شادي الشماوي
الحوار المتمدن - العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
الإمبريالية و السيدا / الأيدز فى أفريقيا
==========================
( مقتطف من كتاب " عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!")
فهرس كتاب " عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!"
- مقدمة
- الفصل الأول : عالم آخر ، أفضل ضروري
1- عبودية القرن الواحد والعشرين .
2- بيع النساء : تجارة البشر العالمية.
3- الإمبريالية و الأيدز فى أفريقيا.
4- كوكبنا يصرخ من أجل الثورة .
- الفصل الثانى : عالم آخر، أفضل ممكن: عالم شيوعي.
1- الشيوعية تصوروها بألوان حقيقية .
2- تعتقدون أن الشيوعية فكرة جيدة لكنها غير قابلة للتطبيق؟ قوموا بهذا الإختبار القصير و أعيدوا التفكير .
3- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم اليوم ؟
4- الشيوعية ليست إيديولوجيا "أوروبية" و إنما هي إيديولوجيا البروليتاريا العالمية.
5- مقياس من مقاييس تقدم المجتمع : من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة .
- الفصل الثالث: الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !
مقدمة الفصل
1- الإشتراكية و الشيوعية.
2- الثورة التى هزت العالم بأسره هزا.
3- تجربة أولى فى بناء الإشتراكية .
4- الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر .
5- القطع مع النموذج السوفياتي.
6- الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي.
7- هزيمة الصين الإشتراكية و الدروس المستخلصة للمستقبل.
8- البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية .
خاتمة : - هدف الماركسية هو الشيوعية.
الإمبريالية و الأيدز فى أفريقيا
)www.revcom.us(مقال صدر فى الأصل بالأنجليزية بموقع " الثورة "
" عمرى 14 سنة و لدي أربعة إخوة و ثلاث أخوات أصغر منى . أنا من أوغندا . أدرس فى السنة السادسة من التتعليم الإبتدائي و أتيت إلى هنا لقول شيئ عن الإيدز و مشاكله. الأيدز يعنى مرض نقص المناعة المكتسبة وهو مرض فظيع فقد تسبب فى وفاة أمى و أبى فى 1992 و قتل كافة إخوة و أخوات أبى كما قتل الكثير من الرجال و النساء فى أوغندا .
لقد أغلقت بعض البيوت لكن بيتنا لم يُغلق لأن أبى و أمى تركانى بمعية أربعة إخوة و أختين أعتنى بهم و أعتنى بجدّى كذلك إذ هو يعيش بقربنا و زوجته قد توفيت و ما من أحد يوليه العناية التى يستحق وهو طاعن فى السن له من العمر 84 سنة . فقد زوجته سنة 1992 وهو إلى ذلك كفيف و أنا الذى أعتنى بالعائلة .
الأيتام الآخرون يعيشون الحياة ذاتها حيث لا يملكون أغطية و لا يأكلون اللحم و لا يحصلون على السكر و ينامون فى الأكواخ . البعض يذهب للأكل لدى الجيران أو يحصل على وجبة طعام واحدة فى اليوم .
المعلّمون يدعوننا بالأيتام لكننى لا أريد ذلك الإسم . و أطفال آخرون أيضا لا يريدونه . إنهم يعتقدون أننا حيوانات ."
يتيم الأيدز من أوغندا
[...] لقد حرّفت أجهزة الإعلام الغربية وجهات النظر التى إقترحت بأن الشروط الإجتماعية السائدة لعبت دورا ضخما فى إنتشار وباء الأيدز .[ ...] و إنه لأمر مخزي أن نرى الشركات الصيدلية العملاقة التى سجلت خلال العقد الماضي أرباحا قياسية تعدّ ببلايين الدولارات بينما تمنع عن الملايين من البشر المساعدة و الحصول على علاج فعلي ينقذ حياتهم ، تقدم نفسها على أنها منقذة أفريقيا . على ما يبدو ليس للنفاق الإمبريالي حدود .
) HIV تبيّن الأدلّة الثابتة بأن فيروس إتش أي فى(
هو العامل المعدي الذى يسبب العدوى من فرد لآخر . بيد أن وجود وباء حول العالم –خصوصا فى القارة الأفريقية – سبب بالأساس الأوضاع الإجتماعية و ضمنها الفاقة و الإدمان على المخدرات و أفكار و ممارسات دينية رجعية و التفوّق الذكوري و ما يفرزه من ممارسات جنسية و الإضطهاد القومي و اللامبالاة المتعمدة للمؤسسات الطبية الرأسمالية حيال المرض المنتشر فى الأوساط الفقيرة .
بإختصار ينتقل المرض عبر الفيروس لكن الوباء ناجم عن النظام ، عن المجتمع الطبقي و العلاقات الإجتماعية الرجعية و فقر الناس . و الظروف التى أدت إلى إستشراء وباء الأيدز فى القارة الأفريقية مرتبطة بألف خيط بالإمبريالية و الإستعمار الجديد و الميز العنصري.
و هذا المقال سيتفحص بعض السياسات الإمبريالية ذات الصلة التى وفرت الظروف لوباء الأيدز فى أفريقيا .
كابوس أفريقي :
حول العالم، ثمة ما يقدّر ب 34.3 مليون شخص يحمل الأيدز الآن ، أكثر من 27.6 مليون فى السنة الماضية بزيادة اكثر من 16 ألف شخص مصاب فى اليوم الواحد .
أفريقيا و بوجه خاص أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، تعانى أكثر من غيرها من مناطق العالم من فيروس الأيدز . فسبعون بالمائة من الإصابات الجديدة توجد بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالرغم من أن هذه المنطقة يقطنها فقط 10 بالمائة من سكان العالم . و من ضمن الأطفال الذين سنهم أقل من 15 سنة المصابين بفيروس الأيدز ، تسعة من عشرة يوجدون بأفريقيا جنوب الصحراء . منذ بداية الوباء ، يقدّر أن 34 مليون شخص من المنطقة أصابهم الفيروس و 11.6 مليون منهم قد لقوا حتفهم بعدُ و منهم الربع من الأطفال . فى 1998 فقط ، مات مليونا أفريقي ،رجالا و نساء و أطفال بفعل أمراض متصلة بالأيدز .
لقد أعلن فى مؤتمر ديربان بجنوب أفريقيا سنة 2000 بأن فى السنوات العشر التالية ، يتوقع أن يتراجع متوسط العمر فى بوتسوانا إلى 29 و 30 سنة فى سوازيلاند و 33 سنة فى ناميبيا و زمبابوى . بدون الأيدز كان متوسط العمر سيكون حوالي 70 سنة فى تلك البلدان . و فى هذه البلدان الأربعة أكثر من ربع البالغين يحملون الفيروس . و فى بعض المناطق النسب أعلى حتى ففى دراسة سُجّل أن 59 بالمائة من النساء اللواتى يحضرن عيادات ما قبل الولادة فى ريف بايتبريدج بزمبابوى مصابات بالفيروس .
عبر العالم ، يتّمت الأيدز بعدُ 13.2 مليون طفل و 12.1 مليون منهم بأفريقيا جنوب الصحراء .
لقد مرّت فقط 17 سنة منذ إكتشاف الأيدز بأفريقيا و بعدُ قتل الفيروس أكثر من 11 مليون أفريقي جنوب الصحراء و أصاب أكثر من 22 مليون آخرين . و الفيروس يضرب بشدّة القطاع المنتج من سكان أفريقيا، شباب و كهول تتراوح أعمارهم بين 15 و 49 سنة و يحذّر الخبراء من أن الوباء لا يزال في مراحله المبكرة الأولى فحسب.
الإمبريالية و أفريقيا :
ليس الأمر عرضيا كون أفريقيا أول المتضررين بالأيدز / الأتش أي في . ذلك أن قرونا من الإستعمار و الإمبريالية دمرت القارة و لعبت سرقة الأرض و العمل و المعادن و الثروات الأخرى للقارة الأفريقية دورا حاسما فى التنمية الإقتصادية لأوروبا و الولايات المتحدة. فأثناء تجارة العبيد جرى إختطاف ملايين الرجال و النساء و الأطفال و إقتيدوا إلى الولايات المتحدة حيث شكّل عملهم الإجباري العمود الفقري للإقتصاد الأمريكي فى بداياته .
فى ندوة برلين فى 1884-1885 تمّ تقسيم أفريقيا كلّها بين القوى الأوروبية . و الندوة لم يحضرها و لو أفريقيا واحدا. و على الرغم من المقاومة الشرسة ، مع بدايات القرن العشرين فقط بلدان هما أثيوبيا و ليبيريا لم يكونا مستعمرتين بشكل تام . و قد جرت مصادرة الأرض لإقامة المزارع و إستغلال المناجم و أجبر الأفريقيون على العمل بأجور زهيدة للغاية و فى ظروف عمل تبعث على الحزن . و لقي أكثر من 10 ملايين شخص فى الكنغو حتفهم أثناء عهد الملك ليوبولد عاهل بلجيكا و ظل العديد مقطوعي الأيدي عقابا لهم على إخفاقهم فى توفير الحصص المحددة لإنتاج المطاط .
و رغم إدعاءات الإمبرياليين بأنهم كانوا يطوّرون أفريقيا ، فإن مؤشرات صحّة الأفريقيين زمن الإستعمار الأوروبي تراجعت و تناقص عدد سكان العديد من البلدان فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بين 1890 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية .
و مع أواسط السبعينات من القرن العشرين ، حصلت أغلب البلدان الأفريقية على إستقلال شكلي إذ إستمرت الهيمنة الإقتصادية للقوى الغربية . و عندما عارض زعماء وطنيون مصالح إقتصادية إمبريالية جرى القضاء عليهم . و فى الكنغو على سبيل المثال ، إغتالت وكالة المخابرات المركزية السي آي آي عهد كندى الزعيم الوطني باتريس لوممبا فى أوائل الستينات. وخلال هذه الفترة تحصلت العديد من المستعمرات الجديدة "الحديثة الإستقلال " على ديون كبيرة من القوى الإمبريالية . و لم يُستعمل المال المستعار لمساعدة شعوب تلك البلدان بل بالعكس إستُغلت القروض لإقامة البناء التحتي الضروري للإمبرياليين كي يتمكنوا من مزيد نهب ثروات البلدان و تنظيم جيوش تقمع الجماهير و تفرض الحكم الإستعماري الجديد و تملأ جيوب عملاء الإمبريالية .
و الآن ، مع بداية القرن الحادي و العشرين ، يعيش نصف الأفريقيين فى صراع مع الفاقة المطلقة ببساطة للحصول على الغذاء الكافي للبقاء قيد الحياة ليوم آخر . و يفتقر أكثر من نصف سكان أفريقيا إلى الماء الصالح للشراب و 70 بالمائة منهم لا يملكون مجاري تصريف صحية .
برامج الإصلاح الهيكلي و الأيدز :
فى العقود القليلة الماضية فرضت المؤسسات المالية العالمية مثل البنك العالمي و صندوق النقد الدولي برامج الإصلاح الهيكلي على بلدان افريقيا . و فى ظل هذه البرامج ، كان شرط القروض الجديدة أو إعادة جدولة القروض الحالية هو أن تلتزم البلدان بتخفيض الإنفاق الحكومي بشدّة و إدخال التغييرات الأخرى لكي يوجّه مزيدا من المال نحو دفع الديون .
فى الثمانينات و التسعينات ، أُمليت برامج الإصلاح الهيكلي على 42 حكومة فى أفريقيا جنوب الصحراء . و مع نهاية الثمانينات إستعملت جلّ البلدان غير المنتجة للنفط فى أفريقيا 30 إلى 70 بالمائة من عائدات صادراتها لدفع فوائد ديونها . و خلال الثمانينات خرج رأس المال بحجم أكبر من أفريقيا من رأس المال الذى دخلها . و فى إطار هذه البرامج ، بين 1960 و 1990 ، تراجع معدل دخل الفرد السنوي فى أفريقيا تقريبا ب 25 بالمائة ، من 850 دولار إلى 645 دولار .
و فى الوقت الذى يعانى فيه إلى 70 بالمائة من البالغين فى المستشفيات من الأيدز و الأمراض المرتبطة به ، كان على عديد البلدان الأفريقية أن تلتزم بقطع الإنفاق على الصحّة لكي تستجيب لشروط صندوق النقد الدولي . و فى هذه الظروف يضحى شبه مستحيل علاج المصابين بالفيروس عمليا و إنجاز حملات فعالة لتحديد السلوك الخطر جدا أو لتوفير المصادر المالية الضرورية لخوض حملة ضد إنتشار الفيروس مثل إستعمال الواقيات الجنسية أو الإبر المعقمة .
و على سبيل المثال ، فى تنزانيا – حيث نصف مليون طفل يتيم نتيجة للأيدز- تقدّر مصاريف الحكومة على الرعاية الصحية بفقط 3.20 دولار للشخص الواحد سنويا فى حين تنفق تانزانيا أكثر من ذلك بثلاث مرات على تسديد الديون كل سنة . و خلال السنوات الخمس الماضية ، تراجع الإنفاق العام على الرعاية الصحية و التعليم بحوالي 40 بالمائة فى الظروف الحقيقية فى جزء كبير منه كنتيجة لضغوطات صندوق النقد الدولي . و قد كان لهذه التخفيضات المالية المخصصة للرعاية الصحية الأثر المدمّر حيث أدت إلى جعل المراكز الصحية و المستشفيات تفتقد مقوماتها فلا تمتلك إلا بضعة عقاقير و أجهزة تعقيم قليلة كما تفتقد إلى الورق لتسجيل نتائج البحوث و الكشوفات و صارت المستشفيات غير قادرة على توفير الغذاء و ما إلى ذلك .
كان للتخفيضات فى الإنفاق على الرعاية الصحية أعظم الأثر فى المناطق الريفية البعيدة .فقد أجبر برنامج الإصلاح الهيكلي زمبابوى على تخفيض المنح الحكومية للمستشفيات الصحية الريفية و بالتالى لم يكن موظفو مستشفى موسامى قادرين إلا على زيارة نصف القرى التى كانوا يزورونها قبل التخفيضات فى المنح الحكومية . و تراجع عدد الذين تقدّم إليهم خدمات فى تلك المستشفيات ب 25 بالمائة .
فى البلدان الأفريقية فى ظل برامج الإصلاح الهيكلي يتمتع عمال الصحة أو بالكاد بالقليل من ضمان الشغل أو لا يتمتعون به والعديد منهم لم يحصلوا على أجورهم لأشهر متتالية . و لتغذية عائلاتهم على الكثير منهم اللجوء ببساطة إلى عمل ثان و هكذا تظلّ عديد الوظائف شاغرة و هنالك "هجرة أدمغة " لبلدان أخرى أين يحصل الأخصائيون فى الصحّة على أجور أفضل .
و فى غانا ، سجّل نقص فى عدد الأطباء الذى تراجع من1782 طبيب سنة 1985 إلى 956 طبيب سنة 1991 . و فى الكوت ديفوار/ ساحل العاج تقلصت نسبة الحضور إلى دروس مستشفى البلاد ب 50 بالمائة بعد تخفيض عُملة البلاد فى 1994 بينما إرتفعت أسعار الإستطباب من 30 إلى 70 بالمائة .
وصفت ممرضة من السينغال الأوضاع فى مركز صحي جهوي أين تعمل فقالت إن المركز يفتقر إلى الأدوية و التجهيزات الأكثر أساسية و ضمنها المطهرات و الأقنعة و القفازات و الحقن التى يُلقى بها بعد إستعمالها . و صرّح ممرّض آخر يعمل لجزء من الوقت طبيب بأنه يقدّم الخدمات لأ كثر من 150 ألف شخص . وهو يفحص أكثر من 70 شخصا فى اليوم و العديد منهم يموتون بسبب أمراض يمكن علاجها لو توفرت الأدوية و التجهيزات الضرورية . و أضاف " عملي إحباط تلو الإحباط " و " فى ظل هذه الظروف ببساطة لا أستطيع تزويد مرضاي بنوع الرعاية الصحية التى يحتاجونها و بالسرعة المطلوبة " .
بين 1980 و 1993 ، إرتفع عدد الناس الذين على كل ممرض الإعتناء بهم فى السينغال لما يفوق الست مرات من 1931 فى 1980 إلى 13174 فى 1993 . و ذكرت العديد من البلدان الأفريقية الأخرى تراجعات كبرى مماثلة أو مساوية فى عدد الممرضات أثناء الفترة نفسها .
إن تخفيض قيمة العُملة الذى يهدف لجعل الصادرات أرخص سياسة مركزية من سياسات صندوق النقد الدولي و برامج الإصلاح الهيكلي . و قد ترتب عن مثل هذه التخفيضات زيادة هائلة فى كلفة السلع المستوردة كالتجهيزات الصيدلية التى تسعّر بحيث تكون بعيدة المنال أكثر فأكثر بالنسبة لغالبية الأفريقيين .
لقد أمرت المؤسسات المالية العالمية بأن تفرض "إسترجاع كلفة " الرعاية الصحية وهو ما يتخذ شكل تحمّل المستعمل الأتعاب . و بذلك أضحت الرعاية الصحية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة لعديد الفقراء و المرضى فى أفريقيا . فعلى المرضى أن يدفعوا ثمن الفحوص الطبية و الأدوية و أحيانا كثيرة يطالبون بتوفير حقنهم الخاصة و القطرة و الإبر عندما يعالجون فى المستشفيات .
و ينجم عن دفع ثمن الفحوص الطبية و الأدوية تأخير فى تقديم الرعاية الطبية و تقويض الحصول على العلاج فى مستشفى مروى موسامى و مستشفى هراري المركزي تراجع ب 25 بالمائة فى جانفي 1992 بعد إرتفاع تكاليف المستشفى.و لمّا إرتفعت كلفة العلاج الخارجي من 1.50 دولار زمباوي إلى 17 فى 1994 ، إنخفضت نسبة العلاج الخارجي و غير الإستعجالي مجددا و بصورة ملموسة.
و قد لعب عدم التمتّع بالعناية الطبية دورا رئيسيا فى إنتشار الفيروس فى أفريقيا . فمثلا ، أمراض ( الأس تى دي إس ) قابلة للعلاج بسهولة شأنها شأن قروح تناسلية تضاعف إمكانيات الإصابة بالأيدز . و قد أثبتت دراسة فى تنزانيا أن علاج بعض الأمراض ( الأس تى دى آس ) تكلّف 2.11 دولار للشخص الواحد و بإمكانها أن تخفض عدد المصابين بالفيروس أتش أي في بنسبة 42 بالمائة . و عندما نصح البنك العالمي كينيا بإعتماد ثمن العلاج ب 2.15 دولار للقبول فى المستشفيات ( أس تـي دى آس) هبط عدد الزوار بنسبة 35 إلى 60 بالمائة . و فى زمبابوى ، أجبر جعل تكاليف الواقيات الجنسية على كاهل المستهلك فى أكتوبر1992 فى إطار برنامج الإصلاح الهيكلي ، العديد من البلدان الأفريقية على سحب الدعم المالي مما أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية وفى زمبابوى ، إثر إلغاء التحكّم فى الأسعار فى مارس 1993 ، إرتفع سعر الخبز من 1.63 دولار زمبابوى إلى 2.20 دولار فى يوم و ليلة .
فتراجعت مبيعات المخابر فورا ب 50 بالمائة . و يتعرّض ثلث أطفال أفريقيا لسوء التغذية إلى حدّ كبير إذ يذكر تقرير لليونيسيف بان برامج الإصلاح الهيكلي ساهمت فى التدهور الواسع النطاق لتغذية الأطفال و النساء الحوامل و النساء العائلات للأطفال .
الإمبرياليون يهملون الأيدز فى أفريقيا :
تتصرّف الولايات المتحدة و قوى إمبريالية أخرى كما لو أنها أدركت للتوّ وباء الأيدز فى أفريقيا . و فى الحقيقة ، كانت هذه القوى على علم بتطوّر الأزمة منذ سنوات عدّة و تجاهلتها فى وقت كان يمكن فيه لمساعداتها أن تحدّ كثيرا من تداعياتها .
فى مقال صدر أخيرا فى الواشنطن بوست ، إقتبس الكاتب من تقرير وكالة المخابرات المركزي فقرات حول وباء الأيدز فى أفريقيا . لقد توقّع التقرير المسار الذى سيتخذه الوباء فى التسعينات . قال الكاتب إن زميلا له عسكري يعمل فى مجلس الإستخبار الوطني صرح له : " أوه ، سيكون ذلك جيدا لأن أفريقيا مزدحمة بالسكان ". و ركّز خبراء عسكريون آخرون إطلعوا على تقرير وكالة المخابرات المركزية لسنة 1991 و علقوا عليه فقط على الضرر المحتمل الذى يمكن أن يلحق بالقوات العسكرية الحليفة . و ذكرت الواشنطن بوست بان قائدا عسكريا واحدا إستنتج بأنه حتى إذا أخذ عدد واسع من الضباط فى الموت بسبب المرض ذلك "أن ذلك سيرفع الروح المعنوية لأن هنالك مجال أكبر للتقدّم ".
و أظهرت مؤسسات إمبريالية أخرى قلّة إكتراث بوباء الأيدز المنتشر فى أفريقيا . فبعد مقارنة إمكانية الموت من وباء الأيدز فى أفريقيا بالطاعون الدبلي الذى ضرب أوروبا فى القرن الرابع عشر ، جاء فى تقرير قسم السكان و الموارد البشرية التابع للبنك العالمي أن الأيدز قد تفيد أفريقيا إقتصاديا : " إذا كان التأثير الوحيد لوباء الأيدز خفض معدل نمو السكان فإنه سيزيد نمو معدّل دخل الفرد فى أي نموذج إقتصادي معقول ."
و فى الولايات المتحدة ، دافع مركز مكافحة الأمراض و الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لسنوات عن عدم دفع ثمن إختبارات الأيدز فى الخارج . و فى الولايات المتحدة كان هذا النوع من الإختبارات فعالا إلى حدّ كبير بتخفيض إنتشار الأيدز ." الحجة كانت أن ذلك الإختبار كان مكلفا للغاية و أدى إلى ما هو أوفر كلفة ". قال غريغوري باباس وهو طبيب مسؤول عن الخدمات الصحية الإنسانية للواشنطن بوست : " فلسفة تطوّر الدوائر كانت عدم خلق مطالب . إنعكاسات معرفة الكثير من الناس بأنهم مصابون بالفيروس ، عوض الموت به فقط ، هي خلق مطالب لوكالات مساعدة التطوير ".
و دوف جيلابسى الذى أشرف على مساعدة المصابين بالأيدز كمدير لبرامج الولايات المتحدة للأيدز و تأثيرها على السكان و الصحة و التغذية ، جادل بأن الفائض السكاني و ليس الأيدز هو أهم مشكل فى أفريقيا . و قال مايكل مرسون ، المسؤول الأول السابق عن برنامج الأيدز التابع لمنظمة الصحة العالمية للواشنطن بوست " كان دوف قلقا جدا بشأن عدم السماح بإستعمال ميزانية السكان للأيدز ".
و فى اليوم الأول من ندوة ديربان سنة 2000 قام أكثر من ألفي محتج بمسيرة للمطالبة بأن تجعل الشركات الصيدلية الأدوية متوفرة بأسعار رخيصة بالنسبة للبلدان الفقيرة . و رفع العديد من المتظاهرين يافطات بصور المدراء التنفيذيين الصيدليين ، ناعتينهم بمستغلي الأدوية . و خلال المظاهرات بمناسبة الندوة ، إعتصم المتظاهرون بأكشاك عرض المنتجين الصيدليين مثل فايزر و مارك.
لقد جعلت الأدوية الجديدة ممكنا للعديد من الناس الذين يعيشون بفيروس أتش أي في أو الذين يعانون من الأيدز فى الولايات المتحدة أن يتابعوا حياة صحية نسبيا . لكن علاج المكونات الثلاث الجديد الذى ينقذ الحياة فى الولايات المتحدة يكلّف أكثر من 12 ألف دولار سنويا لكلّ مريض . وهو على الأرجح غير معروف فى البلدان الفقيرة حيث يضرب وباء الأيدز بقوة كبيرة ز فمثلا بالأسعار الحالية ، لا يمكن لزمبيا أن توفّر علاج الأيدز الثلاثي المكونات لسكانها حتى و لو صرفت دخلها القومي باكمله على أدوية الأيدز !
حيال وباء الأيدز المتزايد الإنتشار ، سعت الحكومة الأمريكية و المنتجون الصيادلة إلى منع بلدان فى أفريقيا من إستيراد هذه الأدوية من البلدان الأخرى حيث يبيعون نفس الدواء بنسبة من السعر أو من تصنيع أدوية جنيسة رخيصة . و هدّدت الحكومة الأمريكية جنوب أفريقيا بعقوبات تجارية عندما شرعت فى التفكير فى هذه الطرق لتوفير أدوية تنقذ الحياة . كرئيس للجنة الولايات المتحدة /جنوب أفريقيا ، قاد نائب الرئيس غور التهديدات التجارية ضد جنوب أفريقيا .
فى جوان 1999 ، جلبت مجموعة نشطاء الأيدز الإنتباه إلى الأعمال الشنيعة للولايات المتحدة بالتظاهر فى عديد المحطات الخاصة بحملة غور و عرقلت إعلانه بأنه مرشح للرئاسة. و تقدّم المتظاهرون بتأطير من "آكت آب " و "أدوية أيدز من أجل أفريقيا " إلى حدّ بضعة أقدام من غور رافعين أعلاما و صارخين " جشع غور قاتل " . و أطلق النشطاء على حملة غور "التفرقة العنصرية لسنة 2000".
و يبدو أن الولايات المتحدة هدأت من تهديداتها العلنية أمام فضحها عالميا . لكن كم عدد الناس الذين يموتون دون داع بينما ترفع الولايات المتحدة سيفها التجاري مهدّدة البلدان الفقيرة التى حاولت توفير الطبّ للمرضى و المحتضرين ؟ و تواصل شركات صيدلية أمريكية و أوروبية منع التوفير الواسع النطاق لهذه الأدوية الضرورية بالتصريح بأنه لن يسمح بصناعتها إلا لأصحاب براءات الإختراع .
فى الأشهر التى سبقت ندوة ديربان و أثناءها صدرت إعلانات عن مختلف منتجى الأدوية بأنهم سيجعلون أدويتهم متوفرة للناس الفقراء فى بعض البلدان بأسعار رخيصة أو مجانا . و مع ذلك نظرة عن قرب تكشف بأن العديد من هذه العروض ترسم للحيلولة دون صناعة أدوية جنيسة و التوفير الواسع النطاق للأدوية المطلوبة بصورة إستعجالية .
و نضرب مثالا على ذلك : أعلنت "بفايزر" مأخرا بانها ستصنع الفليكوتازول ( الإسم التجاري للديفلوكان) وهو عقار لعلاج إلتهاب سحايا الكريبتوكوكال ، مجانا فى جنوب أفريقيا . و إلتهاب سحايا الكريبتوكوكال عدوى فطرية تصيب الدماغ وهي واحدة من الإصابات التى تضرب المصابين بالأيدز . و بدون الفليوكونازول عادة ما يموت المصابون بالأيدز فى غضون شهرين إذا أصيبوا بهذا الإلتهاب .
تبيع بفايزر الدواء فى جنوب أفريقيا ب 4.15 دولار للجرعة اليومية . و دواء جنيس يصنّع فى تيلندا ب 29 سنتا من الدولار . و هكذا حققت مبيعات الديفلوكان أكثر من بليون دولار سنة 1999.
نشطاء فى مجموعات مثل أطباء بلا حدود فضحوا جملة من الشروط التى فرضتها بفايزر على هذا العرض . " إن الشروط المتبعة التى تفرضها بفايزر على عرضها المشهور جدا للتزويد المجاني بالفلوكانازول للمصابين بالأيدز تخيب الآمال ". هذا ما قاله إيريك غوماري من الأطباء بلا حدود ، فى جنوب أفريقيا . "و الأشنع هو أن محاولة بفايزر لتنظيم هذا التبرع تمثل تجربة طيبة ، مضيفة متطلبات مكلفة لإعداد التقارير و التدريب . أطباء أفريقيا الجنوبية محترفون و بفايزر تطالب بتدريب خاص لعلاج روتيني."
فضلا عن ذلك ، لن توفّر بفايزر الدواء مجانا فى بلدان أخرى عدا جنوب أفريقيا لا تقدر هي الأخرى على دفع ثمن ذلك الدواء. سوف توفّر فقط دواء لإلتهاب سحايا الكريبوكوكال و ليس لعلاج الإصابات القاتلة . و الشركة رفضت التخفيض فى سعر الأدوية التى لا يشملها عرضها هذا .
" تواجه جنوب أفريقيا وباء من أشدّ الأوبئة فى العالم بأكثر من 10 بالمائة من المصابين بفيروس أتش أي في . مات أكثر من 100 ألف شخص هنا بسبب الأيدز فى السنة الماضية ". هذا ماصرّح به الدكتور جيومايرى . و " من غير المقبول أن تظلّ بفايزر ترفض أن تبيع هذا المنتج بسعر رخيص فى البلدان الفقيرة أو السماح للآخرين بالحق القانوني للقيام بذلك ".
فى 11 ماي "الخمس " شركات الكبرى للأدوية أعلنت أنها توصلت إلى إتفاق مع منظمة الأيدز التابعة للأمم المتحدة للتزويد بأدوية الأيدز ذات الأسعارالمنخفضة فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث. و مع ذلك يدعى الأم أس أف بأن التسوق فى الأسواق العالمية للأدوية الجنيسة يمكن الدول النامية من أن تخفض الكلفة السنوية لعلاج الدواء الثلاثي المكونات من المستوى الأمريكي ل15 ألف دولار إلى 200 دولار فحسب – أقل بكثير من المستويات التى وعد بها "الخمس الكبار " الذين يرون أرخص نسبة ستتراجع إلى حوالي ألفي دولار.
دانيال برمان من حملة الأم أس أف للحصول على الأدوية الضرورية قال :" القليل من الدول النامية التى حققت توفير الأدوية للمصابين بالأيدز بصورة هامة أنجزت ذلك بإتباع إستراتيجيات الأدوية الجنيسة . و الأعداد غير مستقرّة ففى البرازيل عولج 80 ألف شخص بإستعمال الأدوية الجنيسة الرخيصة التى أدخلت علاج دواء المكونات الثلاثة و جعلت كلفته تقريبا ألف دولار سنويا . لكن فى أوغندا حيث كانت الحكومة تعمل وفق أدوية ذات علامة تجارية بمبادرة من برنامج الأيدز التابع للأمم المتحدة ، أقل من ألف شخص تلقوا العلاج ."
-------------------
" إذا كان المرء واعيا بحقيقة أن الإمبريالية تسيطر على العالم و إذا كان المرء مدركا لنتائج هذا على الغالبية العظمى من شعوب العالم ، فبالتالي يجب عليه أن يشعر بضرورة المساعدة على القضاء على النظام الإمبريالي باسره و إطاره كله و بضرورة إعادة تشكيل العلاقات الإجتماعية على النطاق العالمي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق