الأحد، 20 مارس 2011

الثورة في إيران، دروس الماضي تخيم على الحاضر

أيوب ايوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2688 - 2009 / 6 / 25

لا يمكن للبروليتاريا الإيرانية أن تحقق أي تقدم في الانتفاضة الحالية التي تخوضها، بدون العودة إلى أهم دروس الموجة الثورية 1978-1979، بل يمكن اعتبار انتفاضة اليوم هي بشكل من الأشكال عملية ثأر تاريخية من الثورة المضادة التي قادها الخميني سنة1979 ، وكأنما التاريخ يمنح فرصة إضافية للجماهير المسحوقة لاستخلاص العبر وتجاوز الأخطاء القديمة. فالأعداء لا يزالون، برغم تغير الديكور والأسماء، هم أنفسهم الممسكون بآلة القمع. وكل ما ناضل ضده أجيال الفقراء في السبعينات لا يزال ماثلا، وإن بأسماء جديدة، فالاستغلال الطبقي لجمهور العمال قد تفاقم، وتوجيه كل منتجات عرقهم في النزعة العسكرية والتسلح باسم "محاربة الاستكبار"، والقمع وإرهاب الدولة من الباسيج إلى الحرس الثوري إلى المحاكم الإسلامية، كل ذلك يزداد حدة من يوم إلى آخر. فهل يقدر العمال على تجاوز الإعاقات التي منعتهم في السابق من الإجهاز على الدولة والنظام الرأسمالي؟
وما هي أخطاء الماضي، وكيف السبيل إلى تجاوزها؟

نزعة ضد-الإمبريالية خنجر في خاصرة البروليتاريا:

لقد مثلت انتفاضة البروليتاريا الإيرانية التي انطلقت بشكل حاسم منذ خريف 1978أهم وأعظم الانتفاضات العمالية التي شهدتها المنطقة، فلقد عمت موجة من المظاهرات والمصادمات أهم المدن الإيرانية، كذلك قام العمال بإنشاء تنظيماتهم الطبقية المتمثلة في مجالس الشورى في المصانع، وشل الإضراب العام كامل البلاد في أكتوبر 1978 بما جعل رئيس الحكومة شابور باختيار، وفي محاولة يائسة لإنقاذ النظام، يجبر الشاه على الهروب بشكل مذل، وإعلان استعداده إلى تنظيم انتخابات عامة والقيام بجملة من الإصلاحات على الدستور وقوانين الانتخاب والصحافة والسماح بتشكل الأحزاب. لكن البروليتاريا لم تبلع الطعم الديمقراطي وواصلت احتجاجاتها التي بدأت تأخذ شيئا فشيئا طابعا مسلحا انتفاضيا عنيفا، وبدا أن الحلول التقليدية لامتصاص الغضب الجماهيري المستعر لم تعد تنفع، ولم تقدر أحزاب المعارضة التقليدية بيمينها ويسارها على استيعاب الحركة، فلقد كان الحريق الثوري قد وصل إلى درجة غير قابلة للمصالحة مع نظام اجتماعي أثبت لا إنسانيته ومعاداته للعمال، وهو ما جعل هؤلاء يندفعون نحو السجون التي تم اقتحامها وخلع أبوابها وطرد الحراس الذين انضم جزء كبير منهم إلى صفوف المحتجين وتم تحرير كل السجناء، كذلك هاجمت الجماهير مراكز البوليس السري (السافاك) والثكنات العسكرية وأقامت تآخيا لا مثيل له مع الجنود بما جعل تلك الآلة الأسطورية لخامس جيش في العالم تتهاوى كقصر من الرمل، وقام المنتفضون بالاستيلاء على مخازن الغذاء والملابس وتم توزيعها على الجماهير، والأهم من كل ذلك قيام البروليتاريا بكل فئاتها (عمال، طلبة، بطالين...) بتشكيل ميليشيات مسلحة في أغلب مناطق البلاد، وتم توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء. فلم يكن كل يوم يمر إلا وتسجل فيه الجماهير المسحوقة خطوة جديدة في اتجاه القضاء على النظام الرأسمالي القائم.
هكذا نرى كيف أن الثورة الاجتماعية كانت بالفعل في طريقها لتدمير دولة الشاه، وما كان من الممكن إيقافها بالوسائل التقليدية (قمع، نشر الأوهام الديمقراطية، تغيير بعض وجوه الحكومة...) لكل ذلك فإن الثورة المضادة لم يكن لها أن تشق طريقها بدون أن تلبس لبوس الثورة نفسها وبدون أن تتخفى بشعارات الثورة وتحاول التغلغل في المنظمات التي كانت قد أنتجتها البروليتاريا الثائرة. ولقد عملت هذه الثورة المضادة كل جهدها من أجل زرع الأوهام في صفوف الجماهير المنتفضة محاولة حرف الصراع الطبقي عن أهدافه الحقيقية وتحويله وجهة الصراعات بين الكتل البورجوازية في الداخل وبينها وبين أقطاب رأس المال العالمي التي كانت تتوحد من جهة ضد البروليتاريا وتتصارع من جهة أخرى من أجل ضمان ترجيح كفة أحد حلفائها في الداخل.
ولعل أخطر الأسلحة وأمضاها بيد الثورة المضادة كانت إيديولوجيا الأنتي- إمبريالية. فبينما كان يمين الثورة المضادة بقيادة الخميني يرفع شعار "الحرب ضد الاستكبار العالمي"، وكان الخميني نفسه يدعو إلى وحدة المعارضة، وأن "كل دخول في تفاصيل الخلافات من شأنه أن يضعف المعارضة"، فإن يسار الثورة المضادة كان هو أيضا يبث الأوهام حول الجبهة التقدمية ضد الإمبريالية الأمريكية وحليفها نظام الشاه، لا بل أن أحزابا "شيوعية" مثل حزب تودة قد أعلن مساندته لحكومة الخميني والدخول معها في الجبهة ضد التدخل الأمريكي. ولقد شكلت الحادثة الاستعراضية التي قام بها أنصار الخميني باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز بعض الرهائن فيها، حيلة خبيثة من أجل حرف الأنظار وجر العمال وراء مشاريعهم الرجعية المعادية للثورة التي يتكلمون زورا باسمها. أحزاب اليسار كانت تجاهد من أجل إقناع العمال الثائرين بأنه عليهم أن لا يفجروا الصراع ضد الرجعية الدينية طالما لا تزال تقف في صف ضد الإمبريالية. وهذا ما أضفى الشرعية الضرورية لمثل هذه الجبهات البورجوازية المعادية للثورة.
لقد عملت إيديولوجيا الأنتي- إمبريالية دورا حاسما في تدجين البروليتاريا وراء أولائك الذين سوف يقودون مجزرة الثورة المضادة ودفع العمال في محرقة الحرب البورجوازية (الحرب العراقية الإيرانية) التي كان إعلانها بمثابة إعلان عن الهزيمة الأخيرة للثورة، وما كان لهذه الإيديولوجيات أن تتغلغل في صفوف الثورة لولا مساهمة الأحزاب والتيارات اليسارية داخل وخارج إيران وتزكيتها للجبهة ضد الإمبريالية.
هذه الإيديولوجية مازالت إلى يومنا هذا سلاحا فتاكا بيد البورجوازية في مواجهة الانتفاضات العمالية، وان الأحزاب والأطراف الماركسية اللينينية والماوية والتروتسكية التي لا تزال ترفع هذه اليافطة المضللة تثبت تناقضها مع البرنامج التاريخي للبروليتاريا. وتجربة ثورة 1978-1979 في إيران دليل تاريخي على هذا الدور المضاد للثورة الذي ما انفكت تقوم به هذه الأحزاب حتى وإن توشحت بالشيوعية والعمالية.
إن البروليتاريا الإيرانية المنتفضة اليوم لا يمكن لها أن تنتصر بدون الحسم مع إيديولوجيا الأنتي-إمبريالية التي عاش على تغذيتها نظام الملالي نفسه، كذلك بدون الحسم مع كل أنواع الجبهات: الجبهة ضد الديكتاتورية، الجبهة ضد الفاشية، الجبهة ضد الرجعية الدينية، الجبهة من أجل الحد الأدنى الديمقراطي...الخ فالبروليتاريا ليس لها من جبهة سوى وحدتها الطبقية المستقلة عن كل البرامج البورجوازية مهما كانت راديكاليتها. وإن الإيديولوجية الجبهوية لا تعني سوى التخلي عن البرنامج التاريخي المستقل للبروليتاريا.
إن الأسوأ بالنسبة للبروليتاريا في مواجهة قطبين رجعيين هو الاصطفاف وراء أحدهما.

عندما يسلم العمال أسلحتهم:

إن قوة الثورة الإيرانية 1978-1979 لم تقف عند حد المظاهرات والمصادمات وتشكيل المجالس العمالية (مجالس الشورى) بل تجاوزتها نحو خلق ميليشيات ثورية مسلحة تشكلت أساسا من العمال والجنود الذين اصطفوا إلى جانب الثورة ومن الطلبة والبطالين، كذلك من الفلاحين الفقراء الذين بدؤوا بالانضمام بكثافة إلى إخوانهم المنتفضين في المدن. ولقد مثلت عمليات مداهمة مراكز البوليس والثكنات العسكرية وإفتكاك الأسلحة (الخفيفة منها خاصة) وتوزيعها بكثافة على عموم الجماهير الثائرة، إضافة لمحاصرة فلول النظام التي كانت تحاول إعادة التجمع حول عناصرها الأكثر ثقة، ومنع إعادة تنظيم قوات القمع التي تفسخت تحت ضربات الثوار والانسحابات الجماعية المكثفة، فإنها كانت تقطع الطريق أمام الثورة المضادة وكل محاولات التأطير البورجوازي، وتخلق حالة من الانفلات يصعب لجمها والالتفاف عليها بالوسائل التقليدية، وهذا ما أفزع ليس البورجوازية المحلية بكل فصائلها السياسية فقط، بل كل النظام الرأسمالي العالمي، بما دفع دولا مثل فرنسا وبريطانيا (معاقل العلمانية واللائكية) إلى احتضان الخميني (الزعيم الديني المتشدد) والضغط على رئيس الوزراء شابور باختيار من أجل السماح له بالعودة إلى إيران في مشهد استعراضي، صورها كعودة المنقذ وقائد الثورة، وإضفاء حالة من القداسة على موكبه، مستعملة في ذلك أحدث تقنيات الدعاية.
وفور عودته، عين الخميني مهدي باذرخان مؤقتا رئيسا للوزراء بدل شابور باختيار، وكان يسمي الحكومة التي عينها "حكومة الله" وقال "بما أنني عينته، فيجب أن يطاع" و" كل عصيان عليها، هو عصيان الله" وقام بتشكيل ميليشيات مسلحة تحت إسم "الحرس الثوري" قامت بمهاجمة الميليشيات الثورية التي أنشأها العمال، وأعلن الخميني الجهاد على الجنود الذين لم يسلموا أسلحتهم. ومنذ تلك اللحظة بدأت حملة التصفية الدموية للبروليتاريا المسلحة. كل هذا طبعا لم يمنع أحزابا يسارية عديدة في الداخل (مثل حزب تودة) من التحالف مع الحكومة الجديدة، كما لم يمنع عديد الأحزاب والأطراف والشخصيات اليسارية في الخارج من مباركة "الثورة الإسلامية"، وابتداع مقولات من نوع "الإسلام الثوري" أو "الإسلام التقدمي" من أجل حشد مساندة البروليتاريا العالمية، لا مع إخوانهم من البروليتاريا الإيرانية المنتفضة، بل مع جزاريهم. لذلك فإن ما يصطلح على تسميته اليوم، في الأوساط اليسارية، بالثورة الإيرانية 1979 هي في الواقع الثورة المضادة التي قادها الخميني بتزكية يسارية، بينما نتحدث نحن عنه هنا هي الموجة الثورية التي بدأت في الواقع منذ نهاية 1977 ووصلت ذروتها في أواخر 1978 وشهدت هزيمتها بداية من 1979 وانتهت بجر البروليتاريا الإيرانية إلى الحرب العراقية الإيرانية 1980 التي راح خلالها أكثر من مليون من البروليتاريا من الطرفين.
صحيح أن البروليتاريا الإيرانية لم تذعن بسهولة للثورة المضادة إلى حدود 1980 وقاومت كل الذين حاولوا نزع أسلحتها. لكن للأسف فإن قطاعات كبيرة من العمال وتحت تأثير إيديولوجيا الأنتي-إمبريالية والجبهوية، كانت قد سلمت نفسها لمنظمات الحرس الثوري، لتتحول هي نفسها إلى مشاركة في المجزرة العظيمة ضد العمال وتنقاد كالقطيع وراء جزاريها في الحرب البورجوازية القذرة.
إن هذا الدرس التاريخي المهم، والذي دفع العمال من أجله آلافا من الشهداء والمعتقلين والمشردين والمغربين، يلقي بظلاله على الانتفاضة الحالية، حيث بدأت بعض المجموعات البروليتارية المسلحة بالظهور، وبدأ العمال يواجهون إرهاب الدولة بإرهابهم الثوري. الدرس له وجهان، الأول أن البروليتاريا عندما تسلم أسلحتها لأي كان، حتى وإن كان باسم الثورة (الحرس الثوري) إنما هي تقدم بذلك عنقها لسكين الثورة المضادة. والثاني هو أن استعمال الأسلحة في حد ذاته ليس تعبيرا عن ثورية الحركة، وأن السلاح إذا لم يرتبط ببرنامج ثوري فإنه يقود البروليتاريا حتما إلى الحرب ما بين البورجوازيات، وهذا يعني تصفية ثورتها وتصفيتها كطبقة.
على عكس دعاة المسيرات السلمية والمرخص فيها، أولائك الذين يريدون للعمال أن يصطفوا مكتوفي الأيدي أمام آلة إرهاب الدولة، والقبول بدور الضحية، أولائك الذين يساهمون بوعي أو بغير وعي في تجريد البروليتاريا من أسلحتها وتجريم كل من يرفع بندقيته في وجه جلاده، على عكس دعاة الثورات المخملية، أو ما يسمى بالعصيان المدني، أولائك الذي يحاولون إقناع البروليتاريا بإمكانية التخلص من بؤسهم عن طريق التجمعات المليونية ضد هذه الحكومة أو تلك، أو من أجل فرض استقالة هذا السفاح أو ذاك. على عكس كل هؤلاء فإنه على البروليتاريا أن تشهر حقدها الطبقي بكل ما يتاح لها من وسائل العنف. وعليها أن تنوع من أشكال نضالها بحيث تستغل نقاط ضعف عدوها وتتجنب نقاط قوته. فمسيرة من العزل مهما كانت ضخامتها هي عرضة للقمع الوحشي ولسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ويسهل السيطرة عليها من طرف البوليس أو الجيش، بينما المواجهة في مجموعات صغيرة سريعة الحركة يمكن أن يلحق أكثر الأذى بقوات القمع ويقلل من الخسائر في صفوف البروليتاريا المنتفضة. وإن مهاجمة مركز بوليس أو ثكنة عسكرية أو مخزن أغذية وملابس هو أكثر جدوى من التحلق الأبله أمام مبنى البرلمان منتظرين رصاصة طائشة تثقب الرأس. لكن في مقابل ذلك وجب التنبيه إلى أن استعمال أكثر الوسائل عنفية لا يعني الثورة، وان البندقية ليست دليلا على الثورية، فالسؤال الذي يجب أن تطرحه البروليتاريا على نفسها في كل محطة من محطات انتفاضتها: إلى أين نسير؟ ماهو مضمون حركتنا؟ ما هو برنامجنا؟

في غياب البرنامج الثوري، الهزيمة في الأفق:

إن الثورة ليست مسألة أشكال، أو شعارات وخطابات، بل هي موضوع ممارسة فعلية في الواقع. والسؤال الذي يطرح من أجل نجاح الثورة ليس تدبيج البرامج الشكلية "الثورية"، بل هو، هل تتحول الانتفاضة إلى حركة شاملة موحدة ومتضامنة تهدد النظام الاجتماعي القائم؟ هل باشرت البروليتاريا فعليا في الاستيلاء على الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية جماعية، بإدارة جماعية؟ هل باشرت بالقضاء على العمل المأجور وتعويضه بالنشاط الجماعي الإنساني الحر؟ هل باشرت في تشكيل تنظيماتها الطبقية المستقلة؟ هل باشرت بتنظيم إرهابها الثوري في مواجهة إرهاب الدولة البورجوازية؟ هل باشرت بتلبية حاجاتها الإنسانية في مواجهة قانون القيمة والتبادل والمردودية الاقتصادية؟ هل باشرت بتوجيه الإنتاج وجهة تلبية حاجات تطور الثورة وتوسعها؟ هل دمرت السجون والمعتقلات والمحاكم وكل أجهزة القمع؟ هل دمرت كنائس رأس المال من مصارف وبنوك وبورصات، وهل قامت بإحراق الصنم الاجتماعي الأكبر: النقد؟ فالثورة إذا، هي مجموعة مهام تاريخية واقعية، إما أن تكون البروليتاريا قد خطت خطوة في اتجاه إنجازها، وهذا سيعني أن الثورة تتقدم، وإما أن البروليتاريا تعجز عن أداء ذلك، وهذا سيعني توقف الثورة وفسح المجال للثورة المضادة لتجر العمال وراء برامجها: العفو التشريعي العام (بدل تحطيم السجون)، تنظيم انتخابات ديمقراطية (بدل هدم البرلمان على رؤوس تلك الطفيليات البيروقراطية)، تنقيح الدستور (بدل إلغائه نهائيا والى الأبد)، تغيير الحكومة (بدل تدمير الدولة البورجوازية برمتها)، تأميم الشركات والقطاعات الاقتصادية الكبيرة (بدل إلغاء الملكية الخاصة بما فيها تلك المتنكرة بعباءة الدولة)، الرفع في الأجور (بدل إلغاء العمل المأجور نفسه)، سن قانون ضريبي تصاعدي (بدل إلغاء الضرائب)، إلى غير ذلك من الإصلاحات البورجوازية التي تزداد راديكاليتها براديكالية الثورة التي تواجهها، وقد تقدم البورجوازية على تنازلات انتحارية مؤقتة من أجل إيقاف الثورة لتتراجع عنها بمجرد إحكام القبضة على البروليتاريا وتجميد حركتها الطبقية المستقلة.
إذا، فإن الثورة هي موضوع قدرة البروليتاريا على السير في طريق تحقيق برنامجها التاريخي الثوري، وهذا يستوجب من العمال استخلاص الدروس التاريخية من تجاربهم السابقة وعدم السقوط في المزالق والأخطاء المدمرة التي سقطوا فيها سابقا. فعدم تملك البروليتاريا لبرنامجها التاريخي سوف لن يعني سوى الهزيمة المحققة. والبروليتاريا الإيرانية اليوم، وبالنظر إلى وضعها الذاتي، وبالنظر أيضا لواقع التوازن الطبقي على المستوى العالمي، فإنه يبدو للأسف أنها دخلت المعركة وهي لا تحمل أدنى فكرة عن طبيعة برنامجها، ولا يبدو أنها قادرة مؤقتا على التحرك من خارج الأرض البرنامجية لأعدائها. إضافة لضعف التضامن الأممي بين العمال، بحيث أن معركة تندلع في هذا القطر أو ذاك، في هذه الجهة أو تلك مازالت للأسف لا تجد التجاوب الكافي من بقية القطاعات العمالية، بما يسمح للبورجوازية العالمية بمحاصرتها والتعتيم على حقيقة حركتها وأهدافها، ففي الجرائد كما في القنوات التلفزية دائما هناك صراع وهمي للتسويق: بين الإصلاحيين والمتشددين، بين الجمهوريين والفاشيين، بين الديمقراطيين والإسلاميين، بحيث أننا، إذا ما صدقنا ما تقوله آلة الدعاية البورجوازية، فليس هناك صراع طبقي أبدا، وليس هناك حرب طبقية بين فقراء وأغنياء، بين مستغلين ومستغلين. لكن هل أن عدم جاهزية البروليتاريا للمعركة الفاصلة، وعدم توفر الوضع الموضوعي الملائم للانتصار، يعني أنه على العمال أن لا يدخلوا المعركة، أو أن يصطفوا وراء الإصلاحات البورجوازية؟ طبعا لا، فتملك البروليتاريا لبرنامجها التاريخي ليس موضوع "نقل الوعي" من طرف "الأنتلجنسيا الثورية" إلى العمال، كما أنه ليس مثلما يروج الماركسيون المذهبيون والإيديولوجيون بشتى مشاربهم، أن الثورة لا تنتصر إلا بعد اكتمال الوعي بها من طرف كل أفراد طبقة البروليتاريا. فالبرنامج الثوري ليس موضوعا مدرسيا يمكن لأي كان حفظه أو تلقينه للآخرين، بل هو مراكمة تاريخية لا تمثل الثورات والثورات المضادة المتعاقبة، كذلك المعارك الجزئية، وحتى تلك اليائسة منها، سوى حلقة من حلقاته وسطر من سطوره الدامية.

خاتمة، أو حزب "شيوعي" آخر في ركاب الثورة المضادة:

لا يمكن أن نختم نصنا هذا بدون قول كلمة فيما يدبجه الحزب "الشيوعي" العمالي الإيراني بمناسبة الانتفاضة الحالية، وهو في الواقع تجسيد لما ذكرناه من قدرة الثورة المضادة على التنكر في أكثر الشعارات بريقا.
لننظر لآخر البيانات التي أصدرها هذا الحزب:
قام حميد تقوائي ليدر الحزب الشيوعي العمالي الايراني، اليوم ، بمكاتبة رؤساء الدول والامين العام للامم المتحدة نيابة عن جماهير ايران طالبا من جميع الحكومات "القطع الفوري للعلاقات السياسية مع الجمهورية الاسلامية في ايران، وغلق جميع سفاراتها وقنصلياتها وضمان طردها من الامم المتحدة وبقية المنظمات العالمية".

واستمرت رسالته بالقول:" ان الاحداث الاخيرة في ايران تصرح بكل وضوح بان الحكومة الاسلامية ليس لها مطلقا اية شرعية. انها لا تمثل الجماهير في ايران باي شكل من الاشكال. في هذا المنعطف الحرج من الاوضاع السياسية في ايران، ندعوكم الى التوقف عن منح الشرعية والدعم للنظام. ان نهاية النظام الاسلامي ستساعد على قصم ظهر حركة الاسلام السياسي على صعيد عالمي وانبثاق فجر جديد للجماهير في ايران والعالم".

الحزب الشيوعي العمالي الايراني

هكذا، فإن الزعيم الشيوعي العمالي حميد تقوائي، وبدل أن يتوجه للبروليتاريا العالمية ودعوتها لمؤازرة انتفاضة إخوانهم في إيران، وجد بدل ذلك أنه من الأنفع التوجه بالخطاب لمن؟ لرؤساء الدول والأمين العام للأمم المتحدة. ولماذا؟ ليس من أجل فضح تآمرهم، هم ايضا، على العمال الإيرانيين، كما ليس من أجل تبيان أنهم يقمعون "شعوبهم" بمثل ما تفعل الحكومة "الإسلامية"، بل من أجل دعوتهم "لقطع العلاقات السياسية مع الجمهورية الإسلامية". وما الهدف من ذلك؟ إنه ليس التخلص من النظام الرأسمالي بل من أجل "قصم ظهر حركة الإسلام السياسي" وهذا ما من شأنه أن يساعد على "انبثاق فجر جديد للجماهير في إيران وفي العالم" برعاية بانكيمون وأوباما وبقية "رؤساء الدول" الديمقراطيين.
ونقدم للقارئ المطالب التي يرفعها هذا الحزب بمناسبة هذه الانتفاضة، باعتبارها نموذجا لما تحدثنا عنه من المطالب (أو الإجراءات) الإصلاحية التي من شأنها بالفعل قطع الطريق أمام أي إمكانية لانفلات ثوري حقيقي:
- اطلاق سراح جميع السجناء السياسيين
(بدل النضال من أجل تحطيم السجون وتحرير كل إخواننا بمن فيهم ما يسمون بسجناء الحق العام)
2- تحديد المسؤولين عن قتل الجماهير والمتنفذين ومحاكمتهم بشكل علني
(بدل تحطيم المحاكم البورجوازية)
3- الغاء حكم الأعدام
(بدل إلغاء كل القوانين البورجوازية التي لا تعدو أن تكون سور تعبير حقوقي عن واقع القهر الطبقي الموجه ضد العمال)
4- الغاء الحجاب الأجباري والفصل على اساس الجنس (الجندري)
(بدل النضال من أجل تحرير المرأة ورفيقها الرجل من ربقة العمل المأجور)
5- حرية التعبير غير المشروطة والمقيدة وحرية التنظيم والأضراب والتظاهر
(بدل فرض التعبير والتنظيم والإضراب وكل أشكال النضال البروليتاري بالقوة)
6- تحديد الحد الأدنى للأجرة بمليون تومان
(بدل النضال ضد الملكية الخاصة والعمل المأجور)
إن تقديمنا لهذه العينة من المطالب التي يطرحها حزب يسمي نفسه شيوعيا، ومقابلتها بالبرنامج التاريخي للبروليتاريا يبين بكل وضوح الافتراق البرنامجي بين مثل هذه الأحزاب وبين حركة البروليتاريا، كما يبين أن خطر الثورة المضادة لا يكمن في الخارج، بل إن خطرها مبثوث في صفوف العمال، أو ممن يتكلمون باسمهم. وإذا ما أرادت البروليتاريا الإيرانية الانتصار فعليها أن لا تكتفي بالحسم في أعدائها الظاهرين، بل ايضا في الإصلاحية المتخفية بلباس الشيوعية والثورية.

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الأخير

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27

4 ) في الثورة البورجوازية:
إذا أخذنا مصطلح "الثورة" بمعناه الدقيق، أي تدمير علاقات الإنتاج السابقة وكل أجهزة الدولة التي تحافظ عليها. كذلك تدمير الطبقة السائدة فيزيائيا، أو من خلال تجريدها من وسائل الإنتاج، وإقامة علاقات إنتاج جديدة وأجهزة سيطرة طبقية جديدة وبالتالي حمل طبقة جديدة لموقع السيطرة. إذا أخذنا "الثورة" على هذا المحمل، فإن البورجوازية كطبقة لم ولن تقوم بمثل هذه الثورة، وبالتالي فإن الثورة البورجوازية، بهذا المعنى، ليست سوى أسطورة من أساطير الإشتراكية الديمقراطية (والبورجوازية نفسها). أما إذا أخذنا مصطلح "الثورة" بمعنى التغيير على المستوى السياسي للفصيل الطبقي (من داخل الطبقة السائدة) الذي يمسك بدفة القيادة الطبقية، فإن الثورة، بهذا المعنى، مسألة حيوية لرأس المال، يقوم من خلالها بتجديد نفسه، بعمليات الإصلاح والإصلاح الذاتي، بمواجهة أزماته، وخاصة بقطع الطريق أمام خطر الإنفلات الثوري للبروليتاريا.
في علاقة بالطبقة الإقطاعية القديمة (النبلاء، الأسياد، الإقطاعيين..) والفصيل الطبقي الحاكم (إمبراطورية، قيصرية..) فإن البورجوازية، وبعد تحولها الى طبقة مسيطرة إقتصاديا من خلال نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يتعملق بسرعة داخل إطار علاقات الإنتاج الماقبل رأسمالية وضدها، فإنها (البورجوازية) كانت تميل في الغالب الى عقد صفقات سياسية لتجنب المواجهة العنيفة، وفي أكثر الأحيان عادة ما يتحول الملاك العقاريون، وأبناء الإقطاعيين وغيرهم من ممثلي الطبقة السائدة السابقة الى بورجوازية هم أنفسهم. ويكون ذلك في غياب حركة البروليتاريا وخوفا منها. أما عندما يندلع الصراع الطبقي بنهوض الطبقات المسحوقة (البروليتاريا، فلاحين فقراء، بورجوازية صغيرة...) وتصل هذه الحركة الى حدود تهديد النظام الإجتماعي برمته، فإن البورجوازية سريعا ما تفرز جناحها الراديكالي الذي يقفز الى مقدمة هذه الحركة وينتزع قيادتها (طبعا هذا الإنتزاع مرتبط بضعف البروليتاريا نفسها). وعادة ما يقف ذلك الفصيل البورجوازي في منتصف الطريق، كتعبير عن عجز البروليتاريا عن التقدم، وفي اللحظة التي يجد فيها أنه قد إستوعب هذه الحركة لصالحه، فإنه سريعا ما يغرق البروليتاريا في الدم، في المقابل فإنه عادة ما يعقد صفقات مع النظام القديم. من هنا يتضح أن البورجوازية، وعلى عكس الرؤية التمجيدية للإشتراكية الديمقراطية، ليست ثورية في مرحلة ورجعية في أخرى، إنما هي وحدة تناقضية بين الثورية والمحافظة، بين التقدمية والرجعية ( هذا إذا نزعنا عن هذه المصطلحات الطابع الأخلاقوي/الإنسانوي المبتذل).
لأن البورجوازية، ككل الطبقات السائدة السابقة، تقوم بثورتها من أجل تأمين مصالح لا تخص سواها من الطبقات، بل إنها ذات مصلحة مناقضة لبقية مصالح الطبقات التي تشاركها الثورة، فإنها في الواقع لا تقوم بثورة، وما يمكن تسميته بثورة بورجوازية هو تحول مجزوء ومشوه، عادة ما تنهيه البورجوازية بمجزرة ضد الجمهور الذي كانت قد دفعته كوقود لثورتها.
البورجوازية (بالرغم من الشعارات الفضفاضة حول الأخوة والمساواة والعدالة) لا تقوم بالثورة ضد الإستغلال، لأنها منذ توجد فهي طبقة مستغلة، ولا ضد مالكي وسائل الإنتاج، لأنها تملك وسائل الإنتاج، ولا ضد البؤس، لأنها تملك الثروة. إنها، وحتى داخل المجتمع الإقطاعي، طبقة مستغلة وثرية، كل ذلك لا يؤهلها أن تكون طبقة ثورية إلا في حدود ضيقة وفي ظروف تاريخية خاصة.
في الواقع وإذا ما أخذنا مصطلح "الثورة" لا بمفهومه المتداول المبتذل، بل بمفهومه الدقيق، أي رفض كلية النظام السائد وتحطيم كل أجهزة دولته وإنهاء كل إمتياز مهما كان، فإن الطبقة الإجتماعية الوحيدة التي يمكن أن نطلق عليها صفة الثورية إنما هي البروليتاريا.
إذا فإن كل الأسطورة التي تقوم عليها الإشتراكية الديمقراطية (الثورة البورجوازية الصافية المكتملة) سواء جعلتها مهمة البورجوازية نفسها، أو وهبتها لتحالف طبقي، أو كأحد ملاحق الثورة الإشتراكية، ليست سوى تزيين لتلك الثورة المشوهة والمبتورة. وهذا يتلاءم مع دورها التاريخي المتمثل في بتر الثورات البروليتارية وتشويهها وتحويلها من هدم الطبقية والطبقات الى إنتاج إمتيازات جديدة وإعادة إنتاج الإستغلال الأكثر شراسة بإسم العمال والعمالية.
5 ) في الثورة الإشتراكية:
الإشتراكية الديمقراطية (والبورجوازية نفسها) تعتقد أنه يكفي أن تملك رأس المال بين أيديها، فإنها ستصبح قادرة على توجيهه كيفما شاءت، وتصل الى حد التوهم بإمكانية صياغة مخططات إستراتيجية للإنتاج، والحديث عن تنظيم التوزيع، وعن قدرتها على إلغاء كل فضاعات الرأسمالية فقط بإمتلاكها للدولة، وإمتلاك الدولة لوسائل الإنتاج ومركزة كل النشاط الإقتصادي في يد حكومة مركزية أو لجنة مركزية للحزب (من المستحسن أن يكون إسمه شيوعي). لذلك فإن الثورة الإشتراكية يمكن تلخيصها في إستيلاء الحزب العمالي على الدولة (هناك من يقول أن هذا الإستيلاء يكون غبر الإنتخابات، وهناك من يقول بالتغيير الثوري العنيف) ولأن هذا الحزب العمالي ذو مذهب ماركسي، فإنه سيطبق النموذج الإشتراكي في توزيع الثروات وسيلغي الإستغلال ويصدر كل الأوامر والقرارات التي تقضي على الظلم وتقيم جنة الله على الأرض.
إذا فإن كل الشرور تكمن في ذلك الحزب البورجوازي (اليميني) الممسك بالسلطة، وأنه يكفي أن نسقط هذا ويصعد ذاك حتى تنتهي كل آلام الطبقة العاملة ومآسيها بتطبيق "النموذج الإقتصادي الشيوعي" الذي صاغه أباطرة الماركسية من مبدعي الإشتراكية العلمية التي لا يرقى ليقينها شك ولا إختلاف.
هذا هو لب التفكير الذي كان يقود الإشتراكية الديمقراطية الروسية في1917 حيث، وبينما كانوا يعلنون سيطرتهم أخيرا على قوى الإنتاج وتوجيه رأس المال بإتجاه الإشتراكية، كان رأس المال، مثل مخرج مسرحية متخفي وراء ستار الأحداث الدامية، يقهقه ملئ شدقيه، ويحول هؤلاء الشيوعيين الى أعوان له، الى مجددين لدمائه، لحماة لعرينه من الهبة الجهنمية للبروليتاريا.
إذا وإجابة على سؤال: هل أن "الثورة الروسية" كانت ثورة إشتراكية؟ فإننا، وإذا ما تناولنا السؤال بطريقة: هل أنجزت البروليتاريا في هذه الثورة ديكتاتوريتها، وهل بنت الإشتراكية؟ فإن الإجابة بكل وضوح: لا، لقد فشلت البروليتاريا في أجرئ تجربة تاريخية بعد كومونة باريس في إنجاز مهمتها التاريخية في التخلص من النظام الرأسمالي، وفي إقامة ديكتاتوريتها،وذلك يرجع لعديد الأسباب لعل من أهمها عدم قدرة طليعة البروليتاريا على إحداث قطيعة جذرية فعلية مع الإشتراكية الديمقراطية، أي عدم قدرة البروليتاريا على تحطيم آخر قلاع النظام الرأسمالي وتصفية آخر حماته. أما إذا طرحنا السؤال بطريقة: هل أن الموجة الثورية 1917- 1923كانت إنتفاضة بروليتارية ذات طابع عالمي؟ فالإجابة هي ولا شك: نعم، لقد شكلت هذه الموجة أهم محاولة لإقامة ديكتاتورية البروليتاريا. وإذا كان الدرس التاريخي لكومونة باريس هو مثلما يقول إنجلس "ضرورة تدمير الدولة البورجوازية وعدم الإكتفاء بالإستيلاء عليها" فإن الدرس التاريخي للموجة الثورية 1917_ 1923يتمثل في أن التدمير الفعلي للدولة البورجوازية هو في القضاء على العمل المأجور، أي النفي الذاتي للبروليتاريا وبالتالي نفي الطبقية والطبقات وبناء المجتمع الشيوعي. كل خطوة في غير إتجاه تدمير التبادل والمنافسة الرأسمالية، كل خطوة في غير إتجاه إرساء ديكتاتورية الحاجات الإنسانية على ديكتاتورية القيمة والمردودية والربح، سوف لن تفعل سوى إعادة الدولة تحت مسميات جديدة وشعارات براقة، الدولة بثوب الإشتراكية الديمقراطية

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الرابع

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26

3 ) مرة أخرى حول طبيعة الثورة "الروسية":
حاولنا أن نرصد في الأجزاء السابقة جملة المواقف والنقاشات حول طبيعة الثورة "الروسية" التي دارت في أوساط الثوريين قبل إنتفاضة 1917، وسنحاول رصد المواقف والنقاشات الدائرة حول طبيعة هذه الثورة بعد إنجازها، وفي هذا نستطيع أن نلخص هذه المواقف الى الفروع الرئيسية التالية:
- الموقف الستاليني الذي يعتبر أن الثورة كانت ثورة إشتراكية وأن الحقبة اللينينية والستالينية كانت حقبة البناء الإشتراكي وذلك الى حدود المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الذي إنقلب على الثورة وإتجه صوب إعادة بناء الرأسمالية. هذا الموقف يعتمد على مقولة بناء الإشتراكية في بلد واحد، وهي في الحقيقة مقولة لينينية وإن كانت قد أصبحت فجة ومفضوحة على يد ستالين. وهذه المقولة تعتمد على رؤية إشتراكية ديمقراطية ترى في رأس المال كظاهرة قطرية وترى في الإشتراكية كنظام وطني. فهي لا ترى لقانون القيمة كقانون عالمي، لذلك فإنها تجد إمكانية (إيديولوجية طبعا) في كسره على المستوى الوطني. كما أنها ترى في الإشتراكية تواصلا للرأسمالية ("رأسمالية الدولة" منظور لها حسب لينين كحلقة سلمية بين "الرأسمالية الخاصة" والإشتراكية) فهي ترى مثلا أنه يكفي تحويل الملكية القانونية لوسائل الإتناج من يد الرأسماليين المنفردين الى يد الدولة حتى يكون ذلك ضمانا لتوجيه رأس المال لصالح البروليتاريا، وذلك بما أن الدولة هي دولة "عمالية" بقيادة حزب "عمالي" حتى وإن حافظنا على بقية الأصناف الرأسمالية (القيمة، التبادل، النقد، العمل المأجور....) .
لا شك وأن الستالينية ليست سوى رأس المال وهو يحكم تحت يافطة الإيديولوجيا العمالية، الإشتراكية والشيوعية، ولا شك أنها أكثر التعبيرات سفورا عن إنتصار الثورة المضادة العالمية، وتحول البلاشفة الى متصرف جديد لرأس المال.
- الموقف التروتسكي الذي كان يرى في الدولة السوفياتية (تحت قيادة ستالين) كدولة إشتراكية على المستوى الإقتصادي مشوهة بيروقراطيا على المستوى السياسي، وأن المطروح هو ثورة ديمقراطية سياسية (أو بالأحرى إستبدال ستالين بتروتسكي) ليتطابق السياسي بالإقتصادي.
التروتسكية، ورغم خطابها الراديكالي، تمثل فرعا من فروع الإشتراكية الديمقراطية، تقاسمها الأهم: المماثلة بين الإشتراكية وعمليات التأميم الموسعة التي يندفع لها رأس المال في ظروف تاريخية محددة (إعتبار القطاع العام قطاعا إشتراكيا ومن هنا جاء شعار الدفاع عن القطاع العام والنضال ضد ما يسمى بالخوصصة) إعتبار أنه يمكن الحديث عن إقتصاد إشتراكي في ظل وجود الملكية الخاصة، النقد وسريان قانون القيمة (إعتبار الإقتصاد الروسي في عهد ستالين إقتصادا إشتراكيا)، تقديسها للأوهام الديمقراطية ولضرورة "دمقرطة" الإنتاج والحياة السياسية داخل الحزب وخارجه وهو ما دفعها للإنخراط في المعارضة البورجوازية الديمقراطية للستالينية.
لا شك وأن التروتسكية قد فقدت مبرر وجودها بعد ما يسمى بإنهيار الإتحاد السوفياتي، وتحولت الى خليط من اللينينية واليسارية الديمقراطية (الليبرالية في كثير من الأحيان) بل إن بعض فروعها قد إنخرط في الإنتخابات وتحول الى رقم سياسي في المعركة السياسية البورجوازية.
- الموقف المجالسي:
يتفق موقف المجالسيين (بانكوك، ماتيك، مجلة "إشتراكية أم بربرية"...) مع موقف المناشفة والإشتراكية الديمقراطية الألمانية من حيث إعتبار أن الثورة "الروسية" ثورة بورجوازية، ويعتبرون ببساطة الحزب البلشفي حزبا بورجوازي البرنامج، بلانكي الطريقة، ومعتبرين إنتفاضة1917مجرد إنقلاب مسلح بقيادة لينين وتروتسكي.
إن ضد-اللينينية وضد-الحزبية(1) الذان يقودان المجالسيين، إضافة لتقديسهم الأعمى لما يسمى ب"الديمقراطية العمالية"، "التسيير الذاتي"، دمقرطة الوحدات الإنتاجية المستقلة، جعلهم أولا يقفون موقفا عدميا من أهم تجربة بروليتارية على الإطلاق، بحيث ينفون مضمونها الثوري (بغض النظر عن وعي القائمين بها) وطابعها البروليتاري العالمي، ثانيا يخلطون بين سياسات البلاشفة وشعاراتهم وبين طبيعة الحركة ( الخلط بين ما يقوله الناس عن أنفسهم وبين حقيقتهم الفعلية)، فيكفي مثلا أن البلاشفة قد رفعوا شعار "السلم الديمقراطي" الذي لا يعدو أن يكون سوى شعار بورجوازي (السلم الإجتماعية هي الوجه الآخر للحرب الإمبريالية) لنحكم على الحركة أنها ذات طبيعة بورجوازية، فهم لا يفهمون أن ممارسة البشر لا تنطبق ميكانيكيا مع وعيهم، لا بل أنهم في الغالب مايمارسون ضد وعيهم بالذات، وإلا فإننا لن نستطيع تفسير أي ظاهرة تاريخية، كما أننا ننسف أي إمكانية للثورة في المستقبل بما أن كل حركة عرفتها وتعرفها البروليتاريا كانت وستكون تحت يافطات وشعارات لا تعكس بالضرورة طبيعة تلك الحركة (أ لم يقل ماركس أنه لو كان ظاهر الأشياء مطابق لباطنها لأنتفت ضرورة العلم).
صحيح أن المجالسيين محقون في نفي أي طابع إشتراكي للإقتصاد الروسي بعد إنتفاضة1917، وهم محقون في رفض أي إمكانية لبناء إشتراكية في بلد واحد أو مجموعة من البلدان، فقانون القيمة لا يمكن كسره إلا عالميا، كما أنهم محقون في رفض القول بوجود الإشتراكية مع وجود أصناف رأسمالية أخرى مثل النقد، التبادل، العمل المأجور. وبهذا المعنى فإنهم محقون في نفي تسمية الموجة الثورية1917-1923 ثورة إشتراكية. في المقابل فإنهم يخطئون في نفي الطابع البروليتاري الثوري لهذه الموجة. خطأهم ذاك ناتج عن كونهم يرون لحركة الطبقة العاملة كنموذج "مجالسي" ذهني، إيديولوجي، وهم بذلك يعدمون كل حركة عمالية لا تنسجم مع هذا النموذج. حركة الثورة، بالنسبة لهم، ليست حركة تناقضية، صراعية بين خط الثورة وخط الثورة المضادة، بل خط مستقيم، يتطابق فيه الشعار مع الممارسة، ووعي الناس مع حركتهم الفعلية.
هناك مواقف وسطية مثل موقف اليسار الشيوعي المسمى "إيطالي" وخاصة موقف بورديغا، كذلك مواقف العديد من المجموعات الشيوعية الأخرى مثل التيار الشيوعي الأممي
CCI ومجلة "BILAN" وغيرهم ممن يتأرجحون بين موقف التصفية وموقف التضخيم. وهذا وضع طبيعي بإعتبار وأن أخذ موقف محدد من موضوع "الثورة الروسية" ليس مسألةدراسة تاريخية أو تجميع معطيات دقيقة فقط، بل هو بالأساس مسألة منهجية وافتراق بين المنهج الجدلي التاريخي (أي الممارسة الإجتماعية للبروليتاريا) والمنهج الستاتيكي البورجوازي والبورجوازي الصغير.
سنحاول في الجزء القادم والأخير استخلاص الدرس الذي نراه الأهم في ثورة أكتوبر من خلال رسم الخط الفاصل بين ما يسمى بالثورة "البورجوازية" والثورة الإشتراكية.
( 1) اللينينية وضد-اللينينية (أيضا الحزبية وضد-الحزبية) هما وجهان لإيديولوجيا واحدة تنظر للتاريخ لا من زاوية الواقع الملموس بل من زاوية الأفكار الإيديولوجية لهذا المفكر أو ذاك، كما تنظر للثورة وكأنما هي مسألة أشكال، لا مسألة ممارسة تارخية حية.

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الثالث

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2444 - 2008 / 10 / 24

الحزب الإشتراكي الديمقراطي الروسي كان أحد فروع الأممية الثانية، بل يمكن اعتباره، خاصة بعد 1905، أحد أهم أحزابها بعد الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني، وعلى عكس الأسطورة الستالينية فإن الحزب الإشتراكي الديمقراطي الروسي لم يقم بتلك القطيعة التاريخية الجذرية والنهائية مع هذه الأممية. ففي 1905وفي اطار سجاله مع بيير ستروفيه يقول لينين ردا على اتهام موجه له في علاقته برمزي الإشتراكية الديمقراطي الألمانية بيبل وكاوتسكي: "أين ومتى سميت "انتهازية" ثورية بيبل وكاوتسكي؟ متى وأين برزت اختلافات في وجهات النظر بيني من جهة وبين بيبل وكاوتسكي من جهة أخرى". وفي1907في مؤتمر شتوتغارد أكد لينين أن "الإشتراكية الديمقراطية الألمانية هي التي ساندت دائما وجهة النظر الثورية في الماركسية". وفي1913في مقال بجريدة البرافدا مخصص لرثاء أوغست بيبل يقول لينين: "لا أحد تمثل الملامح والمهام الخاصة بهذه المرحلة بطريقة حيويةكأوغوست بيبل... انه زعيم عمالي نموذجي، شارك في النضال الجماهيري للعبيد المأجورين من أجل نظام أفضل لمجتمع انساني".والى حدود4أفريل1914 كان لينين لايزال يمجد "المزايا الكبيرة للإشتراكية الديمقراطية" و"نظريتها الماركسية المصهورة في مجرى النضال" و"منظماتها الجماهيرية، جرائدها، نقاباتها، جمعياتها العامة...".وحتى عندما صدر خبر تصويت نواب هذا الحزب في البرلمان لصالح رصد الميزانية الخاصة بالحرب، فان لينين كان قد اعتبر ذلك تشويها ودعاية مغرضة ضد حزب الطبقة العاملة، وواصل تمسكه بضرورة عدم القطع مع الأممية الثانية بدعوى وحدة الحركة العمالية.
عندما أصدر لينين نصه المشهور "المرتد كاوتسكي..." واعلانه افلاس الأممية الثانية، فانه اضافة لكون قطاعات واسعة داخل البلاشفة (فرع البلاشفة في باريس مثلا) كانت قد انخرطت عمليا في الترويج للحرب الإمبريالية وتجنيد البروليتاريا تحت شعار "الدفاع عن الوطن"، "الدفاع عن الحضارة ضد البربرية الروسية-الألمانية" فانه عمليا لم يذهب في عملية قطع تنظيمي مع هذه الأممية، ولم يصدر دعوة واضحة للمجموعات اليسارية داخل الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني (ليبنيخت، لوكسمبورغ) الى القطع مع هذا الحزب وتشكيل تنظيم جديد. نحن نعرف أن الأممية الثالثة لم يتم بناؤها الا بعد خمس سنوات من تلك القطيعة المزعومة (من أجل الدفاع عن الوطن الإشتراكي) وتغيير اسم الحزب لم يتم التفكير فيه الا في نيسان1917.
القطيعة مع الإشتراكية الديمقراطية الألمانية تمحورت أساسا حول الموقف من الحرب الإمبريالية، ولعل هناك ما يفسر السهولة النسبية التي استطاع بها الموقف اللينيني(1) أن يجد صدى واسعا في صفوف البلاشفة في روسيا، ذلك أن الإشتراكية الديمقراطية الروسية كانت تعتبر القيصرية نظاما همجيا في مقابل الحضارة الرأسمالية المتطورة في أوروبا( 2) وهذا ما جعل "الإنهزامية الثورية" من ناحية الجبهة الروسية تبدو منسجمة مع هذه الرؤية، وهذا أيضا ما يفسر موقف فرع البلاشفة في باريس المناقض لهذا الموقف اللينيني.
لينين لم يقطع مع البرنامج التاريخي للإشتراكية الديمقراطية. فقد بقي يعتبر الثورة "الروسية" ثورة بورجوازية ديمقراطية، وأن مهمة الثورة هي تطوير الرأسمالية واللحاق بالأمم المتقدمة. حتى في موضوعات نيسان حافظ لينين على جوهر هذا الموقف البرنامجي. صحيح أن قطاعا من البلاشفة قد قام بنشاط ثوري واسع طيلة الفترة الممتدة من فيفري الى أكتوبر، على رأس القطاعات البروليتارية الثورية وفي قطيعة وصراع مرير ضد الأغلبية البلشفية (أغلبية اللجنة المركزية للحزب كانت ضد الإنتفاضة المسلحة ومع انتظار انعقاد المجلس التأسيسي، ولينين كان قد راوح موقفه بين ما أسماه بسياسة اقناع العمال داخل السوفياتات لحيازة الأغلبية وبين الإنخراط في ما كانت الجماهير قد بدأت فيه عمليا، أي تدمير الدولة البورجوازية بقيادة كيرنسكي. زينوفيف الذي سيكون لاحقا رئيس الأممية الثالثة كان قد عمل كل تلك الفترة لإفشال الإنتفاضة المسلحة بل ووصل الى حد الوشاية العلنية برفاقه .... هذا لم يمنع بقاءه في اللجنة المركزية للحزب...؟.) هذا النشاط وعمليات الفرز داخل البلاشفة هي ما جعل الإنتفاضة تنجح، لكن ذلك لم يمنع من أن كل الإجراءات التي اتخذها البلاشفة مباشرة بعد انتصار الإنتفاضة كانت تصب في دعم الرأسمالية (ما يسمى برأسمالية الدولة كمرحلة ضرورية نحو الإشتراكية) واعادة بناء الدولة البورجوازية (اعادة ادماج الخبراء الإقتصاديين والإداريين الكبار والكثير من القيادات العسكرية السابقة...) ولعل ما يفسر أن المعارضة سواء داخل الحزب البلشفي أو خارجه لم تنهض ضد هذه الإجراءات (الإقتصادية منها خاصة) التي كانت انعكاسا للعزلة العالمية للثورة وفشلها في الإمتداد في الوقت الحاسم، أن هذه الاجراءات كانت تبدو منسجمة مع مقولة انجاز "المهام الديمقراطية البورجوازية" التي كانت تحوز على اجماع كبير داخل الأوساط الإشتراكية الديمقراطية، لذلك فان هذه المعارضة، ورغم ما قامت به خاصة في مواجهة اتفاق صلح بريست، فانها بقيت أسيرة البرنامج الإشتراكي الديمقراطي القاضي بضرورة انجاز المهام الديمقراطية البورجوازية (اي تدعيم الرأسمالية) كمقدمة ضرورية للبدء في البناء الاشتراكي، لا بل أن هذه المعارضة قد سقطت في كثير من الأحيان في أوهام "دمقرطة" الإنتاج والحياة السياسية... بما أفقدها جذريتها ومنع امكانية تبلور خط شيوعي ثوري مناهض للسياسة الرأسمالية للبلاشفة، ولعل ذلك يمكن تفسيره أيضا بميزان القوى العالمي الذي كان يميل يوما بعد يوم لصالح الثورة المضادة، وعزل آخر المعاقل البروليتارية خاصة من خلال وأد انتفاضات كل من ألمانيا، ايطاليا، أوكرانيا، كرونستاد....الخ
1 ) بخصوص هذا الموقف مثله مثل العديد من المواقف الأخرى (مثل الموقف من ضرورة تدمير الدولة البورجوازية لا الإستيلاء عليها) فان لينين قد تراجع عنه مباشرة بعد الوصول الى السلطة، وتحول شعار "الإنهزامية الثورية" الى شعار "الدفاع عن الوطن الإشتراكي" ومن "تحويل الحرب الإمبريالية الى حرب ثورية" الى عقد صلح بريست-ليتوفسك
2 ) هذه الرؤية هي ما يفسر أيضا عنفية الجناح الروسي للإشتراكية الديمقراطية في مقابل سلمية الجناح الألماني وتعايش هاتين النزعتين المتناقضتين جنبا الى جنب

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الثاني

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31

2 ) حول "المهام الديمقراطية البورجوازية":
- أولا، تنطلق الإشتراكية الديمقراطية من رؤية ميكانيكية غائية للتاريخ. فالتاريخ بالنسبة لها خط صاعد تطوري من حالة دنيا (المشاعة البدائية) الى حالة عليا (الشيوعية) كلاهما إفتراضان نظريان وبناءان ذهنيان (الثاني من صنع ماركس)، مرورا بمراحل متتالية بانتظام وميكانيكية: المشاعة، فالعبودية، فالإقطاعية، فالرأسمالية وصولا الى الغاية النهائية للتاريخ: الشيوعية. طبعا، وفي هذه اللوحة الخماسية الستالينية الشهيرة، لا مكان للفجائيات، للهزات العنيفة، للإنقلابات النوعية، للإنكسارات والعودات. وبما أن هذه المراحل التاريخية هي بمثابة قدر غاشم وصراط مستقيم تمر فوقه كل البشرية صاغرة، وباعتبار أن هذه المتتاليات التاريخية ينظر لها من زاوية قطرية (كل قطر يجب أن يكون قد مرت عليه المراحل التاريخية المذكورة) فان مهمة البروليتاريا والشيوعيين هي رتق الفراغات التي تركها التاريخ خلفه في هذا القطر أو ذاك، وإنجاز ما يفترض أن تنجزه طبقات أخرى، أو لنقل أن مهمة البروليتاريا هي القيام بما لم تقم به الطبقات الأخرى (البورجوازية خاصة) تحضيرا لإنجازها لمهمتها الخاصة (الثورة الإشتراكية). طبعا، فإن خطل هذه الرؤية الميكانيكية وتناقضها التام مع المادية التاريخية واضح، كما أن معاينة تاريخية بسيطة تفند هذه الرؤية الداروينية للتاريخ. ذلك أننا نعرف الآن، أن هناك العديد من المناطق في العالم لم تمر بمراحل مثل العبودية أو الإقطاعية (شعوب القارة الأمريكية) وأن هناك شعوبا قد عرفت أنماط إنتاج من خارج هذه اللوحة الخماسية (نمط الإنتاج الآسيوي في الصين، نمط الإنتاج الجرماني...) بل أن العبودية لاتزال موجودة في أرقى البلدان الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية) كل هذا يجعل من مقولة أنه يجب على كل قطر (مأخوذ بمعزل عن كلية النظام الرأسمالي) أن يمر حتميا بمرحلة إسمها "المهام الديمقراطية البورجوازية" أي الرأسمالية طبقا لنموذج نظري (صناعات ثقيلة، أغلبية من السكان الصناعيين وتعميم العمل المأجور، المكنكة والتطور التكنولوجي، مع بعض التوابل البرلمانية والإنتخابات...) يجعل منها مقولة ميكانيكية، قدرية هي لب المنهج الستاتيكي البورجوازي والبورجوازي الصغير.
_ ثانيا، أن الإشتراكية الديمقراطية تنطلق من وجهة نظر الإقتصاد الوطني، من وجهة نظر قطرية، حيث رأس المال ينظر له كظاهرة قطرية، قومية، إقليمية أو محلية. لذلك فإن تتبع مسار تطوره التاريخي لا يتم باعتباره ظاهرة تاريخية عالمية، أي مستويات تطور هيمنته واستيعابه لكل النشاط البشري وتحويله الى كيان موحد يتجانس أكثر فأكثر ويتوحد أكثر فأكثر. بل كتطور قطري، قومي، إقليمي أو محلي. أي أن الإشتريكية الديمقراطية لا تنظرانمط الإنتاج الرأسمالي كنمط إنتاج عالمي النشأة، عالمي التطور، بل ان عالميته (وهذا مالا تستطيع إنكاره) هي مجرد تجميع لأجزاءه المبعثرة والمتنافرة. فليس راس المال بالنسبة لها هو الذي يصنع الأوطان والقوميات والدول، بل العكس.
وبما أن الإشتراكية الديمقراطية تنفي عالمية رأس المال، فإنها بالضرورة مضطرة لنفي البروليتاريا كطبقة عالمية، وبالتالي فإنه ليس للبروليتاريا برنامج عالمي موحد، والأممية العمالية، بالنسبة للإشتراكية الديمقراطية (على نقيض ماركس والأممية الأولى) هي تماما مثل رأس المال، مجرد تجميع عددي للأحزاب الإشتراكية الديمقراطية (الشيوعية) الوطنية. ولذلك أيضا فإنه يتم تحديد طبيعة الثورة ("الروسية" مثلا، وهنا يتضح أننا لا نستطيع الحديث من زاوية البروليتاريا عن ثورة "روسية" أو "ألمانية" أو غيرها. فالثورة البروليتارية عالمية أو لا تكون) انطلاقا من هذا القطر أو ذاك، وليس انطلاقا من كلية النظام الرأسمالي. وفي الواقع، واذا ما انطلقنا من زاوية النظر هذه، فاننا سنجد دائما "مهاما ديمقراطية بورجوازية" للإستكمال في أكثر البلدان تطورا كما في أكثرها تخلفا. ولعل هذا ما يفسر أن الثورة الإشتراكية لم تعد موجودة في برامج الإشتراكية الديمقراطية العالمية الا كهدف بعيد، كبرنامج "الحد الأقصى"، كمهمة تسبقها مهام أخرى (تتبدل وتتغير من فصيل الى آخر) الثورة الإشتراكية مجرد ديباجة لتزيين برامج هذه الأحزاب، مجرد "إيتيكات" إيديولوجية لا مجموعة مهام مباشرة وآنية. وبهذا الإعتبار أيضا فإن رؤية تروتسكي نفسه، التي كانت تعتبر ممثلة لليسار البلشفي، تلك التي تلحق المهام الديمقراطية البورجوازية بالثورة الإشتراكية (الثورة الدائمة) ليست سوى فرع راديكالي للإشتراكية الديمقراطية، ومقولة إيديولوجية استطاعت تبرير كل الإجراءات ذات الطابع البورجوازي التي قام بها البلاشفة عند وصولهم للسلطة.
- ثالثا، تنطلق الإشتراكية الديمقراطية من رؤية مثالية للمهام الديمقراطية البورجوازية، فيتم تصويرهذه المهام لا كما هي في الواقع (أي ما تقوم به البورجوازية يوميا: الإصلاح والإصلاح الذاتي للرأسمالية) بل كمجموعة وصفات ذهنية غير قابلة للتجسيد عمليا. المهام الديمقراطية البورجوازية، من منظور الإشتراكية الديمقراطية، هي بالضبط تلك الصورة التي تقدمها الرأسمالية عن نفسها لتبرير وجودها وهيمنتها على البشرية: تقدم، حضارة، علوم، رفاه، ثقافة، تقدمية....ما لا تستطيع أن تفهمه الإشتراكية الديمقراطية هو أن التقدم البورجوازي (كل الحضارة الرأسمالسة) هو في نفس الوقت تطوير لقوى الإنتاج وتدمير بربري لها، هو في نفس الوقت وصول الإنتاج الى ذرى غير مسبوقة وتدحرج القدرة الإستهلاكية الى حدود الفاجعة، هو الصناعات الكبيرة في المدن لكن أيضا كل بؤس الأرياف، هو تراكم الثروات في أياد تزداد قلة مقابل فقر يزداد توسعا ليشمل فئات اجتماعية جديدة، هو أيضا تبذير لامحدود للثروات في مجالات بلا منفعة (الأسلحة، الإستهلاك البورجوازي...)مقابل مجاعات وسوء تغذية معممين. الإستغلال الطبقي، البطالة، البؤس، الحروب التدميرية كلها وجه ملازم للتقدم البورجوازي، لا يمكن لل"مهام الديمقراطية البورجوازية" أن تتنصل من كل هذه التبعات الكارثية. وإن أفضل من يستطيع القيام بهذه المهام هي البورجوازية نفسها.
اذا ما كشفنا هذه "المهام الديمقراطية البورجوازية" على حقيقتها كما هي في الواقع، فإن كل الأحجية الإشتراكية الديمقراطية ستجد حلها. فهذه الأخيرة، وتأسيسا على اليوطوبيا الرجعية بامكانية إنجاز تقدم وتنمية رأسمالية (وطنية) بدون تناقضات الرأسمالية المستعصية، بدون الوجه الكارثي الملازم (أي رأسمالية بدون بروليتاريا وهذا هو بالضبط الحلم البورجوازي المستحيل) ببساطة لأنها تنسب كل الفضاعات المصاحبة للنظام الرأسمالي إما الى أنماط إنتاج ماقبل رأسمالية (اقطاعية، متخلفة، استبدادية، قروسطية...) (مثلا يتم نسب البؤس المدقع في الأرياف الى بقايا اقطاعية..) أو الى مناطق جغرافية محددة (الشرق، الجنوب، العالم الثالث..) أو الى مرحلة تاريخية محددة (المرحلة الإمبريالية، المرحلة الإنحدارية للرأسمالية..) أو الى إنحراف وتشوه في المسار التقدمي لرأس المال (يمينية، نازية، فاشية...) بحيث تتحول "المهام الديمقراطية البورجوازية" الى رأسمالية مصفاة، مستقطرة من كل مساوئها، رأسمالية ليس فيها سوى تطوير وسائل الإنتاج والتقدم التقني ومراكمة الثروات وكل السعادة البورجوازية الإشهارية، وتأسيسا على كل هذا الوهم البورجوازي الصغير تتحول كل حركة البروليتاريا لا لتدمير السبب الجذري لبؤسها (وبؤس البشرية) ألا وهو النظام الرأسمالي (القيمة، العمل المأجور، الملكية الخاصة، النقد...) بل لدعم هذا النظام بالذات واعادة انتاجه. وفي غالب التجارب (كما في روسيا) سريعا ما يتحول الحزب الإشتراكي الديمقراطي القائد الى متصرف جديد في رأس المال، الى بورجوازية جديدة متجددة سواء باسم الإشتراكية أو الشيوعية أو الديمقراطية الشعبية... وحتى أكثر العمال ثورية ممن يعتقدون أنه بمقدورهم ادارة رأس المال لصالح البروليتاريا (لصالح الشعب...؟) يجدون أنفسهم (بوعي أو بلاوعي) قد تحولوا الى عبيد للربح والربح الأقصى، للمردودية الإقتصادية، لقانون القيمة، للمنافسة الإقتصادية وملحقها الضروري: الحرب الإمبريالية.
هذا هو جوهر البرنامج الإشتراكي الديمقراطي العالمي، فهل أنجز البلاشفة تلك القطيعة التاريخية عن هذا البرنامج وعن ممثله الأول: الأممية الثانية؟ هذا ما سنناقشه في الجزء القادم.

ثورة أكتوبر بين الأوهام الإيديولوجية والحقيقة التاريخية - الجزء الأول

أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 2443 - 2008 / 10 / 23

كل الأدب الإشتراكي الديمقراطي الرسمي (بما في ذلك المسمى شيوعي) يقيم معارضات تبدو عميقة وقطعية سواء بين البلاشفة والمناشفة، أو بين الإشتراكية الديمقراطية الروسية والإشتراكية الديمقراطية العالمية (بزعامة وقيادة الإشتراكية الديمقراطية الألمانية) وتقوم هذه المعارضات عادة على مقولة الخيانة والردة: خيانة الأممية الثانية، ردة كاوتسكي، خيانة المناشفة للثورة ....
لكن لو تفحصنا عن قرب، وبتمعن، بعيدا عن الأساطير المؤسسة لهذه الإستقطابات الإيديولوجية، لوجدنا:
- أن البرنامج العام للإشتراكية الديمقراطية (كحزب تاريخي للثورة المضادة) إنما كان ، ومنذ تاسيسه الأول في ما يسمى بالوحدة بين الجناح الماركسي والجناح اللاسالي، برنامجا إصلاحيا، والنقيض التاريخي للبرنامج الشيوعي الثوري ( 1 )
- أن ما يسمى بخيانة الأممية الثانية أو ردة كاوتسكي عند إندلاع الحرب الإمبريالية الأولى، لم تكن سوى تواصل وإمتداد طبيعي للبرنامج الإشتراكي الديمقراطي، أي برنامج البورجوازية الموجه للعمال.
- أنه وبغض النظر عن التذبذبات، ودرجات الوضوح في عملية الحسم، فإن ماركس وإنجلز (كممثلين للبرنامج الشيوعي الثوري) قد كانت قطيعتهما مع البرنامج الإشتراكي الديمقراطي جذرية وكلية، بحيث أن من يقرأ مثلا "نقد برنامج غوتا" أو بعض الرسائل الخاصة لكل من ماركس وإنجلز حول موضوع علاقتهما بالإشتراكية الديمقراطية، يستطيع أن يرى بوضوح عمق القطيعة بين هاذين الخطين.
نستطيع أن نرى بوضوح جانب الأسطرة والتضخيم في ما يعرف بالقطيعة "التاريخية" التي أنجزتها الإشتراكية الديمقراطية الروسية (مناشفة وبلاشفة) و"الإفلاس التاريخي" للأممية الثانية الذي عادة ما يتم إرجاعه لسنة 1914 من خلال رصد الموقف الإشتراكي الديمقراطية العام من طبيعة "الثورة الروسية" وموقف البلاشفة سواء قبل موضوعات نيسان أو بعدها.
1 ) حول طبيعة "الثورة الروسية":
قبل أن يصدر لينين موضوعات نيسان الشهيرة، كان هناك إتفاق عام داخل الأوساط الإشتراكية الديمقراطية على أن روسيا بلد متخلف، وأن العلاقات الرأسمالية (منظور لها من زاوية قطرية) لم تبلغ فيها درجة التطور والنضج الذي بلغته في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وأن نمط الإنتاج الرأسمالي يتعايش مع أنماط الإنتاج الماقبل رأسمالية. ولهذا الإعتبار فإن كل التيارات المختلفة داخل الإشتراكية الديمقراطية كانت تعتبر أن المهام الديمقراطية البورجوازية لم يتم إستكمالها وبالتالي فإن الثورة القادمة ذات طبيعة بورجوازية وأن دور البروليتاريا فيها هو مساندة (أحيانا تسمى مساندة نقدية) البورجوازية أو دفعها للقيام بإنجاز هذه المهام الديمقراطية التي تعتبر مرحلة تاريخية ضرورية، لا يمكن القفز فوقها، من أجل الوصول إلى الإشتراكية. وهذا ما يعني عمليا أن الإشتراكية الديمقراطي كانت تعتبر ضمنيا نفسها يسار الثورة البورجوازية المنتظرة.
الخلاف بين البلاشفة والمناشفة لم يكن حول هذه الطبيعة البورجوازية للثورة، بل كان حول دور البروليتاريا فيها. ففي حين كان المناشفة يعتبرون أن على البروليتاريا أن "تساعد" البورجوازية في قيامها بثورتها من خلال الدخول معها في ما يشبه الجبهة ضد القيصرية وعدم "إفزاع" هذه البورجوازية لكي لا ترتد عن الثورة وترتمي في أحضان القيصرية. فإن البلاشفة كانوا، في مرحلة أولى، يعتبرون أن دور البروليتاريا هو نوع من "صمام أمان" الثورة أو محركها الذي يحاصر البورجوازية ويفضح ترددها وجبنها ونزوعها نحو المساومة مع القيصرية، أي أن البروليتاريا تناضل من داخل "الثورة" (داخل المجلس التأسيسي، المشاركة ضمن الحكومة المؤقتة، داخل السوفياتات كمعارضة ....) من أجل دفع هذه الأخيرة الى أقصى أهدافها، أي إنجاز المهام الديمقراطية البورجوازية طبقا لنموذج الثورة الفرنسية وتحويل روسيا الى دولة متقدمة على شاكلة ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية (هاذان نموذجان للتطور الرأسمالي بالنسبة للينين). في مرحلة ثانية ومع صعود موجة الإحتجاجات العمالية ضد الحرب الإمبريالية، فقد إندفع البلاشفة الى اليسار أكثر (على يد لينين وبتأثيرات تروتسكي) لكن بالحفاظ على المقولة الجوهرية للإشتراكية الديمقراطية: ضرورة إنجاز المهام الديمقراطية البورجوازية كشرط ماقبلي للتحول الإشتراكي، فبعد مقولة إنجاز الثورة الديمقراطية من خلال تحالف البروليتاريا مع البورجوازية التقدمية والفلاحين، تحول البلاشفة الى مقولة إنجاز الثورة الديمقراطية من خلال تحالف البروليتاريا مع الفلاحين الفقراء (الديمقراطية الشعبية) بإعتبار وأن البورجوازية (بنظر البلاشفة) كشفت عن عجزها عن قيامها بمهامها التاريخية. أما في المرحلة الثالثة وتحت ضغط إنتفاضة فيفري والوضع السياسي الجديد الذي خلقته (ثنائية السلطة بين الحكومة المؤقتة وسوفياتات كل من بطرسبورغ وموسكو) فقد تحول البلاشفة ( 2) الى موقع أكثر راديكالية من خلال موضوعات نيسان التي إقترب فيها لينين من مواقف تروتسكي السابقة والإقرار بأن الثورة هي "ثورة إشتراكية" وأن هذه الثورة ستنجز المهام الديمقراطية في طريقها. ولقد تم إعتبار هذا الموقف قطيعة مع الإشتراكية الديمقراطية بما دفع لينين الى الدعوة لتغيير إسم الحزب من إشتراكي ديمقراطي الى شيوعي.
يتبين إذا، أنه بغض النظر عن الخلاف حول ما إذا كانت الثورة البورجوازية المنتظرة مهمة من مهمات البورجوازية كما يقول المناشفة والإشتراكية الديمقراطية الألمانية أو أنها مهمة تحالف طبقي واسع (بروليتاريا، فلاحين، بورجوازية تقدمية، بورجوازية صغيرة) كما كان يقول البلاشفة في مرحلة أولى، أو هي مهمة تحالف طبقي أضيق (بروليتاريا، فلاحين) تحت شعار الديكتاتورية الديمقراطية للبروليتاريا والفلاحين، أو هي مهمة ملحقة بالثورة الإشتراكية، مثلما تقول موضوعات نيسان، فإن ما يجعل من جوهر الإشتراكية الديمقراطية واحد، ويكذب أسطورة القطيعة التاريخية التامة، هو هذه المهام الديمقراطية البورجوازية التي تلاحق كل الإشتراكية الديمقراطية كلعنة تتوارثها جيلا بعد جيل، حتى أننا، وفي هذا العالم حيث الرأسمالية (بمهامها الديمقراطية) لم تكتف بالكرة الأرضية كمجال لتدخلها بل شرعت في تصدير كارثتها الى الفضاء الخارجي والكواكب الأخرى، مازال هناك من الإشتراكيين الديمقراطيين من "يناضل" من أجل "مهام ديمقراطية بورجوازية" لا تريد أن تكتمل...
كل سر الإشتراكية الديمقراطية وبرنامجها الإصلاحي يكمن في مقولة "المهام الديمقراطية البورجوازية": فماهي هذه المهام الديمقراطية المزعومة؟ ما هو الفرق بين حقيقتها الفعلية وبين أسطرتها على يد الإشتراكية الديمقراطية؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في الجزء الثاني.
( 1) الأجيال المتعاقبة من البروليتاريين التي تربت على أسطورة القطيعة بين فرعي الإشتراكية الديمقراطية الروسية والألمانية، من الصعب أن تجد فيها اليوم من هو على إستعداد لتصديق تلك الحقيقة البسيطة والبديهية: ألا وهي أن برنامج الحزب الإشتراكي الروسي لا يمثل سوى نسخة (بمصطلحلت وتعابير جديدة) عن برنامج غوتا بالذات، أي البرنامج الأصلي للإشتراكية الديمقراطية
(2 ) إذا أردنا الدقة فإن التحول كان قد شمل قسما أقليا من البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي

الخميس، 17 مارس 2011

كوردستان دەتوانێت ئێران و توركیاو سوریایش بەدوای خۆیدا بەكێش بكات

ئەنوەر نەجمەدین:








هیچ مبالغە ناكەین ئەگەر بڵێین: رۆڵی ڕاپەرینی كوردستان لە ئاست ئێران و توركیاو سوریادا، دەتواێت هەمان رۆڵَی ڕاپەرینی تونس بێت لەئاست دەستەلاتدارانی میسرو لیبیاو بەحرێن ویەمەن و عیراقدا. راپەرینی كوردستان مەترسیەكی گەورەی بەردەم دەستەلاتدارانی وولاتانی دەوروبەرە. بۆیە نەك هەر دەستەلاتدارانی كوردستان، بەلكو دەستەلاتدارانی دەوروبەر هەموویان، مەترسی پەڕینەوەی پریشكی ئەو راپەرینەیان هەیە بۆ وولاتەكانیان.

بە پێچەوانەی سەدەی رابووردووەوە، لەم سەدەیەدا، مەترسیی بەردەم دەستەلاتداران لە هەموو جیگایەك، هەروەك مەترسیی ئاگر كەوتنەوەیە لە دارستانێكی ووشكدا بەنزینی پێدا ڕژا بێت. قوولبوونەوەی تەنگوچەڵەمەی ئابووریی جیهانی، قوولبوونەوەی دەردە كۆمەلایەتیەكانە. دیارترینی ئەو دەردانە، بێكاری وكەمدەرامەتی و گیروگرفتی خانووبەرەیە كە هەموو سووچێكی ئەم دونیا بەرینەی گرتۆتەوە بە ئیران و توركیاو سوریایشەوە. بۆیە تا دێت شەری سەرشەقامەكان توندتر دەبنەوە، پەلاماردان و پێكاكێشان و رووبەرووبوونەوەی دەستەلات، فراونتر دەبن. وە هەر یەكێك لەو پەلامارانە، چەندانی لە چەشنی خۆیان، بەكێش دەكەنە گۆڕەپانی ناكۆكیە كۆمەلایەتیەكانەوە.
بۆیە زۆر ئاساییە، راپەرینی كوردستان لە فراوانبوونیدا، وولاتانی دەوروبەریش بگرێتەوە. بۆیە دەستەلاتدارانی ئەو وولاتانە هەموویان، بەتایبەت ئێران كە بەردەوام جموجووڵی شۆرشگیری تیایا دەچێتە سەرەوە، بەچاوێكی پڕ لە كینەوە دەرواننە راپەرینخوازانی كوردستان و زۆر دلخۆشیش دەبن بە بەر تەسككردنەوەی راپەرینی كوردستان و بەند كردنی لە بەرژەوەندی دەستەلات. ڕێ گرتن لە بلاوبوونەوەی ئاگری راپەرین بە شارەكانی تری كوردستاندا، لە هەمانكاتدا ڕێ گرتنە لە بلاوبوونەوەی ئەو ئاگرە بە وولاتە دراوسێكاندا كە ئێران و توركیاو سوریان. كوردستان لە هەر هەڵكشانێكی گەورە تری شەپۆلەكانیدا، عەرشی سیاسی هەموو ئەو وولاتانە دەلەرێنێتەوە، كە ئەوە خۆی بۆ خۆی بەشداریەكی گەورەیە لە پێشخستنی خەباتی سەرجەم شۆرشگێرانی ئەم دونیایەدا.
فراوانبوونێكی لەو جۆرە سەپاندنی یەكجارەكیی ئیرادەی جەماوەری راپەریوی كوردستان خۆیەتی بەسەر ئیرادەی تێكشكاوی دەستەلاتدا. بۆیە تا دێت بایەخی مێژوویی ئەم بزووتنەوەیەو قراوانبوونی، گەورەو گەورەتر دەبێت.
ڕێگرتن لە راپەرینی 17 شوبات، رێگرتنە لە بەر فراوانبوونی بزووتنەوەی جەماوەریی لە تەواوی ئەم ناوچەیەدا. وەختدان بە دەستەلات بۆ خۆچاككردن، وەختدانە بە خۆ ئامادەكردنی هیزە پۆلیسیەكانی ئەم ناوچەیەو پلانی هاوبەشیان بۆ تێكوپێك شكاندنی هەر هەوڵێكی داهاتوو بۆ فراوانبوونی بەری راپەرین.
فراوانبوونی هەر هێزێكی جەماوەریی لە هەر جێگایەك، فراوانبوونی بەری بزووتنەوەی جەماوەریە لە هەموو جێگاكانی تر، سەركەوتنی هەر هێزێكی جەماوەرییش لە هەر شوێنێك، لای كەم سەركەوتنێكی مەعنەویە بۆ هەموو هیزەكانی تری سەر شەقامەكان. بۆیە ڕاگرتنی هێزی جەماوەریی كوردستان بەبیانووی وەلامدانەوەی دەستەلات، هەوڵێكە بۆ تێشكانی بزووتنەوەیەك كە دەمێكە پەنگدەخواتەوە. دەبێت ئەو بزووتنەوەیە روو بكاتە مانگرتنی سەرتاسەری و پیكهێنانی ئەنجوومەنی سەرتاسەری بۆ رێكخستنی خەباتی سەرتاسەری.
زۆر دڵنیا بن: هەروەك چۆن هیچ هێزێك ناتوانێت ڕێ لە تەقینەوەی گڕكانێك بگرێت، ئا بەو جۆرە هیچ هێزێكیش ناتوانێت بەر لە تەقینەوەی راپەرینی جەماوەریی بگرێت، بەتایبەت جەماوەرێكی بریندار.
ئا لێرەوەو لەبەر رۆشنایی ئەم دەست نیشانكردنەدا، جارێكی تریش بانگ لە ئۆپۆزیسیۆن دەكەین: یەكلایی كردنەوەی هەڵوێست بۆ پاراستنی یەكڕیزیی جەماوەر، هەنگاوی یەكەمی سەركەوتنە. مۆڵەتدان بە دەستەلات، زەمینەسازیە بۆ سەركەوتنی دەستەلاتداران بەسەر ئیرادەی یەكگرتووی جەماوەردا. بۆیە كشانەوە لە پارلەمان، هەنگاوی یەكەمە بۆ پارچە نەكردنی بزووتنەوەی جەماوەریی. دەستەلات لەبەردەم جەماوەرێكی یەكگرتوودا، بە تەواوی كووڕبۆتەوە. وە ئەم چەند هەفتەیەی دواییش دەیسەلمێنن دەستەلات هیچی لە توانادا نەماوە مناوەرە نەبێت. قەتیس كردنی جەماوەریش لە گۆرەپانێكدا، زەمینەسازیە بۆ سەركەوتنی دەستەلات لە مناوەرەكانیدا، دەستەلاتێك كە ئیدارە دەگۆرێت بە پلەوپایەی سیاسی و بەكاری دێنێت بۆ مەبەستێكی فاسد و تالانكردنی چینە هەژارەكانی كۆمەلگا، ئەمە لە كاتێكا كۆمەلگا، پیویستی بە ئیدارەیەكە كاروباری رۆژانەی بۆ رێكبخات نەك بیچەوسێنێتەوە.
ئیستا ئیتر دەنگی راپەرینی كوردستانیش بە قوولایی جیهاندا ڕۆچووە، سەدای سەرای ئازادی لە هەموو جێگایەك دەنگدەداتەوە، ئەو دەنگە لە قوولایی جیهانی كەمدەرامەتی و بیكاریەوە سەرچاوە دەگرێت، بەتایبەت لە جیگایەكدا كە سامانی نیشتمانی و نەتەوەیی، لە توانیادایە رژێمی دابەشكردن لە بەرژەوەندیی هەموو تاكێك لە تاكەكانی كۆمەل بسەپێنێت. بۆیە سەبارەت بە جەماوەری راپەریو، ژیاندنەوەی دەستەلات هیچ ناگەیەنێت، جەنگیكی ئینتحاری نەبێت لە پیناوی رزگار كردنی پیستەكەی دەستەلاتدا.
دەبا شەپۆلەكانی راپەرین نەكرێنە وەسیەلەیەك بۆ ئاودانی ڕەگە ووشكەكانی دەستەلات، لە كاتێكا كە ئەو شەپۆلانە لەتوانایاندایە ڕەگی بزووتنەوەی جەماوەریی لە ئێران وتوركیاو سوریایشدا ئاو بدەن. ئەمرۆ هەموو زەمینەیەكی لەبار ئامادەیە بۆ ململانێیەكی چارەنووسساز لە هەموو ئەم ناوچەیەدا. ئەمرۆ شۆرشگیرانی كوردستان، شوباتیەكان، دەتوانن ببنە پشتوپەنای هەموو هەژارانی ئەم ناوچەیە.
دەبا راپەرین لە شەقامەكانەوە تێپەڕ بكات بۆ داخستنی دەرگای كارگەكان و كۆمپانیا زەبەلاحەكان و فەرمانگەكان!
دەبا شوبات ببێتە مەشخەڵی راپەرینێكی بەرفراوان بۆ لەرزاندنەوەی عەرشی خوایی هەموو دەستەلاتدارانی ئەم ناوچەیە!

سەركەوتوو بێت راپەرینی مەزنی شوباتیەكان!


شوباتیەكان لە ئۆپۆزیسیۆن و 13 نووسەرەكە ناچن

ئەنوەر نەجمەدین:





8 شەهیدو 200 بریندار دواین دیاریی سەدەی بیستویەكە لە هەردوو ئەنجوومەنە تەشریعی وتەنفیزی ومەكتەبسیاسیەكانی حیزبە دەستەلاتدارەكانەوە بۆ خەلكی ڕاپەریوی كوردستان، ئەو دەستەلاتەی كە ئەمە یەكەمینجاری نیە بە ئاگر رووبەرووی خەلكی دەبێتەوە.
ئەی بیرتانچوو لە 2006 دا 13 كریكاری كارگەی چیمەنتۆی تاسلوجە و لە 2008 دا ژمارەیەك لە خۆپیشاندەرانی شۆرشگیری خەلیفان لە ناوچەی هەولیر، وە هەروەها هەلەبجەیەكی برینداریش، بەر گوللەكانی تالەبانی و بارزانی كەوتن؟ ئەی بیرتانچوو بە هەزار گفتی رەنگاورەنگ خۆپیشاندانەكانی دەیەی یەكەمی ئەم سەدەیە دامركێنرانەوە؟ ئەی ئەمانەی ئیستا سەنگەریان لە جەماوەر گرتووە هەر هەمان دەستەلات و دامودەزگای سیاسی نین؟

پارلەمان جومگەی سەرەكیی دەستەلاتە. جەماوەریش لە بێ برواییەوە بە دەستەلات بە هەردوو ئەنجوومەنە تەشریعی وتەنفیزیەكەیەوە، ڕژاونەتە سەرشەقامەكان وخۆپیشاندانیان هەلبژاردووە. بۆیە چ بیانوویەك نەماوە بۆ ئۆپۆزیسیۆن بۆ خۆلكاندن بە كورسیە بێ كەلكەكانی دەستەلاتەوە ئەگەر ئەوان بە سیاسەتبازیەوە خەریك نین!
شوباتیەكان، واتە راپەرینخوازانی 17 شوبات، بە فرێدانی یەكەمین بەرد بەرووی هیزەكانی دەستەلاتدا، هەموو شێوە خەباتێكی پارلەمانیان كۆن كرد. وە ئیتر لەوە بەدوا گەڕانەوە بۆ شێوە خەباتی دەیەی یەكەمی ئەم سەدەیە كە خەباتی سەر شەقامەكانە.
لە 17 شوبات بەدواوە، دەبوا، هەر هێزێك خۆی لە ریزی جەماوەر دەژمێرێت، وە یان جەماوەر بە ئاژاوەگێڕ نازانێت، هەر ئەو كاتە كورسیەكانی پارلەمان جێبهێڵن و بە رەسمی بڕژێنە ریزەكانی جەماوەرەوە.

ئۆپۆزیسیۆن داوای هەلوەشاندنەوەی حكومەت دەكات، بەلام خۆی دەست لە كورسیەكان و ئیمتیازاتەكانی پارلەمان بارنادات! ئۆپۆزیسیۆن لە سێڕێیانێكدا وەستاوەو بە دەستەلات دەڵێن ئامادەین لەگەڵتان بدوێین، بە جەماوەر دەڵێن لەگەڵتانین، خۆشیان سێ قۆڵی خەریكی چپەچپی سیاسین.
ئەمانە هیچیان ئالترناتیڤی جەماوەری راپەریو نین، تەنیا ریگایش بۆ بەرزكردنەوەی ئاستی خەباتی جەماوەریی، هاتنەناو ریزەكانی جەماوەرە بەرەسمی و هیچی تر. تائیستایش تەنها دوو هەنگاو بزووتنەوەی جەماوەری چوونە پیشەوەی بەخۆوە دیوە لە دوای 17 شوباتەوە: داخستنی دەرگای زانكۆ بەرووی دەستەلاتدا لە شۆرشگیرانی زانكۆوە، وە رێپێوانی كاسبكاران بۆ بەرگری لە خۆپیشاندەران.
بەبێ گەشەیەكی نوێ لەو بزووتنەوەیەدا، خۆخواردنەوەو پاشەكشە چارەنووسمانە.

جەماوەر خۆی پارلەمانی هەلبژارد، وە هەر خۆیشی، وەك دەرئەنجامی زنجیرەیەك لە دەرس و تاقیكردنەوەی مێژوویی، بڕوای خۆیی لە پارلەمان سەندەوە. ئۆپۆزیسیۆن جاریكی تریش ئەو باوەرە بۆ دەستەلات دەگێرێتەوە، هەروەك چۆن نامەی 13 نووسەرەكە بۆ تالەبانی، هەولێكە، هەولێكی فاشل، بۆ گێرانەوەی باوەری خەلكی بە دەستەلات، خەلكێك كە هەرگیز ئامادە نابن بۆ دروستكردنی پەیكەرێك بۆ تالەبانی، وەیان هەروەك پەیكەرەكانی ستالین و سەدام، لەگەل بارزانیدا، لە ئاسمان دایاندەگرنە خوارەوە ئەگەر ئەمجارە فریای ڕاونانیان نەكەن بە هۆی ئۆپۆزیسیۆنەوە.

نە ئۆپۆزیسیۆن و نە 13 نووسەرەكە كە هەر ئۆپۆزیسیۆن خۆیانن، لە شوباتیەكان ناچن. شوباتیەكان بەسەر شەپۆلێكەوەن لە 2006 وە دەست پیدەكات و تادێت لە هەلكشاندایە، چونكە ئەو شەپۆلە بەرهەمی كەمدەرامەتی وبیكاریە. وە ئەگەر ئەمجارەیش لە یاریە سیاسیەكاندا دابنیشێتەوە، هەلكشانی داهاتووی لە 17 شوبات بەرزتر دەبێت. وە ئەمجارە رووناكی راپەرین خۆی، رووخساری لێڵی هەموو لایەن وتاك و نووسەرێك، لە جەماوەر رووندەكاتەوە.

هەرگیز وا تێمەگەن دەتوانن یاری بە چارەنووسی جەماوەر بكەن، هەرگیز وا تێمەگەن ووشە رۆمانسیەكانتان گڕی راپەرین دادەمركێنێتەوە. نە شیعرو شانامەكانتان، نە دەستەمۆكردنی جەماوەر، مل بە خەلكی نادات، جەماوەرێك كە ئەمرۆ لە هەموو كات دەولەمەند ترە بە دەرس و تاقیكردنەوەكانی خۆی و راپەرینخوازانی تری ئەم دونیایە، جەماوەریك كە لەژیانی واقیعی خۆیەوە فێر دەبیت، میژوو قەتابخانەیەتی نەك كتێب و تیۆریە بێكەلەكەكانی ئێوە.

ئیوە جەماوەر بە گیلۆكەو خۆتان بە مامۆستای دەزانن، ئیوە جەماوەر بە نەخویدەوارو خۆتان بە زانا دەناسێنن، ئیوە جەماوەر بە دواكەوتوو دەزانن و شیعرەكانتان بە سەرچاوەی پیشكەوتن دەناسێنن. بەلام زۆر دڵنیا بن: مێژوو بەبێ ئەو جەماوەرە نیەو نابێت و لە جێی خۆیشی ناجوولێت، ناكۆیەكانی جەماوەر لەگەل دەستەلات سەرچاوەی گەشەی مێژووە نەك شیعرو شانامەكانی ئیوە. مێژوو یان نیە یان جەماوەر دروستی دەكات، مێژوو جووڵە بەخۆیەوە نابینێت بە بێ جووڵەی ئەو جەماوەرەی ئیوە بەبێ سەوادی دادەنێن. جەماوەر لە هەژاری و تاریكی مالەكانیان و بیكاری و كەمدەرامەتیی و بێ خانووبەرەیی خۆیانەوە فێر دەبن، ئیوە لە سەقفی ژوورەكانتانەوە كە چ پەیوەندیەكی بەدونیای واقیعی ئەوانەوە نیە. ئیوە بە عاتیفەو بەزەیی مامەڵەی جەماوەر دەكەن، جەماوەر بە رقێكی ئەستوورەوە مامەڵەی ژیان دەكات، ژیانێك كە بەشی ئەو تیایا كولەمەرگیەو بەس.
ئەوە سەرچاوەی هەموو راپەرینیكی جەماوەریە، وە هەر ئەو حالەتە میژوویەیش دەرئەنجامی راپەرینی شوباتیەكان دیاری دەكات نەك رۆڵی ئۆپۆزیسیۆن و نامەی نووسەرە بێئاگاكان لە مێژوو، نامەی ئەوانەی دەیانەوێت جەماوەر لەژێر چاویلكەیەكی تاریكەوە بڕوانێتە دەستەلات، دەستەلاتیك ئەو نووسەرانە خۆیان لە سایەیدا سوودمەندن و ئێمەیش كەمدەرامەت و بێكار. بۆیە هەرگیز رێگەچارەی شوباتیەكان رێگەی چارەی ئەوان نیە.
با چاوەرێی وەلامی مێژوو بین.