أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3860 - 2012 / 9 / 24 - 21:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الشيوعية والديمقراطية- 3-
اليسار والشغيلةالحوار المتمدن-العدد: 3860 - 2012 / 9 / 24 - 21:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ولْنَعُد الآن إلى اليسار الماركسي ومحاولاته لإعادة الحياة إلى أساليبه البالية القديمة الشائخة لتوحيد الأعمال من جديد مع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.
إن وحدة اليسار مع محيطه السياسي، تنطلق دائمًا من وجهة نظر الدولة، فاليسار يحاول إنشاء وحدة تكون الشغيلة خارجة عنها. فمحاولة اليسار هي أن يعلق نفسه بشريحة برجوازية سائدة في المجتمع لتحقيق مصالحه الخاصة من خلالها.
وهكذا، فالهدف ليس سوى جعل حركة الشغيلة ذيلًا هزيلًا للديمقراطيين البرجوازيين لتحقيق مصالح حزبية خاصة، مثلما قام اليسار الشيوعي في السابق بدفع البرجوازية الوطنية إلى العرش السياسي بأمل تقسيم الغنيمة معها.
وما كانت النتيجة؟ بالطبع، هزيمة الشغيلة في نضالاتها واستسلامها أمام البرجوازية.
كما هو معلوم، لا تملك الشغيلة في الوقت الحاضر ما يكفي من التجارب في انتفاضاتها في الشرق، وإلا لم تقع الشغيلة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، في قوقع البرجوازيين، الديمقراطيين منهم أو الإسلاميين.
أما اليسار المتمرس في السياسة الجبهوية مع البرجوازية وحكوماتهم، فيحاول من جديد احتواء الحركة المعاصرة، لمصلحة سادات المجتمع. فكافة كتل اليسار الماركسي والشيوعي يغتنمون الفرصة لكي يعيدوا جملهم الفارغة من المعنى كليًا لطبقة الشغيلة، فهم كما كانوا، ينطلقون من مصلحة البرجوازية الديمقراطية لا من مصلحة الشغيلة المستقلة عن الديمقراطيين والوطنيين والإسلاميين. وهم بهذا المعنى جزء من الديمقراطيين البرجوازيين، بعيدون كل البعد عن أي إجراء في مصلحة البروليتاريين الشيوعيين.
إن دور اليسار في الوقت الحاضر هو نفس دورهم منذ الاربعينات، فكل اليسار الماركسي يحاربون بعضهم بعضًا بشدة، ولكن يستهدفون من نشاطاتهم إقتسام الغنيمة مع الكتل البرلمانية في الدولة البرجوازية، مثال: الحزب الشيوعي العراقي- سواء في البرلمان العراقي في بغداد أو البرلمان الكردي في كردستان العراق، فهم بوصفهم ممثلي النظام الجمهوري والمدنية البرجوازية ودولتها العلمانية، يريدون إعادة نفس ترتيب الجلوس المتبع من قبل اليسار واليمين في البرلمان البرجوازي منذ ثورة 1789 الفرنسية البرجوازية، فهم يمثلون يسار البرلمان، وفي يمينهم، فيجلس الإسلاميون. فاليسار بهذا المعنى، نسخة مشوهة للتيار الديمقراطي البرجوازي الذي يسمى الاشتراكية – الديمقراطية. وهم كما يقول ماركس:
"يسعون وراء اجراء تغيير في الاوضاع الاجتماعية من شأنه أن يجعل المجتمع القائم محتملاً ومريحًا أكثر ما يمكن بالنسبة لهم. ولهذا يطالبون في المقام الأول بتخفيض نفقات الدولة عن طريق الحد من البيروقراطية والقاء الضرائب الرئيسية على كواهل البرجوازيين وكبار ملاكي الأراضي. ويطالبون، ثانيًا، بازالة ضغط الرأسمال الكبير على الرأسمال الصغير، مع سعيهم وراء انشاء مؤسسات حكومية للتسليف، الأمر الذي من شأنه أن يوفر لهم وللفلاحين امكانية الحصول على القروض، لا من الرأسماليين، بل من الدولة، ثم انهم يسعون وراء قيام العلاقات البرجوازية للملكية في الريف عن طريق القضاء التام على الاقطاعية. ولتحقيق كل هذا فعلاً، ينبغي لهم بنية للدولة، - سواء كانت دستورية أم جمهورية،- من شأنها أن تؤمن الاغلبية لهم ولحلفائهم-الفلاحين ..
وبعد، من الضروري، برأيهم، معارضة سيادة الرأسمال ونموه، وذلك جزئيًا عن طريق الحد من حق الارث، وجزئيًا عن طريق نقل أكبر عدد ممكن من الأعمال إلى يد الدولة. أما العمال، فلا شك أولا في انه يجب عليهم كما من قبل أن يبقوا عمالاً مأجورين، ولكن البرجوازيين الصغار الديمقراطيين يريدون في هذه الحال أن يكون للعمال أجر أفضل وعيش أكثر يسرًا؛ وهم يأملون في بلوغ هذا الهدف، وذلك جزئيا بتوفير الاشغال من جانب الدولة، وجزئيا بتدابير البر والاحسان، -خلاصة القول انهم يأملون في رشوة العمال بصدقات مموهة إلى هذا الحد أو ذاك وفي تحطيم قوتهم الثورية بتحسين وضعهم موقتا" (ماركس، رسالة اللجنة المركزية إلى عصبة الشيوعيين).
إذن، ما خطر اليسار الماركسي والشيوعي أمام مستقبل حركة الشغيلة؟
لو رجعنا إلى الأربعينات، نرى أن اليسار -كافة الأحزاب الشيوعية في الشرق- في المراحل البدائية من النضال الطبقي بدأ بتدريب البروليتاريين على ممارسة التعاون مع البرجوازية الوطنية، وأصبح الناصر وقاسم والبارزاني والطالباني، قادات سياسية ذات ثقة رفيعة بين جماهير البروليتاريين، فبدأ الشيوعيون في العراق مثلا بنسج حكايات حول نزاهة عبد الكريم قاسم، فقد مات ولم يكن في جيبه فلس واحد! وبهذه الطريقة يحاول اليسار في الوقت الحاضر، إعادة الشغيلة إلى أرض الميعاد، فالهدف لا يزال هو تحقيق حكومة نزيهة، فمات الآلاف من الأبطال لأجل تحقيق هذا الوهم البرجوازي.
ولكن رغم كل محاولات اليسار اليائسة والبائسة، فالمصادمات الطبقية، تساعد بشتى الأشكال على تطور حركة البروليتاريا. فما دامت البرجوازية في حالة الحرب دائما مع البروليتاريين، فلا بد أن تجر البروليتاريا إلى مضمار هذه الحرب الطبقية وتقدم لها بنفسها سلاح النضال وعناصر محاربتها. فعلى عكس اليسار الذي يحاول أن يسير دولاب التطور إلى الوراء من خلال الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية المتوسطة، ثم المحافظة عليها عن طريق السلف الحكومية، فتحاول البروليتاريا تحصين نفسها لأية مجابهة مستقبلية محتملة، وكما يقول ماركس:
"فما أن تتوطد الحكومات الجديدة بدرجة معينة حتى يبدأ على الفور نضالها ضد العمال. ولكي يمكن العمل ضد البرجوازيين الصغار الديمقراطيين كقوة، يجب قبل كل شيء أن يكون العمال منظمين تنظيمًا مستقلاً وأن يكونوا ممركزين من خلال نواديهم" (ماركس، نفس المرجع السابق).
وهكذا، فان مطالب البروليتاريين تأتي دائمًا وفي كل مكان، ما وراء مطالب الديمقراطيين من ضمنهم مطالب الرجعية للفئات الاجتماعية الصناعية الصغيرة والتجار الصغار والحرفيين والفلاحين الذين يهلكون على الدوام وينتقلون إلى صفوف البروليتاريين مع تطور الصناعة الحديثة.
والسؤال إذن هو: إذا كان برنامج العمل اليساري الديمقراطي هو نسج المطالب الرجعية للفئات الاجتماعية المحافظة، فما برنامج العمل الشيوعي للبروليتاريين؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق