واين برايس
مقدمة المترجم
مقدمة المترجم
السطور التالية ليست موجهة لشيوعيين منظمين في أحزاب قائمة ( ستالينية غالبا ) و لا حتى لمن يعتبر نفسه يساريا أو ثوريا محترفا , إنها موجهة أساسا لكل من يناضل و يحلم بتغيير الواقع الذي يعيشه , إنها تحاول أن تشرح له باختصار ما ليس باشتراكية أو ما هو الشكل المزيف الذي وجد في الأمس من الاشتراكية و الذي لم يحقق انعتاق العمال بل خلق استغلال و تهميشا جديدا لهم , لكي يكون قادرا بشكل أفضل على تصور البديل الثوري الحقيقي عن الواقع الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي القائم و النضال في سبيله .
مازن كم الماز
—————————————————————————————————–
السبب الأكثر أهمية لدراسة طبيعة الاتحاد السوفيتي و الدول المماثلة له هو الضوء الذي تلقيه ( هذه الدراسة – المترجم ) على ما الذي نقصده من معاداة الرأسمالية و الاشتراكية . فإن اعتبارنا هذه الدول اشتراكية يحدد ما الذي نؤمن به كبديل عن الرأسمالية . هناك الكثير من الراديكاليين الذين ينجذبون إلى مثال الاتحاد السوفيتي أو الصين الماوية , الذين يعجبون بكوبا اليوم أو بالماويين النيباليين . على الجهة المقابلة ( الأخرى ) , كانت مؤسسات الرأسمالية الغربية سعيدة بالموافقة على أن الاتحاد السوفيتي , الصين , كوبا , الخ , أنها كانت ( و ما يزال بعضها ) “اشتراكيا” و “شيوعيا” . إنهم يقولون , قد تكون هناك أخطاء في الرأسمالية , لكن هذا هو البديل “اللا رأسمالي” الوحيد الذي وجد أو من الممكن أن يوجد .
هذه ثلاثة مقالات لواين برايس عن الطبيعة الحقيقية لهذه الدول .
نشرت هذه المقالات الثلاثة لأول مرة على موقع anarkismo.net على مدى ثلاثة شهور بقلم واين برايس عام 2006 .
القسم الأول
ما الذي نعنيه بمعاداة الرأسمالية ؟
إذا أراد المناهضون للرأسمالية بديلا عنها , فإننا نحتاج لدراسة طبيعة البلدان وفق نموذج ( مثال ) الاتحاد السوفيتي . هناك ثلاثة مجموعات من النظريات فيما يتعلق بهذه البلدان . إحدى هذه النظريات أن هذه المجتمعات هي اشتراكية أو أنها “دول عمالية” . سنقارن هذه بالأهداف التحررية الأصلية لاشتراكية من دون طبقات .
يسمي الكثير من الناشطين أنفسهم “معادين للرأسمالية” . لكن هذه التسمية سلبية , فما الذي نعنيه بهذا ؟ بما أن مناهضي الرأسمالية يرغبون بإيجاد بديل عن النظام الحالي , فمن الضروري دراسة طبيعة المجتمعات التي تزعم أنها قد حلت مكان الرأسمالية في وقت ما , أعني الاتحاد السوفيتي السابق و البلدان المماثلة له . هناك أدب يساري هائل عن هذا الموضوع . سعى كثير من الراديكاليين إلى تحليل البلدان التي حكمتها الأحزاب الشيوعية ( الماركسية – اللينينية ) , البلدان التي سمت نفسها “اشتراكية” و التي يسميها الكثير منا في أقصى اليسار “ستالينية” . لكن بالنسبة للكثير من الراديكاليين اليوم فإن هذا الجزء من النظرية يبدو قديما , كونه يدور حول بلد لم يعد موجودا منذ بعض الوقت . بين عامي 1989 و 1992 انحل الاتحاد السوفيتي و الحكومات الستالينية في أوروبا الشرقية , نتيجة مزيج من الثورات الشعبية و مناورة أقسام من البيروقراطية الحاكمة . لذلك يستنتج الكثيرون أن دراسة طبيعة هذه الدول لم تعد ذات صلة ( مهمة ) اليوم .
إنني أختلف بقوة مع موقف عدم الاهتمام هذا ( مع موقف اللامبالاة هذا ) . لسبب واحد , هو أن الأنظمة التي حكمها و يحكمها الحزب الشيوعي تستمر بلعب دور هام في العالم . شعب الصين الضخم يؤثر في الاقتصاد و في السياسة و التوازن العالميين اليوم . ما تزال هناك عدة بلدان آسيوية صغيرة ذات حكومات تنتمي إلى الحزب الشيوعي . تشمل هذه كوريا الشمالية التي يؤثر تسليحها النووي على التوترات الدولية . و تستمر الحكومة الكوبية بلعب دور كبير في الشؤون الأمريكية اللاتينية , متحالفة على الخصوص مع النظام الفينزويلي لهوغو تشافيز . تحافظ منظمة فارك الماركسية – اللينينية على دولة داخل الدولة في كولومبيا . و هي هدف متزايد لتدخل الولايات المتحدة . و ينجذب كثير من الراديكاليين إلى التمرد الماوي في نيبال الذي يملك فرصة للوصول إلى السلطة . و أخيرا , لفهم العالم , من الضروري فهم الذي يجري في الدول التي خلفت الاتحاد السوفيتي , مثل روسيا , أوكرانيا , كازاخستان , الخ , إضافة إلى ما يجري في الدول الأوروبية الشرقية الجديدة . لا يمكن فعل ذلك دون فهم تاريخها القريب , و النظام الذي عاشت في ظله قبل عدة سنوات فقط . لكن السبب الأكثر أهمية بالنسبة لي لدراسة طبيعة الاتحاد السوفيتي و الدول المماثلة له هو الضوء الذي تلقيه مثل هذه الدراسة على ما نعنيه بمعاداة الرأسمالية و بالاشتراكية . يحدد ما إذا كنا نعتبر هذه الدول اشتراكية ما الذي نعتقد أنه بديل عن الرأسمالية . هناك عدد كبير من الراديكاليين الذين ينجذبون إلى مثال الاتحاد السوفيتي السابق أو الصين الماوية , أو المعجبين بكوبا اليوم أو بالماويين النيباليين . إنهم يريدون تشكيل عالم تكون فيه كل البلدان مثل كوبا تقريبا , بما في ذلك أمريكا الشمالية و أوروبا . إنهم يصفون الاتحاد السوفيتي و كوبا “بالاشتراكية القائمة بالفعل” . أي أنه إذا كنت تريد الاشتراكية , فهذه هي الاشتراكية التي وجدت بالفعل , سواء أحببتها كما هي أم لا , لذلك من الأفضل على مناهضي الرأسمالية أن يقبلوا بها .
على الجهة المعاكسة , كانت مؤسسات الرأسمالية الغربية سعيدة بأن تقبل أن الاتحاد السوفيتي , الصين , كوبا , الخ , كانت أو ما تزال “اشتراكية” و “شيوعية” . إنهم يقولون قد تكون هناك أخطاء في الرأسمالية , لكن هذا هو البديل الوحيد “اللا رأسمالي” الذي وجد أو يمكن أن يوجد . هذه الدول الكريهة , التوليتارية , الستالينية , هي الاشتراكية الوحيدة التي يمكن أن توجد على الإطلاق . لذا على كل شخص أن يقبل الرأسمالية , كما يعلنون .
( إنني أسمي هذه الأنظمة “ستالينية” . لكن هذا لا ينفي أن لينين و تروتسكي قد وضعا الأساس لتوليتارية ستالين . و لا أنكر أنه كانت هناك تغيرات هامة في هذه البلدان بعد موت ستالين . لكني أعتقد أن هذا النظام قد تعزز تحت حكم ستالين , عندما تم القضاء على البقايا الأخيرة من الثورة الروسية , و جرت إبادة عشرات ملايين العمال و الفلاحين , و جرى تثبيت الطبقة البيروقراطية الحاكمة الجديدة . لقد أصبحت التوليتارية الروسية برنامج كل الأحزاب الشيوعية , كما هي التوليتارية الصينية . لذلك فإن الستالينية هي وصف مناسب ) .
هناك تيارات أخرى بين الراديكاليين , خاصة بين التحرريين , ترفض شعارات الاشتراكية , و الشيوعية , و اليسار . بالنسبة لهم ليست هناك مشكلة إذا تم تعريف ( تحديد ) هوية نظام الاتحاد السوفيتي مع الاشتراكية . إنهم يتفقون مع هذا التوصيف . لن أذهب بعيدا مع تلك التيارات الآن , فقط سأشير إلى أنها لا ترفض بالنتيجة اشتراكية الدولة ( الاشتراكية الدولتية نسبة للدولة ) فقط بل كل المشروع الاشتراكي .
تاريخيا اعتبر التحرريون أنفسهم جزءا من اليسار – اليسار الأقصى لليسار , أي الأكثر معارضة بين أولئك الذين يعارضون الرأسمالية و الدولة . عدوا أنفسهم على أنهم الجزء الأقصى من الحركة الاشتراكية . في مقاله الشهير عن “اللاسلطوية” ( الأناركية ) للموسوعة البريطانية , كتب كروبوتكين “يعتبر اللاسلطويون ( التحرريون , الأناركيون ) , بالاشتراك مع كل الاشتراكيين , الذين يشكلون الجناح اليساري … نظام العمل المأجور و الإنتاج الرأسمالي معا عقبة في طريق التقدم” . ( 1975 , ص 109 ) .
التيار الذي أعتبر أنه يشكل هويتي هو اللاسلطوية ( التحررية , الأناركية ) الثورية , المؤمنة بالصراع الطبقي و بالتنظيم . إننا نعني من “معاداة الرأسمالية” الاشتراكية التحررية و الشيوعية الأصيلة . إننا ننادي باستبدال الرأسمالية بشبكة تعاونية من اتحادات و كومونات المنتجين و المستهلكين المنظمة ذاتيا , و التي ستنتج من أجل الاستهلاك ( الاستخدام ) لا من أجل الربح . و سيجري تخطيطها بشكل ديمقراطي من الأسفل إلى الأعلى . سيجري تنظيم المجتمع من خلال هذه الاتحادات و الكومونات , بفيدرالية مجالس أماكن العمل و المجتمع . و سيجري استبدال البوليس و الجيش بميليشيا شعبية , طالما بقيت الحاجة لها .
“مكان المجتمع البرجوازي القديم , بطبقاته وتناقضاته الطبقية , سيكون لدينا اتحادا , سيكون فيه التطور الحر لكل فرد هو الشرط للتطور الحر للجميع” . هذه هي الأهداف المعلنة للبيان الشيوعي لماركس و أنجلز , المنعكسة في الاتجاه الإنساني , التحرري داخل الماركسية و في اللا سلطوية ( التحررية ) الثورية . هل لبت ( أو حققت ) الأنظمة الستالينية هذه الأهداف ؟ هل كانت حتى تسير في ذلك الاتجاه ؟ إذا كان الجواب لا , فما الذي يعنيه إذن أن نسميها “اشتراكية” ؟ هذه هي الأسئلة التي سأناقشها في سلسلة من ثلاثة أجزاء .
النظريات الثلاثة عن الستالينية
في اليسار , يمكن تقسيم النظريات عن طبيعة الاتحاد السوفيتي إلى ثلاثة اتجاهات .
إحداها ( و هي التي سندرسها في هذا الجزء ) هي أنها شكل من أشكال الاشتراكية , أو تتجه نحو الاشتراكية , أو أنها مجتمع “بعد رأسمالي” . اعتبر تروتسكي الاتحاد السوفيتي تحت ستالين “دولة عمالية مصابة بالانحطاط” . بعد الحرب العالمية الثانية سمى أنصاره الأرثوذوكسيون ( التقليديون ) الدول الستالينية الجديدة “دول عمالية مشوهة” ( حيث أنها لا يمكن أن تتعرض للانحطاط دون أن تقوم فيها ثورات عمالية فعلية و لكن معظم هؤلاء المنظرين اعتبروا كوبا “دولة عمالية سليمة” ) . بأي حال ( في كل الأحوال ) , اعتبرت هذه النظريات النظام الستاليني أفضل ( أكثر “تقدمية” ) من الرأسمالية .
مجموعة ثانية من النظريات اعتبرت الستالينية نوعا جديدا , ثالثا , من المجتمعات الطبقية . إنها , كما يزعمون , ليست اشتراكية و لا رأسمالية . كانت البيروقراطية طبقة حاكمة جديدة تدير اقتصادا مؤمما و قد جرت جمعنته . كانت تستغل العمال بطريقة ما . هذا النظام ليس أفضل من الرأسمالية و ربما كان أسوأ . هذه النظرية ( التي تسمى “الجماعية البيروقراطية” ) طورها بعض التروتسكيين المنشقين . نسخة منها طورها منظرو “الباركون” ( الاقتصاد التشاركي لمايكل ألبرت و ) .
المجموعة الثالثة من النظريات تعتبر هذا النظام على أنه نوع من الرأسمالية , رغم فروقه الظاهرية عن الرأسمالية التقليدية . يسمى هذا النظام عادة “رأسمالية الدولة” . يعود هذا المفهوم إلى أعمال ماركس و أنجلز . و قد طوره على الأغلب تروتسكيون منشقون لكن اللاسلطويين ( التحرريين ) استخدموه أيضا . برأيي إن هذا هو أفضل تحليل لهذا النظام .
هل كان الاتحاد السوفيتي اشتراكيا ؟
أن نسمي الاتحاد السوفيتي اشتراكيا قد تكون مسألة ( قضية , مشكلة ) تعريف . إذا أراد الناس أن يعرفوا الاشتراكية بأنها الصناعة المملوكة للحكومة – الذي قد يكون ما يقصده معظمهم من “الاشتراكية” – فعندها تكون البلدان الستالينية اشتراكية بالفعل . لا يمكنني أن أثبت أن هذا التعريف “غير صحيح” . لكن الماركسية التي يزعم مؤيدو هذا النظام أنهم يتبعونها تصف الاشتراكية بطريقة مختلفة ( على الأقل هذا ما تفعله ماركسية ماركس ) . إنها تلح على التحليل الطبقي لكل مجتمع . في نفس القسم من البيان الشيوعي الذي اقتبسته سابقا , يصرح ماركس و أنجلز بأن “.. الخطوة الأولى في الثورة من قبل الطبقة العاملة هي أن تنهض البروليتاريا إلى موقع طبقة حاكمة , لكي تقيم الديمقراطية … الدولة , أو البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة … عندما في سياق التطور , تختفي التباينات الطبقية … و ستفقد السلطة الشعبية طابعها السياسي” . ( 1955 , ص 31 – 32 ) .
أي أنه , بالنسبة لماركس , ستقوم الطبقة العاملة و حلفاؤها ( الفلاحون , النساء , الخ ) بالاستيلاء على المجتمع و ستؤسس ديمقراطية , أو “دولة” التي هي ليست إلا الطبقة العاملة المنظمة ذاتيا . و ستتقدم ( بسرعة أو ببطء ) لتنهي كل التباينات الطبقية و الدولة نفسها . ( يعتقد الماركسيون التحرريون أن ماركس قد أصبح حتى أكثر عداءا للدولة بعد كومونة باريس ) . أنا لا أناقش هنا صحة الماركسية التحررية ( الداعية للاستقلال الذاتي ) ( التيار التحرري من الماركسية الذي دعا إلى الاستقلال الذاتي للعمال , انطونيو نيغري مثلا و روزا لوكسمبورغ – المترجم ) , فقط أشير إلى تداخلها مع لا سلطوية ( تحررية ) الصراع الطبقي في المشروع الاشتراكي .
من الواضح أن الدول وفق نموذج الاتحاد السوفيتي لم تلب هذا المعيار الطبقي . هناك ( كانت هناك ) بيروقراطية من السادة في الأعلى , تقرر كل شيء و تتخذ القرارات . كانت الدولة هي البيروقراطية “المنظمة كطبقة حاكمة” ( و ليست الطبقة العاملة ) . في الاقتصاد المخطط , كانوا هم من يقوم بالتخطيط . كان العمال في القاع , يتلقون الأوامر , و يفعلون ما يطلب منهم , و يقاومون حيث يمكنهم ذلك – تماما كما كان عليه الحال في ظل الرأسمالية . كان هناك نظام هائل من القمع البوليسي . سمح فقط بحزب واحد , منعت كل الأحزاب الأخرى , حتى الأحزاب الاشتراكية . لم يسمح بأية مؤتمرات للمعارضة داخل الحزب الواحد أيضا . التنظيم لصالح آراء أخرى , مثل اللاسلطوية , كوفئ ( عوقب ) بالسجن , بمعسكرات العمل الإلزامي , مشافي الأمراض العقلية , أو الموت . حظرت النقابات المستقلة أو الإضرابات . لذلك لم يكن أمام الشغيلة أي خيار أو أي طريقة للتحكم في “قادتهم” .
مؤيدو النظام الستاليني يعرفون هذا بالطبع . بالكاد يمكنهم إنكار أن الاتحاد السوفيتي يومذاك و كوبا اليوم هي ديكتاتوريات الحزب الواحد . يمكنهم فقط أن يدافعوا عن أنها ديكتاتوريات جيدة ( خيرة ) , و جيدة للعمال خاصة . يمكنهم الإشارة إلى جمعيات العمال المتخيلة أو الحقيقية في المستوى الأدنى , على سبيل المثال ( حيث يمكن للعمال أن يقرروا كيف ينفذون الجزء الخاص بهم من الخطط التي توضع في مكان آخر من قبل آخرين ) . تتم الإجابة عادة على الانتقادات لديكتاتوريات الحزب الواحد بتغيير الموضوع , بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة , رغم كل شيء , بنظامها ثنائي الأحزاب هي في الواقع ديكتاتورية كبار الرأسماليين (هذا صحيح و لكن لا علاقة له بالنقد الموجه للستالينية ) .
في الواقع , لقد فرضت هذه الديكتاتوريات الجيدة ( الخيرة ) كما يفترض بواسطة الإرهاب الشديد . من الممكن أن يكون 20 مليون عامل و فلاح قد قتلوا ( أو ماتوا ) تحت حكم ستالين لغرض تثبيت البيروقراطية . ملايين أكثر ماتوا تحت حكم ماو , أثناء القفزة الكبرى للأمام و أثناء الثورة الثقافية . في كمبوديا أباد بول بوت ربع السكان . خاطر الآلاف بحياتهم و هم يفرون من فيتنام , كوريا الشمالية , التيبيت , و كوبا . حتى أقل الأنظمة عنفا , مثل النظام الكوبي , تدعمها قوى هائلة من البوليس و لديها عدد كبير من المسجونين السياسيين .
من الواضح أنه و لا في أي من هذه الدول كانت البروليتاريا في موقع الطبقة الحاكمة , أو على الطريق نحو إلغاء كل التباينات الطبقية و الدولة . هنا أكثر الأنظمة قمعا على وجه الأرض , دول مشابهة في بنيتها لألمانيا النازية , تخفي نفسها كتجسيد لأكثر المثل تقدما , تحررية , و اشتراكية ! هذا مقرف , رغم أنه ليس من دون منطقه الخاص . ما هو مثير للقرف بشكل خاص هو أن كثير من الراديكاليين يسمحون لأنفسهم بأن يفروا بفعلتهم هذه , سواء بدعم هذه الدول أو برفض مثال الاشتراكية . ( لأية درجة قادت الماركسية نفسها إلى استبداد كهذا , أي ما هي الجوانب التسلطية ( أو السلطوية ) في الماركسية , هذا نقاش آخر ) .
المثير للاستغراب أيضا هو عدد الراديكاليين ذوي النوايا الطيبة الذين تأثروا بماويي نيبال . لقد جاءت الستينيات و السبعينيات و ذهبت . لقد رأينا هذا الفيلم من قبل . إننا نعرف – أو يجب أن نعرف – ما الذي سينتج عن هذا . إننا نعرف ما الذي يحدث عندما تصل إلى السلطة حركات ذات قادة ماركسيين – لينينيين ( ستالينيين ) أو قوميين راديكاليين . لن تكون النتيجة أبدا حكم الشغيلة الديمقراطي .
الدفاع عن الستالينية
يجادل التبريريون أن هذه المجتمعات كانت جيدة للطبقة العاملة , و لذلك فقد حكمها العمال , حتى لو أنهم لم يحكموها ( بالفعل ) . يشير هؤلاء المؤيدون إلى أنه كان هناك في الاتحاد السوفيتي تشغيل كامل للعمالة , سكن مؤمن , و رعاية صحية شاملة . هذا بالمقارنة مع البطالة و زيادة بؤس الشعب الروسي اليوم . دفاع مشابه يقال عن الصين , التي كان فيها ذات يوم “طاسة الرز الحديدية” , التي ضمنت العمل و الطعام لجميع الصينيين . جرى التخلي عن هذه “الطاسة” من قبل القيادة الحالية ( رغم أن القيادة بقيت بيد الحزب الشيوعي , الذي يصرح أن الماركسية – اللينينية هي إيديولوجيته , و يحتفظ بقدر هائل من الملكية المؤممة – الأمر الذي يجعل كل الموضوع مشوشا ) . أشياء مشابهة تقال عن الرعاية الصحية و التغطية الطبية في كوبا . معظم هذا كله صحيح – حتى لو كانت الوظائف , و الرعاية الصحية , و المساكن في الاتحاد السوفيتي من نوعية منخفضة إلى حد ما في الواقع .
إن كل طبقة حاكمة تعقد صفقة .. مع شغيلتها : إذا سمحتم لنا بالحكم , دون تمرد , فسنعطيكم بعض المنافع و الحقوق , لنجعل الحياة ممكنة الحياة بالنسبة لكم . في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا , تحصل البرجوازية العليا على ثروة أبعد من أحلام أباطرة و فراعنة العالم القديم . إنهم يديرون المجتمع بما فيه مصلحتهم . بالمقابل , فقد وفروا لأغلب العمال الأمريكان ( البيض على أي حال ) مستوى حياة مرتفع نسبيا , أفضل مما عاشه آباؤهم , مع مستوى معقول من الديمقراطية و الحرية السياسية . في هذه المرحلة , يجري تفكيك هذه الصفقة ( تطبيق السياسات النيوليبرالية – المترجم ) , مع تخفيض مستوى الحياة و الحرية . لذا يمكن التنبؤ بتصاعد السخط و روح الثورة .
في الدول التي حكمها الشيوعيون , كانت هذه الصفقة أن يحصل العمال على تشغيل كامل , و على السكن , و الرعاية الصحية , و التعليم , الخ . هذا لم يكن جيدا بنفس الدرجة التي وفرتها الديمقراطيات الاشتراكية الاسكندينافية ( في ظل الرأسمالية الخاصة ) , لكنها كانت ما تزال لائقة , أخذا بالاعتبار مستوى الإنتاجية المنخفض فيها . بالمقابل , كانت البيروقراطية تحصل على سلطة غير محدودة و ثروات هائلة للطبقة العليا ( التي عاشت بشكل أفضل بكثير من العمال في الأسفل ) . هذا لا يعني أن العمال قد حكموا الاتحاد السوفيتي أو أنهم يحكمون كوبا , أكثر مما يحكم العمال الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الاسكندينافية . لقد كانت تلك صفقة طبقية فقط .
بانهيار الاتحاد السوفيتي و الدول الأوروبية الشرقية , أمل العمال أنهم سيحصلون على نفس الصفقة الموجودة في الدول الاسكندينافية أو على الأقل أوروبا الغربية : لنقل ألمانيا أو فرنسا . عوضا عن ذلك عوملوا كما لو أنهم يعيشون في أفريقيا أو أفقر مناطق آسيا . تحول البيروقراطيون القدامى إلى برجوازية أصبحت مفرطة الثراء بينما حصل العمال و المزارعون على منافع أقل بكثير بدلا من تلك التي فقدوها . حصلوا غالبا على زيادة في الحرية السياسية ( و ليس الكثير من هذا أيضا ) , هذا شيء جيد لكنه شيء لا يمكن أكله . ينظر الكثير بشكل طبيعي إلى الوراء إلى الصفقة القديمة بتوق شديد , على الأقل كان هناك وظائف و طعام . لكن هذا لا يثبت أن الاتحاد السوفيتي كان سوى دولة استغلالية منقسمة طبقيا و توليتارية . و لا يمكن لكل التعليم و التغطية الطبية في كوبا , مهما كانت قيمتها , أن تجعل من الدولة ديمقراطية عمالية أو من كاسترو إلا ديكتاتورا .
إن الصفقات الطبقية لا تكفي . المشكلة هي أن معاييرنا منخفضة جدا . هناك حاجة لأكثر بكثير من مدارس لائقة للأطفال و تغطية طبية جيدة على المستوى العالمي إذا كان على الجنس البشري أن يتجنب التدمير بالحرب النووية أو الكارثة البيئية . ما نحتاجه هو رؤية طالب بها الاشتراكيون الطوباويون , و الماركسيون الأصليون , و اللا سلطويون ( التحرريون ) . لا يمكن لأي شيء آخر أن ينجح .
حكم العمال يجب أن يكون ديمقراطيا
يشير التروتسكيون و غيرهم إلى أنه يمكن إدارة الرأسمالية عبر دولة برجوازية ديمقراطية لكن يمكن أيضا أن تعمل تحت أشكال مختلفة من الديكتاتورية , مثل الملكية , الدول البوليسية , أو الفاشية . إنهم يجادلون , أنه بشكل مشابه , يمكن للطبقة العاملة أن تحكم ( و هذا هو بداية الاشتراكية ) من خلال ديمقراطية بروليتارية , مثل كومونة باريس أو السوفيتيات الأصلية , لكن يمكنها أيضا أن تعمل تحت الديكتاتورية . ستالين , ماو , كيم إيل سونغ , و كاسترو , جميعهم يفترض أنهم حكموا “دولا عمالية” , ليست بنفس جودة نظام الكومونة , لا شك , لكنها ما تزال تحافظ على سلطة الطبقة العاملة , و إن بشكل غير مباشر . هكذا يجادلون .
لكن التشبيه بين الرأسمالية و حكم الطبقة العاملة لا يصمد . يحكم الرأسماليون العمال بشكل أساسي من خلال السوق . ما يريدونه من الدولة هو أن تحمي السوق , و أن تفرض العقود , و أن تقمع العمال , و بعض التنظيم و التدخل الاقتصادي لتبقي السوق في تقدم مستمر . هذا يمكن القيام به بأفضل ما يمكن من خلال ديمقراطية رأسمالية , لكنها ليست مشكلة كبرى إذا قام بهذه المهام شكل ما من الديكتاتورية . لم تقلل ألمانيا النازية و لا تشيلي بينوشيت من الأرباح الرأسمالية – على العكس تماما .
على عكس الرأسماليين ( أو بقية الطبقات الحاكمة الأخرى , مثل اللوردات الإقطاعيين أو مالكي العبيد ) , فإن العمال اليوم لا يملكون وسائل الإنتاج ملكية خاصة . يتعاون العمال المعاصرون في عملية الإنتاج , في مكان العمل و في المجتمع ككل . إذا أراد العمال أن يديروا الصناعة , فيجب عليهم أن يفعلوا ذلك بشكل تعاوني و جماعي . على عكس الرأسماليين , لا يمكنهم أن يعتمدوا على عمليات أتوماتيكية ( آلية ) , مثل “اليد الخفية” للسوق . يجب أن يتخذوا قرارات واعية حول كيف يمكن إدارة الاقتصاد ( و أي شيء آخر ) . يجب أن ينخرطوا في تخطيط ديمقراطي , و هي مسألة اتخاذ قرارات مدروسة , واعية و جماعية . إذا أرادت الطبقة العاملة و المضطهدون أن يحكموا , و أن يطوروا مجتمعا دون طبقات , دون اضطهاد , يجب أن يفعلوا ذلك من خلال أكثر الديمقراطيات راديكالية ,و كمالا , و مشاركة . لا يمكن تحقيق ذلك من خلال أي نوع من حكم النخبة , ناهيك عن الديكتاتورية , سواء من فرد واحد أو من حزب طليعي . لم يفهم البلاشفة هذا أبدا , و اللينينيون المعاصرون لا يفهموه الآن أيضا .
هناك مشكلة مماثلة في تشبيه تروتسكي بين “دولة عمال” ستالين و بين النقابة العمالية البيروقراطية التي تقودها عصابة . كلاهما , كما يقول , هي مؤسسات عمالية , تهيمن عليها قوى غير ديمقراطية , أو عملاء داخليون لرأس المال . و كما هو الحال مع النقابة السيئة , يجب الدفاع عن الدولة الستالينية ضد الرأسماليين و الدول الرأسمالية , بينما يحاول العمال أن يستعيدوها . هذا التشبيه لا يصمد أيضا . حتى النقابة العمالية البيروقراطية ما تزال توفر بعض الحماية للعمال ضد السادة . لكن الدول الستالينية استغلت العمال و اضطهدتهم مباشرة . إنها تشبه السادة الرأسماليين , لا النقابات العمالية .
ليس الاتحاد السوفيتي و أسلافه ( سلالته ) دولا عمالية , ولا بعد رأسمالية , و لا اشتراكية , أو تتجه نحو الاشتراكية . إنها دول توليتارية ذات طبقة حاكمة بيروقراطية و طبقة عمالية مستغلة . إنها ليست بدائل عن الرأسمالية . يجب أن تتضمن معاداة الرأسمالية التسيير الذاتي الأكثر ديمقراطية , كما في التقليد ( الإرث ) الاشتراكي التحرري , أو أنه سيحكم عليها بالفشل ( كما جرى بالفعل – المترجم ) .
نقلا عن http://www.anarkismo.net/article/2925
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق