الأحد، 19 أبريل 2015

الدستور البريطاني ـ كارل ماركس

 كارل ماركس
ماركس، انجلز، الاعمال الكاملة، المجلد 14 ( ص ص 53 – 54 ) دار التقدم موسكو، 1980. الطبعة الانجليزية
ترجمة: سعيد العليمي
لندن، 2 مارس.
بينما اخفق الدستور البريطانى فى كل مسألة وضعته فيها الحرب موضع اختبار من كل الجوانب، فان حكومة الائتلاف داخل الوطن، الحكومة الاكثر دستورية من بين الحكومات فى تاريخ انجلترا قد تحطمت. مات اربعون الف جندى بريطانى على شواطئ البحر الاسود – ضحايا الدستور البريطانى! ضباط، هيئة اركان، قوميسارات، الادارة الطبية، خدمات النقل، الملكية، الخيالة {أ}, مكتب المهمات الحربية، الجيش والبحرية كلها قد انكسرت حتى فقد العالم الثقة فيهم، مع ذلك فقد رضى الجميع بمعرفة انهم ببساطة قد أدوا واجبهم فى نظر الدستور البريطانى! لقد تكلمت جريدة التايمز بشكل اكثر صدقا مما نظن حينما تعجبت وهى تشير لهذا الافلاس العام : ” انه الدستور البريطانى الذى يخضع للمحاكمة “. لقد حوكم ووجد مذنبا.
ولكن ماهو الدستور البريطانى؟ هل ينطوى بصفة اساسية على نظام تمثيلى وحدودا للسلطة التنفيذية؟ ان هذه الملامح لاتميزه عن دستور الولايات المتحدة لشمال امريكا ولا عن دساتير شركات المحاصة البريطانية التى لاحصرلها التى تفهماعمالها”. ان الدستور البريطانى بالفعل ليس الا تسوية قديمة،عتيقة من طراز عفى عليه الزمن، بين البورجوازية، التى لاتحكم رسميا، ولكن فى الواقع موجودة فى كل المجالات الحاسمة للمجتمع المدنى، وأرستقراطية الارض، التى تحكم رسميا. اصلا، بعد الثورة “المجيدة” لعام 1688 دخل قسم واحد من البورجوازية فقط فى التسوية وهو الأرستقراطية المالية {54 }, وأدخلت وثيقة الاصلاح لعام 1831 قسما اخر، اى الميللوقراطية {ج} كما يسميها الانجليز اى اصحاب المقامات العليا من البورجوازية الصناعية {55}. و تاريخ التشريع منذ عام 1831 هو تاريخ التنازلات التى قدمت للبورجوازية الصناعية بدءا من قانون الفقراء الجديد حتى الغاء قوانين القمح {56 } ومن الغاء قوانين القمح الى ضريبة التركات على الملكية العقارية.
حتى اذا كان الاعتراف بالبورجوازية – وهى الشريحة العليا فقط من الطبقات الوسطى — اجمالا قد تم ايضا سياسيا بوصفها طبقة حاكمة، فقد كان ذلك بشرط وحيد هو ان كامل نظام الحكومة بكل تفاصيله، حتى القسم التنفيذى للسلطة التشريعية، اى، صنع ا لقوانين فعليا فى كل من مجلسى البرلمان، قد بقى بأمان فى يد الأرستقراطية االعقارية.{حوالى} 1830 فضلت البورجوازية تجديد التسوية مع الأرستقراطية على التسوية مع جمهور الشعب الانجليزى. الآن الارستقراطية التى تحكم مهيمنة، وفق مبادئ معينة وضعتها البورجوازية، فى الوزارة، فى البرلمان، فى الادارة، فى الجيش والبحرية – هذا القسم من الامة البريطانية، وهو القسم الاهم نسبيا قد اكره الآن للتو على ان يوقع شهادة وفاته وان يصرح تحت اعين العالم باجمعه انه لم يعد لديه القدرة على حكم بريطانيا. علىينا أن نلاحظ فقط تلك المحاولات لاعطاء الجثة صدمة كهربائية! وزارة بعد وزارة تشكل لتنحل فحسب بعد نظام من اسابيع قليلة. هذه الازمة دائمة، والحكومة فقط هى المؤقتة. كل الاعمال السياسية معلقة، وكل يصرح بأن غرضه فقط هو ان يجعل الآلة السياسية شغالة بما يكفى لمنع توقفها التام. وحتى مجلس العموم لايتعرف على نفسه فى الوزارات التى خلقت على صورته.
وفى وسط هذا العجز العام لم يكن يتعين شن الحرب فقط، ولكن كان ينبغى محاربة عدو اشد خطرا من الامبراطور نيقولا الثانى. هذا العدو هو الازمة فى التجارة والصناعة والتى تنمو منذ سبتمبر الماضى اكثر عنفا وشمولا كل يوم. وقد اغلقت يدها الحديدية فورا افواه رسل التجارة الحرة المزيفون الذين بشروا لسنوات بأن الاسواق المغرقة والازمات الاجتماعية قد اختفت الى الابد فى المملكة الظلالية للماضى منذ الغاء قوانين القمح. الاسواق المغرقة هناك، ولكن لايصرخ احد الآن بصوت اعلى حول الافتقار لليقظة الذى منع المصنعين من تحديد الانتاج الا نفس الاقتصاديين الذين كانوا لايزالون يعلموننا منذ خمسة شهور مضت – بعصمة العقائدية – انه لايمكن ابدا ان يكون هناك فيض انتاج.
لقد كشف هذا المرض عن نفسه بالفعل بشكل مزمن فى وقت الضربة فى بريستون {57} بعد ذلك بوقت قصير ادى الاغراق فى السوق الامريكية الى انفجار الازمة فى الولايات المتحدة الامريكية. ورغم ان الهند والصين عانتا ومعهما كاليفورنيا واستراليا من زيادة المخزون السلعى فقد استمرت تشكل منافذ تصريف لفيض الانتاج. ولان المصنعين الانجليز لم يعد بامكانهم بيع سلعهم فى السوق المحلى الا باسعار منخفضة، فقد لجأوا لارسال سلعهم الى الخارج امانة واقتضاء ثمنها بعد البيع، خاصة الى الهند، والصين، واستراليا وكاليفورنيا. مكن هذا البديل التجارة من ان تنطلق لوهلة باضطرابات اقل مما لو كانت السلع كلها قد طرحت فى الاسواق على الفور. ولكن ماان وصلت تلك الشحنات الى مرافئ الوصول, حتى حددت الاسعار هناك، وبنهاية سبتمبر كان الاحساس بالتأثير قد وصل الى انجلترا.
غيرت الازمة عندئذ طابعها فتحولت من مزمنة الى حادة. واول ماأنهار من بيوت تجارية كان طباعى القطن، ومن بينها شركات قديمة مؤسسة فى وحول مانشستر. وبعدئذ جاء دور ملاك السفن وتجار استراليا وكاليفورنيا، وبعدهم البيوت الصينية، واخيرا الهندية. كل اخذ دوره، واغلبهم عانى بشدة، وكان على الكثيرين ان يوقفوا اعمالهم، والخطر لم ينته بالنسبة لاى من فروع التجارة هذه. وعلى النقيض، فانه ينمو بثبات. وقد ضرب ايضا صناع الحرير، وقد تقلصت صناعتهم الى الحد الذى باتت فيه لاشئ، وتعانى البلدات التى كانت تمارس فيها اعظم العوز. والان سوف ياتى دور غزالى القطن ومصنعيه. لقد خضع الكثير منهم وسوف يشاركهم الكثيرون بعد مصيرهم. كما رأينا انفا {ج} يعمل غزالى الغزل الدقيق وقتا قصيرا فقط. وسوف يلجأ غزالى الغزل الخشن قريبا لنفس العلاج. وقسما منهم يعمل بضعة ايام فى الاسبوع فقط. فلأى مدة بمقدورهم احتمال ذلك؟
بضعة شهور اخرى، وسوف تصل ازمة مناطق المصنع الى نفس عمق ازمة عام 1842 هذا ان لم تتجاوزها. ولكن سرعان ماسيشعر عامة بأثرها وسط الطبقات العاملة، حتى ان الحركة السياسية التى كانت غافية بهذا القدر او ذاك بين هذه الطبقات على مدى السنوات الست الماضية، مخلفة وراءها فقط اطرا ( كادرا) من اجل تحريض جديد، سوف تنبثق مرة اخرى. ان الصراع بين البروليتاريا الصناعية والبورجوازية سوف يشتعل مرة اخرى فى نفس الوقت الذى يصل فيه الصراع بين البورجوازية والارستقراطية ذروته. وعندئذ فان القناع الذى اخفى حتى الان الملامح الحقيقية لمظهر بريطانيا السياسى عن الاجانب، سوف يسقط. مع ذلك، فان هؤلاء الذين لايألفون ثروة هذا البلد فى مواردها البشرية والمادية سوف يشكون فى انها ستبزغ منتصرة متجددة نضرة من هذه الازمة العظيمة المهددة.

هوامش
{
أ}ماركس يستعمل المصطلح الانجليزى — الناشر
{
ب}”من بين كل التغيرات السياسية…”, جريدة التايمز، عدد.21979، 16 فبراير، 1855 – الناشر
{
ج}ماركس يستعمل المصطلح الانجليزى – الناشر
{
د} انظر هذا المجلد، ص 23. – الناشر
{53 }
ظهرت هذه الطبعة من المقال للمرة الاولى فى ترجمة انجليزية فى مجلد كارل ماركس وفريدريك انجلز، مقالات حول بريطانيا، موسكو 1971 الطبعة الاخرى المعنونة ” الازمة فى انجلترا” كتبها ماركس لجريدة نيويورك دايلى تريبون باللغة الانجليزية. وقد اعيدت فى هذا المجلد فى شكلها الاصلى.
{54 }
اشارة الى الاطاحة بملكية ستيوارت، وتتويج ويليام الثالث من اورانج، مع زوجته مارى، ابنة المخلوع ستيوارت الملك جيمس الثانى، وقد تعززت بعدها الملكية الدستورية فى بريطانيا على اساس تسوية بين الأرستقراطية العقارية والبورجوازية المالية.
{55 }
مصطلح “ميللوقراطيا” ( ميلل + قراطيا ) استعمله لاول مرة توماس كارليل فى مؤلفه الماضى والحاضر، نشر فى 1843. وثيقة الاصلاح لعام 1831انظر ملاحظة رقم 45.
{56 }
قانون الفقراء لعام 1834 ( قانون لتعديل ولادارة افضل للقوانين التى تتعلق بالفقراء فى انجلترا وويلز ) وقد سمح بشكل واحد فقط من المساعدة للاشخاص القادرين المحتاجين — تسجيلهم فى مشاغل تشبه السجون حيث يقومون باعمال رتيبة مستنفدة للجهد وغير منتجة. وقد اطلق الشعب عليها اسم باستيل الفقراء. لقد استهدف القانون ان يقبل الفقراء شروط العمل القاسية فى الصناعة، وهكذا يزيدون مدد العمل الرخيص. الغاء قوانين القمح – انظر ملاحظة14.
{57 }
الاشارة الى واحد من اكبر الاضرابات التى قامت بها الطبقة العاملة فى 1850. فى اغسطس 1853 توقف الغزالون والنساجون عن العمل فى معامل القطن ببريستون وضواحيها طالبين زيادة 10 % فى اجورهم. وقد ساندهم العمال فى التجارات الاخرى. وفى سبتمبر رد السادة المتحدون بتنظيم اغلاق للمعامل. حوالى 25000 من اجمالى 30000 عامل توقفوا عن العمل.وبفضل الدعم الذى قدم لهم من المدن الاخرى، فقد استطاعوا الصمود لاكثر من 36 اسبوعا. وفى فبراير 1854، توقف اغلاق المعامل ولكن استمر الاضراب. وحتى ينهوه بدأ السادة المتحدون فى استيراد العمال من ايرلندا والمشاغل الانجليزية. وفى مارس، اعتقل قادة الاضراب. ولان مواردهم المالية قد نضبت، فقد اجبر العمال على العودة الى المعامل. وانتهى الاضراب فى مايو.
{14 }
قوانين القمح، التى صدر اولها باكرا فى القرن الخامس عشر، وقد فرضت ضرائب استيراد عالية على المنتجات الزراعية حتى تبقى الاسعار العالية لهذه المنتجات فى السوق المحلى. لقد خدمت قوانين القمح مصالح كبار ملاك الارض. وانتهى الصراع بين البورجوازية الصناعية والارستقراطية العقارية حول قوانين القمح بالغاءها فى يونيو 1846.
{45 }
يشير هذا الى وثيقة الاصلاح، التى اصدرها مجلس العموم البريطانى فى 1831 واخيرا صادق عليها مجلس اللوردات فى يونيو 1831. وقد اعطت حق التصويت لملاك ومستأجرى المنازل التى يبلغ ايجارها 10 جنيهات استرلينية او اكثر.
وقد حرمت الطبقة العاملة والبورجوازية الصغيرة – القوى الاساسية فى الصراع من اجل الاصلاح – من حق الاقتراع العام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق