الكاتب:ميخائيل باكونين (1814-1876)
الكتاب: الماركسية، الحرية والدولة (الفصل الأول: تمهيد)
المصدر: الماركسية، الحرية والدولية ضمن أرشيف ميخائيل باكونين بالقسم الانجليزي
نشر لأول مرة: 1950
ترجمة ونسخ: مازن كم الماز (أبريل 2006)
بخصوص الكتاب: يعتبر هذا الكتاب (الماركسية، الحرية والدولة) بمثابة رواية بوكانين بخصوص القطيعة بينه وبين كارل ماركس والتي وقعت أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن 19. كان بوكانين يرى أن الانشقاق بينهما يتصاعد من النظرتين المختلفتين بينهما بخصوص وظيفة الدولة في البرنامج الاشتراكي. فقد كان بوكانين يؤمن بالخصوص أن الأممية كانت متشبثة أكثر من اللزوم بمفهوم الدولة التي كان هو يعتبرها بمثابة المؤسسة الخطرة والحاطة من قيمة الانسان. فالدولة كما كتب بوكانين "تفرض، تحت تعلة الواجب الأعلى، الظلم والقسوة على كل الخاضعين لها. إنها تحد وتبتر وتقتل الانسان فيهم، بحيث عندما تتوقف كينونتهم الانسانية لن يكونوا إلا مجرد مواطنين.
الفصل الأول: تمهيد
أنا باحث مندفع عن الحقيقة ولست بخصم أقل حماسة للخيالات المريضة التي يستخدمها حزب "النظام"، الممثل الرسمي لكل القوى الفاسدة، الدينية، الميتافيزيقية، السياسية، القانونية، الاقتصادية والاجتماعية في الماضي والحاضر لتوحيش واستعباد العالم، أنا عاشق متعصب للحرية، وأعتبرها الوسط الوحيد حيث يمكن أن يتطور الذكاء والكرامة والسعادة الإنسانية، إنها ليست "الحرية" الرسمية المرخصة، المقاسة والمنظمة من قبل الدولة، هذا الزيف الذي يمثل امتيازات قلة تستمدها من عبودية كل الأشخاص الآخرين، وليست الحرية الشخصية الأنانية اللئيمة الوهمية التي طورتها مدرسة روسو وبقية مدارس الليبرالية البرجوازية والتي تعتبر حقوق الأفراد محدودة بحقوق الدولة وهكذا تؤدي بالضرورة إلى اختزال حقوق الأفراد إلى الصفر.
كلا، إنني أقصد الحرية الوحيدة التي تستحق هذا الاسم بحق، الحرية التي تكمن في التطور الكامل للقوى المادية والفكرية والأخلاقية الموجودة كقدرات كامنة في أي شخص(فرد)، الحرية التي لا تعترف بأية قيود سوى تلك التي يمكن نسبتها إلى قوانين طبيعتنا البشرية ذاتها مما يعني بالضبط عدم وجود قيود لأن هذه القوانين لا يتم فرضها علينا من مشرع خارجي إلى جانبنا أو فوقنا، إنها موجودة داخلنا، فطرية وتشكل الأساس الحقيقي لوجودنا المادي والفكري والأخلاقي، ولذلك بدلا من أن نراها كقيود يجب أن نعتبرها الشروط الحقيقية والسبب النافذ المفعول لحريتنا.
إنني أعني حرية كل فرد التي بعيدا عن تعطلها عند حدود حريات الآخرين تجد فيها تعزيزا لها وامتدادها إلى اللانهائية، الحرية اللامحدودة لكل فرد عبر الحرية للجميع، الحرية عبر التضامن، الحرية في المساواة، الحرية التي تنتصر على القوة البهيمية ومبدأ السلطة الذي ليس إلا التعبير المثالي عن هذه القوة، الحرية التي بعد أن تطيح بكل الأوثان السماوية والأرضية سوف تؤسس وتنظم عالما جديدا وذلك من التضامن الإنساني على أنقاض كل الكنائس والدول.
إنني مؤيد مقتنع للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، لأنني أعلم أنه بدون هذه المساواة فإن الحرية، العدالة، الكرامة الإنسانية، الفضيلة، وخير الأفراد إضافة إلى ازدهار الشعوب لن يكون إلا مجموعة كبيرة من الأكاذيب. ولكني كمؤيد للحرية في كل الظروف، وهي الشرط الأول للإنسانية، أرى أن الحرية يجب أن تؤسس نفسها في العالم بواسطة التنظيم العفوي للعمل والملكية الجماعية لجمعيات إنتاجية تتنظم وتتوحد بشكل حر في مقاطعات وبالاتحاد المتساوي العفوي للمقاطعات وليس بالتأثير الفوقي والوصائي للدولة.
هذه هي النقطة التي تفرق الاشتراكيين أو التعاونيين الثوريين عن الشيوعيين السلطويين (Authoritarian) الذين يؤيدون المبادرة المطلقة للدولة. إن هدفهم هو ذاته، فكل حزب يرغب بشكل متساوي بإنشاء نظام اجتماعي جديد يقوم فقط على تنظيم العمل الجماعي، ويفرض بشكل حتمي على كل فرد بالقوة المطلقة للأشياء، ظروف اقتصادية متساوية للجميع والاستيلاء الجماعي على أدوات العمل. إن الشيوعيين وحدهم يتخيلون أنهم قادرون على تحقيق هذا بتطوير وتنظيم القوة السياسية للطبقات العاملة، وبشكل أساسي بروليتاريا المدن، بمساعدة البرجوازية الراديكالية فيم يرى الاشتراكيون الثوريون، أعداء كل التحالفات أو المشاركات المشبوهة، على النقيض من ذلك أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بتطوير وتنظيم ليس القوة السياسية ولكن القوة الاجتماعية وبالتالي المعادية للسياسة للجماهير العاملة في المدن والريف على حد سواء، بما في ذلك كل الموالين من الطبقات العليا الذين يقطعون صلاتهم تماما بماضيهم ويرغبون بالانضمام إلى الجماهير ويتبنون برنامجها بالكامل.
هنا يوجد طريقان مختلفان. يعتقد الشيوعيون أن عليهم تنظيم قوى العمال ليستولوا على القوة السياسية للدولة. فيما يتنظم الاشتراكيون الثوريون بهدف تدمير، أو إن كنت تفضل كلمة أكثر تهذيبا، التخلص من الدولة. إن الشيوعيون مؤيدين لمبدأ وممارسة السلطة، أما الاشتراكيون الثوريون فيثقون فقط بالحرية. كلاهما مؤيد للعلم الذي عليه أن يقتل الخرافة ويستبدل الإيمان، الأول يرغب بفرضه أما الثاني فيبذل أنصاره أنفسهم لنشره بحيث أن مجموعات من البشر المقتنعين سوف ينظمون أنفسهم ويتحدون طوعا من الأسفل إلى الأعلى وفقا لمصالحهم الفعلية وليس وفق خطة معدة سلفا ومفروضة على الجماهير الجاهلة من قبل مفكرين متفوقين.
يرى الاشتراكيون الثوريون أنه هناك منطق عملي وحيوية أكثر في الطموح الغريزي والحاجات الفعلية لجماهير الشعب أكثر من الذكاء العميق لكل هؤلاء الرجال المتعلمين ومرشدي البشرية الذين بعد الكثير من الجهود فشلوا أن يجعلوها سعيدة وما يزالون يتجرؤون على إضافة جهودهم. على النقيض من ذلك يرى الاشتراكيون الثوريون أن الجنس البشري ترك نفسه يحكم لفترة طويلة بما فيه الكفاية أو أطول من اللازم وأن سبب مصائبه لا يكمن في هذا الشكل أو ذاك من الحكومات بل بالذات في مفهوم وحقيقة الحكومة من أي نوع كانت. وباختصار أصبح هذا التناقض تاريخيا بين الشيوعية المطورة علميا بواسطة المدرسة الألمانية والتي تم تبنيها جزئيا من الاشتراكيين الانكليز والأمريكيين وعلى الطرف الآخر البرودونية (الاشتراكي الفرنسي برودون) التي جرى تطويرها ودفعها إلى آخر نتائجها وجرى تبنيها بالمقابل من بروليتاريا الدول اللاتينية.
وقد جرى تبني كليهما وسيجري قبولها أكثر فأكثر من الوجدان المعادي للسياسة للشعوب السلافية.
الكتاب: الماركسية، الحرية والدولة (الفصل الأول: تمهيد)
المصدر: الماركسية، الحرية والدولية ضمن أرشيف ميخائيل باكونين بالقسم الانجليزي
نشر لأول مرة: 1950
ترجمة ونسخ: مازن كم الماز (أبريل 2006)
بخصوص الكتاب: يعتبر هذا الكتاب (الماركسية، الحرية والدولة) بمثابة رواية بوكانين بخصوص القطيعة بينه وبين كارل ماركس والتي وقعت أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن 19. كان بوكانين يرى أن الانشقاق بينهما يتصاعد من النظرتين المختلفتين بينهما بخصوص وظيفة الدولة في البرنامج الاشتراكي. فقد كان بوكانين يؤمن بالخصوص أن الأممية كانت متشبثة أكثر من اللزوم بمفهوم الدولة التي كان هو يعتبرها بمثابة المؤسسة الخطرة والحاطة من قيمة الانسان. فالدولة كما كتب بوكانين "تفرض، تحت تعلة الواجب الأعلى، الظلم والقسوة على كل الخاضعين لها. إنها تحد وتبتر وتقتل الانسان فيهم، بحيث عندما تتوقف كينونتهم الانسانية لن يكونوا إلا مجرد مواطنين.
الفصل الأول: تمهيد
أنا باحث مندفع عن الحقيقة ولست بخصم أقل حماسة للخيالات المريضة التي يستخدمها حزب "النظام"، الممثل الرسمي لكل القوى الفاسدة، الدينية، الميتافيزيقية، السياسية، القانونية، الاقتصادية والاجتماعية في الماضي والحاضر لتوحيش واستعباد العالم، أنا عاشق متعصب للحرية، وأعتبرها الوسط الوحيد حيث يمكن أن يتطور الذكاء والكرامة والسعادة الإنسانية، إنها ليست "الحرية" الرسمية المرخصة، المقاسة والمنظمة من قبل الدولة، هذا الزيف الذي يمثل امتيازات قلة تستمدها من عبودية كل الأشخاص الآخرين، وليست الحرية الشخصية الأنانية اللئيمة الوهمية التي طورتها مدرسة روسو وبقية مدارس الليبرالية البرجوازية والتي تعتبر حقوق الأفراد محدودة بحقوق الدولة وهكذا تؤدي بالضرورة إلى اختزال حقوق الأفراد إلى الصفر.
كلا، إنني أقصد الحرية الوحيدة التي تستحق هذا الاسم بحق، الحرية التي تكمن في التطور الكامل للقوى المادية والفكرية والأخلاقية الموجودة كقدرات كامنة في أي شخص(فرد)، الحرية التي لا تعترف بأية قيود سوى تلك التي يمكن نسبتها إلى قوانين طبيعتنا البشرية ذاتها مما يعني بالضبط عدم وجود قيود لأن هذه القوانين لا يتم فرضها علينا من مشرع خارجي إلى جانبنا أو فوقنا، إنها موجودة داخلنا، فطرية وتشكل الأساس الحقيقي لوجودنا المادي والفكري والأخلاقي، ولذلك بدلا من أن نراها كقيود يجب أن نعتبرها الشروط الحقيقية والسبب النافذ المفعول لحريتنا.
إنني أعني حرية كل فرد التي بعيدا عن تعطلها عند حدود حريات الآخرين تجد فيها تعزيزا لها وامتدادها إلى اللانهائية، الحرية اللامحدودة لكل فرد عبر الحرية للجميع، الحرية عبر التضامن، الحرية في المساواة، الحرية التي تنتصر على القوة البهيمية ومبدأ السلطة الذي ليس إلا التعبير المثالي عن هذه القوة، الحرية التي بعد أن تطيح بكل الأوثان السماوية والأرضية سوف تؤسس وتنظم عالما جديدا وذلك من التضامن الإنساني على أنقاض كل الكنائس والدول.
إنني مؤيد مقتنع للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، لأنني أعلم أنه بدون هذه المساواة فإن الحرية، العدالة، الكرامة الإنسانية، الفضيلة، وخير الأفراد إضافة إلى ازدهار الشعوب لن يكون إلا مجموعة كبيرة من الأكاذيب. ولكني كمؤيد للحرية في كل الظروف، وهي الشرط الأول للإنسانية، أرى أن الحرية يجب أن تؤسس نفسها في العالم بواسطة التنظيم العفوي للعمل والملكية الجماعية لجمعيات إنتاجية تتنظم وتتوحد بشكل حر في مقاطعات وبالاتحاد المتساوي العفوي للمقاطعات وليس بالتأثير الفوقي والوصائي للدولة.
هذه هي النقطة التي تفرق الاشتراكيين أو التعاونيين الثوريين عن الشيوعيين السلطويين (Authoritarian) الذين يؤيدون المبادرة المطلقة للدولة. إن هدفهم هو ذاته، فكل حزب يرغب بشكل متساوي بإنشاء نظام اجتماعي جديد يقوم فقط على تنظيم العمل الجماعي، ويفرض بشكل حتمي على كل فرد بالقوة المطلقة للأشياء، ظروف اقتصادية متساوية للجميع والاستيلاء الجماعي على أدوات العمل. إن الشيوعيين وحدهم يتخيلون أنهم قادرون على تحقيق هذا بتطوير وتنظيم القوة السياسية للطبقات العاملة، وبشكل أساسي بروليتاريا المدن، بمساعدة البرجوازية الراديكالية فيم يرى الاشتراكيون الثوريون، أعداء كل التحالفات أو المشاركات المشبوهة، على النقيض من ذلك أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بتطوير وتنظيم ليس القوة السياسية ولكن القوة الاجتماعية وبالتالي المعادية للسياسة للجماهير العاملة في المدن والريف على حد سواء، بما في ذلك كل الموالين من الطبقات العليا الذين يقطعون صلاتهم تماما بماضيهم ويرغبون بالانضمام إلى الجماهير ويتبنون برنامجها بالكامل.
هنا يوجد طريقان مختلفان. يعتقد الشيوعيون أن عليهم تنظيم قوى العمال ليستولوا على القوة السياسية للدولة. فيما يتنظم الاشتراكيون الثوريون بهدف تدمير، أو إن كنت تفضل كلمة أكثر تهذيبا، التخلص من الدولة. إن الشيوعيون مؤيدين لمبدأ وممارسة السلطة، أما الاشتراكيون الثوريون فيثقون فقط بالحرية. كلاهما مؤيد للعلم الذي عليه أن يقتل الخرافة ويستبدل الإيمان، الأول يرغب بفرضه أما الثاني فيبذل أنصاره أنفسهم لنشره بحيث أن مجموعات من البشر المقتنعين سوف ينظمون أنفسهم ويتحدون طوعا من الأسفل إلى الأعلى وفقا لمصالحهم الفعلية وليس وفق خطة معدة سلفا ومفروضة على الجماهير الجاهلة من قبل مفكرين متفوقين.
يرى الاشتراكيون الثوريون أنه هناك منطق عملي وحيوية أكثر في الطموح الغريزي والحاجات الفعلية لجماهير الشعب أكثر من الذكاء العميق لكل هؤلاء الرجال المتعلمين ومرشدي البشرية الذين بعد الكثير من الجهود فشلوا أن يجعلوها سعيدة وما يزالون يتجرؤون على إضافة جهودهم. على النقيض من ذلك يرى الاشتراكيون الثوريون أن الجنس البشري ترك نفسه يحكم لفترة طويلة بما فيه الكفاية أو أطول من اللازم وأن سبب مصائبه لا يكمن في هذا الشكل أو ذاك من الحكومات بل بالذات في مفهوم وحقيقة الحكومة من أي نوع كانت. وباختصار أصبح هذا التناقض تاريخيا بين الشيوعية المطورة علميا بواسطة المدرسة الألمانية والتي تم تبنيها جزئيا من الاشتراكيين الانكليز والأمريكيين وعلى الطرف الآخر البرودونية (الاشتراكي الفرنسي برودون) التي جرى تطويرها ودفعها إلى آخر نتائجها وجرى تبنيها بالمقابل من بروليتاريا الدول اللاتينية.
وقد جرى تبني كليهما وسيجري قبولها أكثر فأكثر من الوجدان المعادي للسياسة للشعوب السلافية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق