير نظريا ل , و أسسوا في الواقع , مبدأ مقاومة القانون . بالفعل من المثير للفضول حقيقة أنه مباشرة بعد الثورة أعلن أن الدعوة لمقاومة القانون هي عمل من أعمال الشغب , لكن اليوم من الشغب أن تتحدث دفاعا عنه .
لكي نوجز , نقول أنه إذا كان هناك أي منطق في السؤال , و هو لا يوجد , يمكن لنا أن نعيد صياغته هكذا : "حيث أن الطبقة المسيطرة الحالية غير قادرة على أن تحقق غاياتها باستخدام مجلس العموم و القانون , لماذا يجب أن نأمل بأن نحقق غاياتنا نحن من خلالهما ؟" .


4
من الضروري أن نتنظم لكي نعيش , أن نتنظم يعني الحكومة , لذلك فإن اللاسلطوية ( الأناركية ) مستحيلة ؟

صحيح أنه من الضروري أن نتنظم لكي نعيش , و بما أننا جميعا نرغب في أن نعيش فعلينا أن نتنظم بإرادة حرة , و لا توجد حاجة لإكراه الحكومة لكي نقوم بذلك . لا يعني التنظيم الحكومة . إننا نقوم أثناء عملنا اليومي العادي بتنظيم أنفسنا من دون حكومة . إذا أراد اثنان منا أن ينقلوا طاولة من أحد جهات الغرفة إلى جهة أخرى , فإن كلا منا و بشكل طبيعي سيمسك أحد طرفي الطاولة و لا نحتاج إلى حكومة لتقول لنا أنه يجب علينا أن نحافظ على توازن الطاولة بأن لا نذهب نحن الاثنان إلى أحد طرفيها , و السبب الذي يجعلنا نتفق بصمت على هذا و أننا ننظم أنفسنا في مواقعنا الصحيحة هو أنه لدى كلينا هدف ( غرض ) مشترك : فنحن الاثنان نريد أن نحرك الطاولة . حتى في منظمات ( تنظيمات ) أكثر تعقيدا يحدث نفس الشيء أيضا . طالما قامت هذه المنظمات ( التنظيمات ) على هدف مشترك فإنها ستقوم بعملها بشكل أوتوماتيكي بكل سهولة و يسر . لكن عندما بسبب تضارب المصالح نجمع أشخاصا ( ذوي مصالح متناقضة ) في منظمة ( تنظيم ) واحد , فإن النزاعات الداخلية ستظهر , و تصبح قوة ما خارجية ضرورية للحفاظ على النظام , سيصبح لدينا في الواقع مجتمعا حكوميا ( محكوما من قبل الحكومة ) . إن هدف اللاسلطويين ( الأناركيين ) هو تنظيم المجتمع بحيث يزول أي تضارب في المصالح , و سيتعاون البشر و يعملون سوية ببساطة لأن لديهم مصالح مشتركة .
في مجتمع كهذا ستكون التنظيمات أو المؤسسات التي سيشكلونها متوافقة تماما مع حاجاتهم , في الواقع سيكون هذا مجتمعا تمثيليا ( لا حكوميا ) .

5
كيف ستنظمون المرور ؟

إننا لن نفعل . سيترك تنظيمه لأولئك الذين يتعلق عملهم بهذه المسألة . سيقوم أولئك الذين يستخدمون الطرق ( و بالتالي لهم مصلحة مشتركة في تنظيمها ) بالجلوس معا و مناقشتها و الاتفاق على الترتيبات كقواعد السير في الطرق . هذه القواعد التي توجد اليوم في الواقع قد أسستها الأعراف ( أو العادة ) و ليس القانون , رغم أن القانون قد يأخذ على عاتقه أحيانا أن يفرضها .
هذا السؤال نرى إجابته بشكل عملي جدا كل يوم في نوادي السيارات الكبيرة , التي يدخلها الناس طوعا , و التي تدرس مصالح هذا القسم من المرور . في منعطفات خطرة أو مزدحمة مثلا يوضع حارس يدل بإشارة من يده عما إذا الطريق خال أم لا , أو إذا كان من الضروري أن تبطئ السرعة . توضع صناديق الإسعاف الأولي و محلات التصليح على طول الطريق , و تتخذ الترتيبات لكي تبلغ السائقين عن السيارات المعطلة .
قسم آخر مختلف جدا من مستخدمي الطرق و هم متعهدو النقل وجدوا أجوبة عملية على هذه المسألة . هناك حتى اليوم كل أنواع التفاهمات و الاتفاقات بين هؤلاء الرجال على من سيسير أولا , و عن المكان الذي يجب أن يأخذوه في الحدائق و الأبنية حيث يعملون . توجد بين سواقي الأجرة و سواقي التاكسي نفس هذه الاتفاقات المكتوبة و غير المكتوبة , التي يحافظ عليها بصرامة عن طريق التفاهمات الحرة كما لو أن ذلك يجري بواسطة عقوبات القانون .
افترض الآن أن تأثير الحكومة سيختفي على سائقينا . هل يصدق أي شخص أن النتيجة ستكون الفوضى ؟ أليس الأكثر احتمالا هو أن الاتفاقات الحرة التي توجد اليوم ستمتد لتغطي كل المجال الضروري ؟ و أن تلك المهام القليلة المفيدة التي تقوم بها الحكومة في هذا الشأن : ألن تنفذ بطريقة أكثر فعالية بواسطة التنظيم الحر بين السائقين أنفسهم ؟
لقد أجيب عن هذه المسألة بشكل أكبر من قبل كروبوتكين في كتابه "الاستيلاء على الخبز" . أظهر كروبوتكين فيه كيف أن المرور في قنوات هولندا المائية ( الحيوية جدا لحياة الشعب ) يخضع لسيطرة الاتفاقات الحرة , لضمان إشباع كامل لكل المهتمين بالأمر . تتعاون السكك الحديدية في أوربا كما أشار أيضا مع بعضها البعض و بالتالي تندمج في منظومة واحدة , ليس بواسطة نظام الإدارة المركزية , بل بالاتفاقات الحرة و الاتفاقات المعاكسة بين شركات مختلفة .
إذا أمكن للاتفاقات الحرة بأن تفعل الكثير الآن , حتى في ظل نظام المنافسة و الحكومة , فكم ستفعل ( ستحقق ) أكثر بكثير عندما تختفي المنافسة و عندما نثق بتنظيمنا نحن بدلا من تنظيم حكومة أبوية .



7
إذا ألغيتم المنافسة فأنتم تلغون الحافز للعمل .

أحد أكثر الأشياء غرابة عن مجتمع اليوم هو أنه بينما نظهر قدرة رائعة في إنتاج ثروة و رفاهية وفيرة , فإننا نعجز عن أن ننتج أبسط الضروريات . سيتفق كل شخص , أيا كان رأيه السياسي أو الديني أو الاجتماعي مع هذا . إنه أكثر وضوحا من أن يجري إنكاره . من جهة هناك مثلا أطفال دون أحذية , و من جهة أخرى هناك صانعو أحذية يصرخون لأنهم لا يستطيعون أن يبيعوا بضائعهم . من جهة هناك بشر يجوعون أو يعيشون على طعام غير مفيد ( غير مغذي ) و من جهة أخرى يشكو تجار المفرق من كساد تجارتهم . هناك رجال و نساء ليس لديهم مأوى ( مشردون ) ينامون على الأرصفة و يتسكعون ليلا في مدننا الكبيرة , و هناك أيضا مالكو عقارات يشتكون من أنه لا يأتي أحد ليسكن في بيوتهم . في كل هذه الحالات يترك هذا الإنتاج دون استخدام بسبب عدم وجود طلب . أليست هذه حالة لا يمكن احتمالها ؟ ما الذي يمكننا أن نقوله الآن عن الحافز للعمل ؟ أليس من الواضح أن الحافز الحالي خاطئ و مؤذي لدرجة الجوع و الخراب . الشيء الذي يحفزنا لكي ننتج الحرير و الألماس و المدرعات ( السفن المدرعة ) البحرية و دمى الكلاب , بينما نحتاج إلى الخبز و الأحذية و البيوت , هو خاطئ بشكل مطلق و تماما .
يجري الصراع اليوم على التنافس في سبيل أكبر ربح . إذا كان هناك ربح أكبر في تلبية نزوة عابرة لسيدة ما منه في إطعام الأطفال الجائعين , عندها ستدفعنا المنافسة في تسابق محموم لكي نحاول إشباع الأولى و بينما يمكن للجعمية الخيرية أو لقانون الفقراء أن يطعم الأخيرين , أو قد يتركون دون طعام , لأننا نشعر أنهم يمكن التخلص منهم دون مشاكل . هكذا تسير الأمور . و هذا هو السبب : فالمنتج و المستهلك عنصران ضروريان , تتدفق الثروة باستمرار من طرف لآخر , لكن يقف بينهما صانع الأرباح و نظامه التنافسي , و هو قادر على أن يحرف هذا التدفق إلى الوجهة الأفضل التي تناسبه . أبعده جانبا و سيصبح المنتج و المستهلك على علاقة مباشرة بينهما . عندما يذهب صانع ( جاني ) الأرباح هذا مع نظامه سيبقى هناك الحافز المفيد حقا للعمل , الذي هو حاجات الناس . إن الحاجة للأشياء الضرورية المشتركة و لأكبر رفاهية للحياة لن تكون فقط أساسية كما هي اليوم , لكنها ستكون القوة المحفزة مباشرة وراء كل من الإنتاج و التوزيع . من الواضح , كما أظن , أن هذا هو المثل الأعلى الذي يجب السعي وراءه , لأنه الوحيد في هذه الظروف حيث سيمارس الإنتاج و التوزيع لسبب شرعي – أي لإشباع حاجات البشر و و ليس لأي سبب آخر .

8
الاشتراكية أو الاشتراكية الديمقراطية يجب أن تأتي أولا , عندها قد نحصل على الأناركية , إذن اعملوا أولا لصالح الاشتراكية الديمقراطية

هذا الكلام غالبا ما يتكرر دون أن يكون وراءه أي حجج أو معنى . عمل الاشتراكي المعاصر , أو الاشتراكيون الديمقراطيون على الأقل , دائما نحو المركزة , نحو تنظيم كامل و متكامل و تحكم ( سيطرة ) أولئك الذين في السلطة على الشعب . أما اللاسلطوي ( الأناركي ) فإنه من جهة أخرى يؤمن بإلغاء السلطة المركزية و يتوقع أن يظهر المجتمع الحر إلى الوجود من الأسفل , بدءا بتلك المنظمات و الاتفاقات الحرة بين الناس أنفسهم . من الصعب لذلك أن نرى كيف يمكن من خلال خلق سلطة مركزية تسيطر على كل شيء , يمكننا أن نقترب خطوة من إلغاء تلك السلطة .

10
نحن جميعنا نعتمد على بعضنا البعض , و لا يمكننا أن نعيش حياة معزولة في مجتمع حر . لذلك فإن الحرية المطلقة مستحيلة .

لقد قيل ما يكفي من قبل ليظهر أننا لا نعتقد أنه يجب على البشر أن يعيشوا في عزلة في مجتمع حر . لنحصل على المعنى الحقيقي لحياتنا , علينا أن نتعاون , و لكي نتعاون علينا أن نتفق مع بعضنا البعض . لكن افتراض ان هذه الاتفاقات بيننا تعني تقييد الحرية هو بالتأكيد سخف , على العكس , إنها ممارسة للحرية .
لو اردنا أن نخترع دوغما ( عقيدة جامدة ) من فكرة أننا عندما نتفق فيما بيننا فإن هذا سيضر بالحرية , عندها ستصبح الحرية طغيانا على الفور , لأنها ستمنع البشر من ممارسة المتع اليومية العادية . مثلا , لن يمكنني الذهاب إلى العمل مع صديقي لأن هذا ضد مبدأ الحرية الذي يعني أنه علي أن أتفق معه على أن أكون في مكان معين لألتقي به . لا يمكنني في هذه الحالة في أسوأ الأحوال أن أوسع سلطتي ( قوتي ) أبعد مني أنا فقط , لأنني إن فعلت ذلك يجب أن أتعاون مع شخص آخر , و هذا التعاون يعني الاتفاق , و هذا ضد الحرية . سيرى على الفور أن هذا الاتفاق مجرد سخف . لكني لا أحدد حدود حريتي , بل أمارسها ببساطة , عندما أتفق مع صديقي على الذهاب للمشي سوية .
إذا قررت , من جهة أخرى , من معرفتي "المتفوقة" أنه من الجيد لصديقي أن يلعب الرياضة , و حاولت بالتالي أن أجبره على الذهاب معي للمشي , أكون عندها قد بدأت بتقييد الحرية فعلا . هذا هو الفرق بين الاتفاق الحر و بين الحكم ( الحكومة ) .

16
إذا تمكنتم من الإطاحة بالحكومة غدا و أن تقيموا اللاسلطوية ( الأناركية ) , فإن نفس النظام سيظهر عما قريب

هذا الاعتراض محق تماما , عدا أننا لا نقترح أن نطيح بالحكومة غدا . لو أنني ( أو نحن كمجموعة من اللاسلطويين ( الأناركيين ) توصلت لاستنتاج أنني سأكون محرر البشرية , و أني ساتمكن بوسائل ما من أن أطيح بالملك , و بمجلس اللوردات و مجلس العموم , و قوة الشرطة , أي بكلمة كل الأشخاص و المؤسسات التي تشكل الحكومة – لو أني كنت ناجحا في كل هذا و و توقعت أن أرى الناس يستمتعون بحريتهم نتيجة لذلك , عندها أكون أنا نفسي مخطئ جدا دون أي شك .
ستكون النتائج الرئيسية لعملي هذا أن اخلق امتعاضا هائلا من جانب غالبية البشر , و أن تعيد كل قوى الحكومة تنظيم نفسها من جديد .
من السهل جدا فهم السبب في أن هذا الأسلوب سيفشل . لأن قوة الحكومة تكمن ليس في نفسها بل في الناس أنفسهم . قد يكون الطاغية الكبير غبيا و ليس إنسانا أعلى ( سوبرمان ) . لكن قوته لا تكمن فيه هو نفسه , بل في اعتقاد الناس الذين يعتقدون أنه من الصحيح إطاعته . طالما وجد هذا الاعتقاد ( أو الخرافة ) فلا جدوى من قيام محرر ما بقطع رأس الطاغية , سيخلق الناس طاغية آخر , لأنهم اعتادوا على الاعتماد على شيء ما خارجهم .
لكن افترض أن الناس قد تطوروا و أصبحوا أقوياء في حبهم للحرية , و أصبحوا يعتمدون على أنفسهم , عندها سيقوم أكثرهم تمردا ( ثورة ) بالإطاحة بالطغيان , و مدعومين بالشعور العام لعصرهم لن يتم التراجع عن عملهم هذا . لن ينهض الطغيان أبدا من الموت . سيكون معلم بارز في تقدم الإنسانية قد جري تجاوزه و سيترك وراءها إلى الأبد .
لذلك عندما يوجه الثائر اللاسلطوي ( الأناركي ) ضربته للحكومات فإنه يفهم أنه ليس محررا ذا مهمة مقدسة لتحرير الإنسانية , لكنه جزء من هذه الإنسانية يناضل نحو الحرية .
لو أنه عندها جرت ثورة لاسلطوية ( أناركية ) جاهزة مسبقا بوسائل ما خارجية و فرضت على الناس , من الصحيح أنهم سيرفضونها و سيعيدون بناء المجتمع القديم . لكن لو أن الناس بالمقابل طوروا أفكارهم عن الحرية , و تخلصوا عندها بأنفسهم من آخر قلعة للطغيان – أي الحكومة – فستكون الثورة قد تحققت بالفعل بشكل دائم .

17
إذا ألغيتم الحكومة , ما الذي ستضعوه مكانها ؟

يبدو هذا الكلام للاسلطوي ( الأناركي ) تماما مثل سؤال المريض للطبيب , "إذا أخذت مني مرضي , ما الذي ستضعه مكانه" ؟ . إن اللاسلطوي ( الأناركي ) يرى أن الحكومة لا تلبي أي غرض مفيد . إن معظم ما تفعله مضر , و الباقي يمكن القيام به بشكل أفضل من دون تدخلها . إنها قائدة ( زعيمة ) صانعي الأرباح , و آخذي الإيجارات , و كل أولئك الذين يأخذون من المجتمع دون أن يعطوه أي شيء . عندما تلغى هذه الطبقة من قبل الناس الذين سينظمون أنفسهم بحيث أنهم سيديرون المعامل و يستخدمون الأرض لصالح مجتمعاتهم ( مجموعاتهم ) الحرة , أي لفائدتهم الخاصة , عندها يجب على الحكومة أن تختفي , بما أن الغرض من وجودها قد اختفى . الشيء الوحيد الذي سيوضع مكان الحكومة سيكون المنظمات ( التنظيمات ) الحرة للعمال . عندما سيلغى الاستبداد ( الطغيان ) ستبقى الحرية , تماما كما أنه عندما يستأصل المرض تبقى الصحة .

18
لا يمكن لنا جميعا أن نتفق و نفكر مثل بعضنا و لا أن نكون جميعا كاملين , لذلك فإن القوانين ضرورية , أو أنه ستكون هناك فوضى

لأنه لا يمكننا أن نتفق مع بعض جميعا , لهذا السبب , فإن اللاسلطوية ( الأناركية ) ضرورية . لو أننا كنا جميعا نفكر مثل بعضنا لما كان من المهم حتى لو كان لدينا قانون واحد مشترك على الأقل نخضع له جميعا . لكن كثيرون منا يفكرون على نحو مختلف , لذلك من السخف أن يفرض علينا أن نتصرف بنفس الطريقة من خلال أساليب ( وسائل ) الحكومة التي نملك ما يكفي من السخف لنسميها تمثيلية .
نقطة مهمة جدا تطرح هنا . فلأن اللاسلطويين ( الأناركيين ) يعترفون بالضرورة المطلقة للسماح لهذا الاختلاف بين البشر أصبحوا لاسلطويين ( أناركيين ) . الحقيقة أن أي تقدم قد ترافق بعملية الاختلاف , أو بزيادة الفروق بين الأجزاء . إذا أخذنا أكثر الكائنات ( العضويات ) بدائية نجد أنها ببساطة كرية صغيرة من البلاسما , أي من المادة الحية . إنها غير متمايزة تماما أي أن كل أجزائها متشابهة ( متماثلة ) . أما العضوية ( الكائن ) الذي يأتي فوقها في سلم التطور سنجد أنه قد طور نواة , و الآن يتألف الشيء الحي الصغير من جزئين مختلفين ( متمايزين ) تماما , من جسم الخلية و النواة . إذا أردنا ان نقارن عضويات ( كائنات ) مختلفة سنجد أن ذات الطبيعة الأكثر تعقيدا تتألف من مجموعات من هذه العضويات ( الكائنات ) الصغيرة جدا أو من الخلايا . في أكثر هذه المجموعات بدائية سنجد اختلافا صغيرا ( محدودا ) جدا بين خلية و أخرى . كلما صعدنا قليلا سنجد أن خلايا معينة في هذه المجموعات قد أخذت على عاتقها وظائف معينة , و لهذا الغرض رتبت نفسها بطريقة خاصة . هكذا و هكذا , عندما نصل إلى الحيوانات العليا سنجد هذه العملية و قد تطورت بعيدا بحيث أن بعض الخلايا تجتمع معا لتشكل جهاز التنفس , أي الرئتين , أخرى تصبح مسؤولة عن دوران الدم , أخرى تشكل النسيج العصبي , و هكذا , أي انه يمكننا القول أنها تشكل "أجهزة" مختلفة من الجسم . النقطة التي علينا ملاحظتها هي أنه كلما صعدنا للأعلى في المملكتين النباتية و الحيوانية كلما وجدنا اختلافا أكبر بين الوحدات الصغيرة أو الخلايا التي تؤلف الجسم أو العضوية ( الكائن ) . إذا طبقنا هذا على الجسد الاجتماعي أو العضوية ( الكائن ) الاجتماعية , سيكون من الواضح أنه كلما تطورت هذه العضوية ( هذا الكائن – الاجتماعي ) أكثر كلما أصبحت الوحدات ( أي البشر ) و الأجهزة ( أي المؤسسات و النوادي ) التي تشكلها أكثر اختلافا .

نقلا عن dwardmac.pitzer.edu/Anarchist_Archives/coldoffpresses.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق