أريكو مالاتيستا
نيسان – أيار 1925
ترجمة: جوزف أيوب
إنّ العلاقة بين الحركة العمالية والأحزاب التقدمية هي موضوع قديم وبالي. لكنه أمر موضعي أكثر من أي وقت مضى، وهكذا سيبقى. من ناحية أخرى، هناك جماعة من الناس تعاني من الاحتياجات العاجلة وهي مندفعة بتطلعاتها - في بعض الأحيان عاطفية ولكن دائما غامضة وغير محددة - لحياة أفضل، ومن ناحية أخرى هناك غيرهم من الأفراد والأحزاب الذين لديهم رأي محدد في المستقبل والوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، ولكن الذين خططوا وتأملوا قد فشلوا اكثر من أي وقت مضى في أن تظل اليوتوبيا بعيدة عن التناول ما لم يتمكنوا من كسب الجماهير. وهذا الموضوع هو الأكثر أهمية الآن، بعد كوارث الحرب وفترة ما بعد الحرب، والكل مستعد ولو عقليا فقط، لاستئناف النشاط الذي يجب أن يتبع عند سقوط الأنظمة الاستبدادية التي لا تزال تتبجح وتغضب [عبر أوروبا] ولكن هي بداية للقشعريرة. لهذا السبب سأحاول توضيح رأيي حول موقف الأناركيين للمنظمات العمالية.
اليوم، باعتقادي، لا يوجد احد، أو على الاقل لا أحد بيننا يستطيع ان ينكر فائدة وضرورة الحركة العمالية باعتبارها وسيلة مادية ووسيلة تقدمية أخلاقية، وباعتبارها أرضا خصبة للدعاية، وبوصفها قوة لا غنى عنها للتحول الاجتماعي الذي هو هدفنا. لم يعد هناك أي شخص لا يفهم ماذا تعني منظمة العمال، بالنسبة لنا نحن الأناركيون أكثر من أي شخص، ايماننا هو ان التنظيم الاجتماعي الجديد يجب أن لا يفرض من قبل الحكومة الجديدة بالقوة ولكن يجب أن ينجم عن التعاون الحر من قبل الجميع. علاوة على ذلك، الحركة العمالية هي الآن مؤسسة هامة وعالمية. لكي تعارضها عليك ان تصبح شريك الظالمين؛ وتجاهلها سيجعلنا بعيدين عن حياة الناس اليومية، وستديننا بالعجز الدائم. مع ذلك، في حين ان الجميع، أو تقريبا الجميع، متفقين حول فائدة وضرورة الفوضويون للقيام بدور نشط في الحركة العمالية وأنصارها ومروجيها ، كثيراً ما نختلف فيما بيننا على الشروط والوسائل والقيود من هذه المشاركة.
العديد من الرفاق في الحركة العمالية والحركة الأناركية يرغبون في أن تكونا نفس الحركة، حيث استطاعوا ذلك، في إسبانيا والأرجنتين، وحتى إلى حد ما في إيطاليا، فرنسا ، ألمانيا، وما إلى هناك – في محاولة لإضفاء برنامج الأناركية على منظمات العمال بشكل واضح. وقد عُرف هؤلاء الرفاق باسم “الأناركية السنديكالية”، وإذا اختلطوا مع آخرين الذين هم في الحقيقة ليسوا بأناركيين، اطلقوا على انفسهم السنديكالية الثورية. فإذا كان السؤال ماذا يرغب أحدهم في المستقبل؟ عندها يجب أن يكون هناك تفسير لمعنى ”نقابية”، إذاً، النقابية تعني شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الذي ينبغي أن يحل محل الرأسمالية وتنظيم الدولة، فإما هي نفسها الفوضى وبالتالي الكلمة التي لا تؤدي إلا إلى إرباك، أو هي شيء مختلف عن الفوضى وبالتالي لا يمكن أن تكون مقبولة من الأناركيين أنفسهم. في الواقع، هناك بعض الأفكار والمقترحات التي وضعها بعض النقابيين حول المستقبل، هذه الأفكار هي حقاً فوضوية. لكن هناك آخرين، تحت أسماء وأشكال أخرى انتجوا بنى سلطوية تشكل سببًا للعلل التي نحتج عليها الآن، والتي بالتالي ، ليس لها علاقة مع الاناركية. لكنها ليست سينديكالية كنظام اجتماعي اُعنى بالتعامل معه، لأنها ليست هي التي يمكن أن تحدد الإجراءات الحالية للإناركيين فيما يتعلق بالحركة العمالية.
انني اتعامل هنا مع الحركة العمالية في ظل النظام الرأسمالي والدولة، في حين اسم السينديكالية يشمل جميع المنظمات العمالية، وجميع النقابات المختلفة التي أنشئت لمقاومة الظلم وأرباب العمل في هدف تخفيف أو القضاء كليا على استغلال عمل الإنسان من قبل مالكي المواد الخام ووسائل الانتاج. الآن أنا أقول أن هذه المنظمات لا يمكن أن تكون فوضوية، وأنه لا يجدي نفعاً الادعاء بأنها كذلك، لأنها إذا كانت كذلك سوف تخفق في تحقيق غرضها ولن تخدم الأناركييون الذين يشاركون في هذا الغرض. يتعين على النقابة بالدفاع عن مصالح العمال يوماً بعد يوم وتحسين أوضاعهم بقدر الإمكان قبل أن يقوموا بالثورة والتي عليها أن تغير الأجراء إلى عمّال احرار، وارتباطهم الحر لإفادة الجميع.
من أجل نقابة تخدم أهدافها الخاصة، وفي الوقت نفسه من أجل العمل كوسيلة تعليم وأرضية للدعاية تهدف الى تغيير اجتماعي جذري، فإنّ هذا يحتاج إلى جمع جميع العاملين معا - أو على الأقل أولئك العمّال الذين يعملون لتحسين أوضاعهم والقادرين على القيام ببعض المقاومة لأرباب العمل. بما ان الجماهير قادرة بالفعل على صنع الثورة، هل يمكن أن ننتظر ربما جميع العمّال لكي يصبحوا اناركييون قبل دعوتهم إلى تنظيم أنفسهم، وقبل الاعتراف بهم في المنظمة، مما يعكس النظام الطبيعي للدعاية والتطور النفسي، وتشكيل منظمة مقاومة عندما لا يكون هناك أي حاجة؟ في مثل هذه الحالة فإن النقابة هي نسخة مكررة لهذا التجمع الأناركي، وسوف تكون عاجزة للحصول على تحسينات أو للقيام بثورة. أو أنها سترضي ذاتها بإعداد برنامج الأناركية مع اغفال دعم رسمي، وجمع الناس الذين يتبعون المنظّمون كالقطيع، عندئذ فقط – في أول مناسبة سيتخطوا العدو ويتم استدعائهم لطرح أنفسهم كأناركيين جدّيين؟
السينديكالية (وأقصد بها التنوع العملي وليس النوع النظري، حيث الكل يحيك الشكل الخاص به) هي اصلاحية السجية. كل ما يمكن أن يتوقع منها أن الإصلاحات التي تحارب من اجلها وتحققها هي ودية ومكتسبة عن طريق خدمة التعليم الثوري والدعاية وترك المجال مفتوحا لصنع مطالب أكبر من أي وقت مضى. أي اندماج أو خلط بين الأناركية والحركة الثورية والحركة النقابية آيلة للإنتهاء إما عن طريق جعل النقابة عاجزة فيما يتعلق بأهدافها المحددة أو عن تخفيف لهجة، وتزوير واطفاء الروح الأناركية. ويمكن للنقابة ان تتشكل مع برنامج اشتراكي ثوري أناركي، وهو في الواقع- من خلال برامج من هذا النوع- تنشأ برامج عمّالية مختلفة. وفي حين أنهم ضعفاء وعاجزين لكنهم اوفياء للقضية، وهذا يعني أنهم يبقوا مجموعات اعلامية قائمة بإدارة عدد قليل من الرجال المتحمسين والملتزمين، بدلا من منظمات على استعداد لاتخاذ إجراءات فعالة. لاحقاً، كلما نجحت في جذب الجماهير واكتساب القوة في المطالبة وفرض تحسينات، تصبح القضية الأصلية معادلة فارغة، التي لم يعد يهتم بها أحد. تتكيف التكتيكات مع احتياجات اللحظة، وهواة الأيام الأولى إما يتكيفوا مع أنفسهم أو يتنازلوا عن مناصبهم لرجال ”عمليّين” معنيين باليوم ، غير مكترثين بالغد.
هناك، بطبيعة الحال ، رفاق في المرتبة الأولى من الحركة النقابية، يبقون بصدق وبحماس أناركيين، كما أن هناك تجمعات عمالية مستوحاة من الأفكار الأناركية. لكن من السهل جداً العمل على النقد في البحث عن الآف الحالات التي في الممارسة اليومية، هؤلاء الرجال وهذه التجمعات تتعارض مع الأفكار الأناركية. الضرورة القاسية؟ أنا أتفق ان الأناركية المحض لا يمكن أن تكون حلّاً عمليّا حين يضطر الناس للتعامل مع الرؤساء ومع السلطة. لا يمكن للجماهير الشعبية ان تُترك لأدواتها عندما ترفض العمل، الطلب، اعطاء الأوامر، والقيادة. لكن لماذا نخلط بين الأناركية مع ما ليس أناركياً ونأخذ على أنفسنا، كأناركيين، مسؤولية مختلف المعاملات والاتفاقات التي يجب القيام بها على أساس أن الجماهير ليست أناركية، حتى لو أنهم ينتمون إلى منظمة التي تبنت برنامج الأناركية في دستورها؟ في رأيي، الأناركيون لا يريدوا أن تكون النقابات أناركية. يجب على الأناركيين العمل فيما بينهم لغايات أناركية، كأفراد، جماعات واتحادات مجموعات. بنفس الطريقة كما أن هناك، أو ينبغي أن تكون، مجموعات للدراسة والمناقشة، ومجموعات للدعاية المكتوبة أو المنطوقة في العلن، مجموعات متعاونة، مجموعات العمل داخل المصانع والورش والحقول والثكنات والمدارس وغيرها، لذلك ينبغي عليهم تشكيل مجموعات داخل المنظمات المختلفة لتشن الحرب الطبقية. من الطبيعي أن يكون المثل الأعلى للجميع هي الأنلركية ولجميع المنظمات العمل أناركياً. ولكن من الواضح أنه إذا كان الأمر كذلك، فلن تكون هناك حاجة لتنظيم النضال ضد أرباب العمل، وذلك لأن أرباب العمل لن تكون موجودة.
في الظروف الراهنة، نظرا لدرجة تطورالفئات الشعبية في الأوساط التي يعملون فيها، ينبغي على الجماعات الأناركية أن لا تطالب بأن تكون هذه المنظمات أناركية، ولكن في محاولة لجذبهم إلى أساليب أناركية قدر الإمكان. إذا كان بقاء المنظمة واحتياجاتها ورغباتها تجعل من الضروري حقاً تقديم تنازلات والدخول في مفاوضات مع السلطة وأرباب العمل، فليكن ذلك. ولكن لنجعلها مسؤولية الآخرين، وليس الأناركيين ، التي تتمثل مهمتهم في إشارة إلى عدم كفاية وهشاشة كل التحسينات التي يتم إجراؤها داخل المجتمع الرأسمالي والنضال لدفع باتجاه حلول أكثر تطرفاً من أي وقت مضى. ينبغي على الأناركيين داخل النقابات ان يسعوا جاهدين لضمان البقاء على علاقة مفتوحة مع جميع العاملين أيا كان رأيهم أو حزبهم على شرط وحيد أن يكون هناك تضامن في الكفاح ضد أرباب العمل. ينبغي أن تعارض روح “الشركاتية” وأية محاولة لاحتكار العمل أو المنظمة، أن يمنعوا الاتحادات من أن تصبح أدوات للسياسيين لتحقيق غايات سلطوية أو انتخابية أو غيرها، بل يجب الوعظ وممارسة العمل المباشر، وتحقيق اللامركزية والإستقلالية والمبادرة الحرة. ينبغي أن تسعى جاهدة لمساعدة الأعضاء على تعلم كيفية المشاركة بشكل مباشر في حياة المنظمة، والإستغناء عن قادة ومسؤولين دائمين. يجب عليهم، وبإختصار، ان يبقوا أناركييون، وأن يبقوا على اتصال وثيق مع الأناركيين وان يتذكروا أن تنظيم العمال ليس النهاية، بل مجرد واحدة من الوسائل، مهما كانت أهميته، لتمهيد الطريق لتحقيق الأناركية.
الخميس، 18 أغسطس 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق